يعتبر العنف ضد المرأة، أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا في العالم، ومشكلة صحية ذات آثار سلبية مضاعفة، جسيمة بدنية ونفسية وجنسية، تخلف تكاليف اجتماعية واقتصادية باهظة، تزداد تفاقما في عصرنا الحالي، بسبب الصراعات والحروب والأزمات والكوارث، ونظرا لتزايد حالات العنف ضد المرأة، فقد أصبح العالم مطالبا ببذل مجهودات أكبر للحد من هذه الظاهرة، وهو ما يتجسد في الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في يوم 25 نونبر من كل سنة، لتقييم النتائج والتعبئة، من أجل مواصلة النضال والقضاء على كل أشكال الاستغلال والعنف والتحرش والتمييز ضد المرأة في المجتمع.
"التمييز" شكل من أشكال العنف ضد المرأة
وتعد الممارسات التمييزية، سواء كانت مبنية على النوع الاجتماعي أو الراتب، من أبرز أشكال العنف ضد المرأة في مكان العمل. ويعيق هذا النوع من العنف تقدم المرأة، ويقيض جهودها الاحترافية نحو المستقبل، من جهة أخرى، يعد التحرش الجنسي في مكان العمل آفة تهدد كرامة المرأة وتؤثر على أدائها الوظيفي داخل بيئة العمل.
سبق وقد اعلنت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان أنّ العنف ضد المرأة في مكان العمل "يشكّل حاجزًا أساسيًّا واسع النطاق، يعيق تمتّعها الكامل بالحقوق والحريّات الأساسيّة".
وبهذه المناسبة، دعت المنظمة الديمقراطية للشغل، في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي صادف يوم السبت 25 نونبر الماضي، إلى توفير الحماية القانونية للمرأة العاملة، ووضع حد لآفة العنف والتحرش في بيئة العمل، من خلال تفعيل مضامين وبنود اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (C190)، وتوصية منظمة العمل الدولية رقم (R206) وتنفيذها.
وقد دعت، وزارة الإدماج الاقتصادي، والمقاولة الصغرى، والشغل والكفاءات، ونقابة أرباب العمل، أيضا، إلى تكثيف المراقبة والتتبع، لتوفير العمل اللائق والأجر الأمن للنساء الأجيرات، واشتغالهم في ظروف آمنة وعادلة ضامنة للحقوق والكرامة الإنسانية، ولتحقيق المساواة القائمة على النوع الاجتماعي، ومحاربة كافة أشكال التمييز والعنف ضد النساء الأجيرات، وكذلك محاربة الصور النمطية للنهوض بحقوق النساء عامة.
في هذا الصدد، قال الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، علي لطفي، في تصريح "للأيام 24″، إن "المجهودات التي بذلت على المستوى التشريعي والتوعية والتحسيس، التي تقوم بها الجمعيات النسائية والمجتمع المدني والنقابات العمالية، فإن هذه الآفة لازالت تتفاقم بشكل ملحوظ في أماكن العمل بالمغرب، وما تزال المرأة العاملة تعاني من بعض مظاهر المعاناة الاجتماعية، وذلك في ظل ارتفاع معدلات البطالة في صفوف النساء، بالإضافة إلى، والهشاشة والفقر والإقصاء الاجتماعي، وارتفاع معدلات الطلاق، وعجز العاملات المضطهدات عن التبليغ والاشعار، بما يلاقونه من عنف جسدي أو نفسي أو تحرش جنسي خوفا من الطرد والاستغناء عن خدماتهن".
استراتيجية الدولة في مواجهة العنف
وفي هذا الإطار، رصدت المندوبية السامية للتخطيط، حول الوضعية النسائية بالمغرب، أن تفشي ظاهرة العنف ضد النساء في المغرب، سواء في الوسط العائلي أو فضاء العمل، أو الدراسة والفضاء العام، فقد بلغت نسبة 15,4%، كما أن الفوارق والتمييز في الأجور بين الرجال والنساء تتجاوز 40 % في القطاع الخاص، حيث تقل نسبة مشاركة النساء في سوق العمل مقارنة مع الرجال، إذ تصل إلى 29,7 في المائة، وتصل لدى النساء حاملات الشواهد العليا الى 44 %، وغالبا ما يشتغلن في القطاعات الأكثر هشاشة، وخاصة في الاقتصاد غير المهيكل، كما أن الصورة النمطية المعروفة، تظل تتحكم في تحمل المسؤولية والتعيين في المناصب العليا، حيث تثبت الإحصاءات الرسمية أن الرجال يشغلون في المناصب العليا بنسبة أعلى من النساء، ويظل معدل تأنيث المناصب العليا لا يتجاوز 18% فقط.
