يعد الحق في العمل من الحقوق الأساسية التي من المفترض أن يتمتع بها عامة الناس باختلاف الجنس والمجتمعات التي ينتمون إليها، دون تعرضهم لأي مضايقات مهما كان نوعها، والتي من شأنها المساس بكرامة وحقوق الفئات العاملة وتتعدد الأشكال التي قد تظهر بها أبرزها التحرش الجنسي المعنوي في تجلياته المتعددة، وينظر للتحرش الجنسي على أنه شكل من أشكال الانتهاك الأكثر شيوعا لجسم الشخص وكرامته. ولعل أكثر الفئات عرضة للتحرش والعنف في مجتمعنا المغربي المبني على النوع الاجتماعي في أماكن العمل هن النساء اللواتي يعانون العديد من المشكلات والمضايقات التي تفرض عليهن كضريبة تدفعنها ثمنا لفعاليتهن وتأثيرهن في جميع مجالات الحياة، أثناء قيامهن بعملهن سواء من طرف مشغلهم الذي يستولي على السلطة الكاملة إذ يحاول استغلال طبيعة العلاقة التبعية والسلطة بين الرئيس والمرؤوس لإجبار الضحية للانصياع لرغباته الجنسية، كأن يطلب من مستخدمته مطالب جنسية بالإكراه و الإجبار وإلا فصلها عن العمل أو مقابل ترقية وظيفية، و قد يكون الإكراه بشكل مباشر أو غير مباشر انطلاقا من ممارسة ضغوط متعددة. وقد يصدر التحرش من بعض الموظفين والعاملين تجاه زميلاتهم في أماكن العمل قصد التشويش عليهن والتأثير على فعاليتهم، مما قد يحول إلى عدم الوصول إلى كامل إمكاناتهم، فضلا عن تقويض إحساسهم بالكرامة الشخصية، خاصة وأن النساء أصبحن أكثر حضورا في المناصب القيادية واكتساحا للوظائف غير التقليدية، الأمر الذي قد يثير حفيظة البعض من زملائهم الطامحين في المساس بثقتهم في نفسهم وبراحتهم النفسية ومردوديتهم، كما تشكل هذه الظاهرة شكل من أشكال القهر والعنف الممارس على النساء وله مضاعفات اجتماعية ونفسية خطيرة، في غياب الحماية القانونية الكافية لهذه الفئة. وفي سياق متصل، تساهم نظرة المجتمع النمطية للمرأة العاملة والحاضرة بقوة في سوق الشغل في تعرض هذه الأخيرة للعنف والتحرش الجنسي الذي قد يصل حد الاغتصاب في بعض الأحيان، إذ أن هناك فئة من الذكور لا تزال عقولها قاصرة على تقبل واحترام النساء العاملات معهم باعتبارهم كيان مستقل بذاته يتقاسم معهم نفس الحقوق والواجبات، بعيدا عن الموروث الثقافي وعن غرائز الذكورة السامة التي تعتبر المرأة حيثما وجدت على أنها بضاعة وجسد متاح لتلبية رغبات جنسية وعقد نفسية تملأ نفوس أصحابها. وتعرف ظاهرة التحرش والعنف ضد المرأة في بيئة العمل انتشارا ملحوظا بمختلف المهن والوظائف والقطاعات في سائر أنحاء العالم، غير أن النساء يتأثرن بشكل غير متناسب من هذا الفعل لأسباب متعددة أبرزها وضعهن الوظيفي وظروف القطاع الذي يعملن فيه أو نوع العمل الذي يقمن به، غير أن العاملات في القطاع الخاص والقطاعات غير المهيكلة والعاملات غير النظاميات يواجهن خطر التحرش و العنف القائمين على النوع الاجتماعي بشكل أكبر مقارنة مع العاملات في القطاع الحكومي، جراء التمييز وانعدام الأمن الوظيفي وظروف العمل الغير مستقرة، و الغياب التام للحماية القانونية و الاجتماعية واستيلاء رؤساء العمل على السلطة المطلة ما يجعل النساء أكثر عرضة للتحرش إثر اختلال موازين القوى. ومن بين الأسباب التي أدت إلى استفحال هذه الظاهرة نجد ضعف التشريع الحكومي وغياب العقوبات الراضعة لمرتكبي هذا الفعل، وانخفاض الوازع الديني والأخلاقي لدى البعض إلى جانب سوء التنشئة الأسرية، وكذلك نظرا لصعوبة إثبات جرم التحرش الجنسي ما يؤدي لعزوف الكثير من الضحايا عن تقديم شكاوي ضد المتحرش، ويرى البعض أن هذا السلوك قد