تفاعلا مع الموضوع، قالت أسماء مهديوي، دكتورة في القانون العام والعلوم السياسية وباحثة في شؤون المرأة، خلال حديثها ل"لأيام 24″، إن "استراتيجية الدولة المبنية على الأرقام والإحصائيات التي تعترف بالعنف المادي أكثر، وكثيرا ما تتجاهل العنف الرمزي والنفسي الذي يترك آثاره على المدى المتوسط والبعيد، حري بها أن تعمل وفق استراتيجية تشاركية مع الأخصائيين النفسيين أساسا وعلماء الاجتماع لاجتراح الظاهرة ولرفع الحيف، وهذا لن يأتي إلا بالبدء أولا من مؤسسات ذات تمويل عمومي كالمدرسة والإعلام، الذي يرسخ في كثير من برامجه صورة نمطية حول امرأة مكسورة تستحق أن تدهس تحت الأقدام فقط لأنها امرأة اختلط فيها اللطف والجمال بالخديعة".
وأضافت، أن " لا شيء قادر للقضاء على ظاهرة العنف، لا القوانين، ولا المساطر، ولا حتى العقوبات، والدول التي سبقتنا خير دليل على ذلك، فكل ذلك يبقى مجرد مسكنات فقط، أما الحل هو في جيل جديد يؤمن بالتغيير، تغيير نفسه أولا، فكل واحد منا يجب أن يرفض من داخله ممارسة العنف على غيره قبل نفسه، كما أن الأمر يتطلب الاعتراف والبوح والمسامحة لا الانتقام، إذ نحتاج إلى جلسات للعدالة الانتقالية في أسرنا وشوارعنا وأماكن العمل والدراسة أيضا".
ومن جهته، قال إلياس بوزغاية، الخبير في العلاقات الأسرية،" للأيام24″، إن "العنف ضد المرأة ظاهرة متجذرة في عقلية العديد من أفراد المجتمع، وعليه فإن أول خطوة لمحاربة العنف، هو التربية وغرس قيم الحوار والتسامح لدى الجيل الناشئ، وبجانب ذلك، فإن عمليات التحسيس يجب أن تواكب التطور التكنولوجي لمخاطبة الشباب في العالم الافتراضي حيث يقضون معظم أوقاتهم، ناهيك عن ضرورة إدماج مضامين للتوعية ضد العنف في المقررات الدراسية".
وتابع المتحدث ذاته، أن "ينبغي على السلطات فتح المجال للنساء، بأن يقدموا شكايات في حالة تعرضهم للعنف، وهو ما لاحظناه خاصة في فترة الحجر الصحي اثناء جائحة كورونا، وفي هذا الإطار فقد تم إحداث دليل التعهد بالنساء ضحايا العنف سنة 2021، وهو دليل يركز على الإجراءات الواجب اتباعها في حالة الاعتداء على كرامة المرأة أو انتهاك حقوقها، ويأتي هذا الدليل كثمرة أيضا للإجراءات القانونية التي تعززت بالقانون رقم 103.13 الذي تمت المصادقة عليه سنة 2018، والذي يهدف إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، من خلال أربعة أبعاد، تهدف إلى ضمان الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقاب والتكفل الجيد بالضحايا".
وأردف الخبير في العلاقات الأسرية، أنه " إذا نظرنا الى الأمر من الزاوية الاقتصادية، فإننا سنلاحظ، أن ظاهرة العنف، تتزايد في المجالات الضيقة والأحياء الشعبية، وهو ما يعني أن تحسين الوضع المعيشي للأسر، سيساهم أيضا في تقليص انتشار العنف في هذه المجالات".