تفسره نظرة المجتمعات العربية إلى المرأة بحكم التقاليد والعادات الرجعية والفهم المغلوط للدين، على أنها جسد للمتعة فقط، بالإضافة إلى أسباب، إما سيكولوجية محضة وبالتالي مرضية، أو سوسيولوجية نابعة من نظرة الرجل للمرأة كأنثى فقط، دون اهتمام بمهاراتها وكفايتها المهنية. وتواجه النساء صعوبات كبرى في مواجهة ظاهرة التحرش والمتحرشين في فضاء العمل، حيث أن أغلبهن يجدن صعوبة في التصريح بتعرضهن للتحرش الجنسي خوفا من الفضيحة والوسم أو خوفا من فقدان العمل وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي لهن في حالة ما إذا كان المتحرش في منصب أقوى وأعلى من الضحية، أو بسبب عدم القدرة في بعض الأحيان على إثبات فعل التحرش أو مخافة إلقاء اللوم عليها وتحميلها مسؤولية الواقعة. نظرة المجتمع النمطية: يمارس المجتمع سلطة مطلقة على المرأة بشكل عام في حال تعرضها للتحرش حيث أضحت الكثيرات تعانين في صمت مطبق خوفا من الفضيحة وتلويت السمعة في مجتمع لا يرحم ويلقي الملامة على الحلقة الأضعف في القضية حتى قبل الفصل بين المتورط والضحية، فلازالت مجتمعات الوطن العربي خصوصا تنظر بدونية وانتقاص لمن تحاول الحديث عن تجربتها مع التحرش أو الاغتصاب بحيث تصبح متهمة في العديد من الأحيان عوض أن تكون الضحية. فتبدأ أصابع الاتهام توجه إلى المرأة على اختيارها لملابسها أو لطريقة تعاملها مع الجنس الأخر في مكان العمل، في استبعاد ثام للمشكل الحقيقي، ليصبح فعل التبليغ عن التحرش لعنة حقيقية تواجه النساء اللواتي يجدن أنفسهن أمام سيل من الاتهامات و الهجمات الغير منطقية، ما يفقدهن القدرة و الجرأة للتحدث عن معاناتهم الجسيمة مع فعل التحرش. صعوبات الإثبات: تواجه النساء العاملات في حال تعرضهن للتحرش والعنف صعوبات الإثبات، وذلك بسبب إلزامهن بإثبات ما تعرضن له، خاصة وأن القانون رقم 103.13 لا يضمن الوقاية الكاملة وينطوي على مجموعة من الثغرات، بحيث لا يكفل التدخل إلا بعد حدوث الضرر، فضلا على أن القانون السالف الذكر تتخلف ثغرات وبه عبارات فضفاضة وغير مضبوطة، تجعل على عاتق الضحية مهمة إيجاد الدليل وإثبات فعل التحرش وهو ما يصعب تحقيقه. وفي ذات السياق يمكن القول إن المتحرش عادة ما يختار مسرح الجريمة بدقة، إذ يحاول التحرش والتقرب من الضحية في مكان مغلق خال من الشهود وكاميرات المراقبة دون ترك أي دليل يثبت تورطه، ما يصعب على الضحية مهمة إثبات جرم التحرش. وقد تواجه الضحية إكراهات ومعيقات تفردها المؤسسة على العاملات فيها بغرض عدم الإبلاغ على التحرش حتى لا يكون هناك أي مساس بسمعة المؤسسة أو العاملين بها، كما قد تمتنع المنشأة المشغلة عن تزويد المعتدى عليها بتسجيلات كاميرات المراقبة إن وجدت لعرقلة مهمة الإثبات إلى جانب منع باقي الموظفين عن تقديم شهادتهم أمام الشرطة القضائية، ما يحول دون الإثبات الفعلي للعنف والتحرش الجنسي الممارس بناء على النوع الاجتماعي. انعكاسات التحرش على العاملات: تعاني النساء العاملات ضحايا العنف والتحرش الجنسي مجموعة من التداعيات السلبية التي تفتك بصحتهن النفسية والبدنية، وقوتهن الإنتاجية، ما يحول دون مشاركة النساء الفعالة في سوق العمل ودون تقدمهن فيه، ويضعف مساهمتهن في العملية الإنتاجية والتنموية، فضلا عن تهديد أمن واستقرار العاملات واستمرارهن في العمل، ما ينعكس سلبا على سمعة المنشآت وتطورها، كما أن الضحية وفي حال مغادرتها لمكان العمل الذي واجهت فيه التحرش تجد تخوفا وصعوبات في ولوج فضاء عمل أخر مخافة مواجهة نفس الظاهرة مرة أخرى مما يؤثر سلبا على حياتهن الاقتصادية وعلى مبدأ تكافؤ الفرص، بحيث لا ينتهي تأثير الصدمة بعد انقضاء حادثة التحرش فقد تعيش تعشيش النساء حالة من الصدمة المتجددة عندما يتم استرجاع الذكريات المتعلقة بتلك الحادثة، أو عند توافر المثيرات النفسية التي تجعلها تمر بنفس المشاعر التي عاشتها في تلك التجربة، لكون التحرش الجنسي من أبرز الصدمات النفسية العنيفة التي تعاني منها العديد من السيدات في مختلف أنحاء العالم. الجهود الرسمية المبذولة للحد من التحرش في بيئة العمل على الصعيد الوطني: وفي ذات السياق نجد أن المشرع خصص مقتضيات هامة في إطار التعديلات التي، شهدها دستور المملكة بتاريخ 1 يوليوز 2011 تروم حماية حقوق الإنسان بشكل عام والنساء على وجه الخصوص، من خلال إقراره في الفصل رقم 19 مبدأ المساواة بين الجنسين والمناصفة في جميع الحقوق، وإحداث هيئة لمكافحة كافة أشكال التمييز، كما تنص الوثيقة الدستورية في الفصل رقم 22 على عدم جواز المساس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، فضلا عن عدم جواز معاملة الغير تحت ذريعة معاملة قاسية، أولا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية، كما شدد ذات الفصل أن ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون. ومن جهة أخرى تضمن القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء مقتضيات تعاقب على التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية، باعتباره كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد امرأة لأغراض جنسية أو تجارية، أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك وفق لما جاء في مادته الأولى، كما يعرف العنف اللفظي بأنه كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان، سواء بغرض المساس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها، أو بغرض تخويفها وترهيبها، كما عرف المشرع في نهاية المادة الأولى العنف الاقتصادي على أنه كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضر أو من شأنه أن يضر بالحقوق الاجتماعية و الاقتصادية للمرأة، ويعد القانون السالف الذكر بمثابة ثورة معززة للترسانة التشريعية المتعلقة بحماية النساء ضحايا العنف والتحرش من خلال أربعة أبعاد هي البعد الوقائي والحمائي والزجري والتكفلي. ليأتي بعد ذلك بتعريف دقيق ومفصل لمفهوم العنف الجنسي والذي يعتبر (كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد امرأة لأغراض جنسية أو تجارية أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك). هذا القانون تضمن مجموعة من الأحكام المغيرة والمتممة لمجموعة القانون الجنائي، والمتمثلة في تشديد عقوبات الضرب والجرح أو غيرها من العنف أو الإيذاء إذا ارتكب ضد المرأة بسبب جنسها، فضلا عن رفع الحد الأقصى للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 1-503 المتعلق بالتحرش الجنسي إلى 3 سنوات حبسا وتشديد العقوبة إن تم ممارسة التحرش داخل مقر العمل. وبخصوص المندوبية السامية للتخطيط فقد كشفت في إطار حملتها الوطنية والدولية للتعبئة من أجل القضاء على العنف ضد النساء، عن تقريرها الأخير حول انتشار العنف ضد النساء الصادر في سنة 2019، والذي أظهر أن هناك أزيد من 7.6مليون تعرضن لنوع واحد من العنف على الأقل وهو ما يمثل 57 في المائة من النساء، أما بالنسبة للعنف في العمل فقد سجلت المندوبية تراجع انتشاره بنسبة 15.4 في المائة عام 2019، بعدما كان 16.0 في المائة عام 2009، ورصد التقرير كذلك تزايد العنف الجنسي من 9 في المائة إلى 14 في المائة، وتزايد العنف الاقتصادي من 8 إلى 15 في المائة، مقابل تراجع العنف الجسدي من 15 إلى 13 في المائة و العنف النفسي من 58 إلى 49 في المائة، وبحسب تصور المجتمع فقد كشفت المندوبية أن 75 في المائة من النساء تعتبر أن العنف يتزايد في الفضاءات العامة. كما يتولى المرصد الوطني للعنف ضد النساء المحدث سنة 2014 مهمة رصد ومراقبة وتتبع ظاهرة العنف ضد النساء، ووضع وتطوير مؤشرات خاصة في هذا المجال، إضافة إلى إحداث قاعدة بيانات من خلال تجميع المعطيات الجهوية والوطنية، وتتبع وتقييم السياسات العمومية في مجال محاربة العنف ضد النساء وإصدار تقرير سنوي بغرض توجيه السياسات العمومية المتعلقة بمناهضة العنف ضد النساء. وللحد من ظاهرة العنف والتحرش عملت الحكومة المغربية على إعداد منظومة معلوماتية مؤسساتية تروم توحيد عملية جمع البيانات والمعطيات الخاصة بالنساء ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي، انطلاقا من خلايا الاستقبال المؤسساتية الموجودة بالمستشفيات والمحاكم ومراكز الدرك الملكي والأمن الوطني، على الصعيدين الوطني والجهوي، حيث تم توقيع برتوكول تبادل المعلومات حول حالات العنف ضد النساء سنة 2014 بين وزارة العدل والحريات ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وزارة الصحة، والدرك الملكي والأمن الوطني. وفي إطار تفعيل مضامين البرنامج الحكومي 2017-2021 لا سيما الإجراء المتعلق بإطلاق سياسة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء، عملت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة على إعداد السياسة الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات في أفق 2030، وفق رؤية جديدة لمواكبة الإصلاحات القانونية المنجزة لحماية النساء ولتفعيل مختلف الالتزامات الوطنية والدولية المترتبة عن هذه الإصلاحات. التوصيات الملكية الشريفة: يصر جلالة الملك محمد السادس على منح المرأة المغربية المكانة التي تستحقها وإنصافها وضمان جميع حقوقها، إذ أنه ومنذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين وضع جلالته قضية المرأة في طليعة الإصلاحات المؤسساتية في المغرب، من خلال قيادة مسار مميز للنهوض بوضعية المرأة المغربية، وتعزيز دورها ومكانتها في مختلف المجالات، ولاسيما من خلال دعم وتشجيع مشاركتها الفعالة في مسلسل اتخاذ القرار وانخراطها في تدبير الشأن العام. مقتطف من خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 1999 «كيف يتصور بلوغ رقي المجتمع وازدهاره والنساء اللائي يشكلن زهاء نصفه تهدر مصالحهن في غير مراعاة لما منحهن الدين الحنيف من حقوق هن بها شقائق الرجال تتناسب ورسالتهن السامية في إنصاف لهن مما قد يتعرضن له من حيف أو عنف مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور سواء في ميدان العلم أو العمل» مقتطف من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية الخاصة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية بتاريخ 17 أبريل 2001 «لقد آلينا على أنفسنا منذ اعتلينا عرش أسالفنا المنعمين أن نواصل النهوض بأوضاع المرأة المغربية في كل مجالات الحياة الوطنية وأن نرفع كل أشكال الحيف الذي تعانيه من منطلق صفتنا أميرا للمؤمنين وحاميا لحمى الملة والدين وملتزمين بشريعة الإسلام في ما أحلت وحرمت أو أباحت، وعمال بترسيخ قيم العدل والمساواة بين الرجل والمرأة، مصداقا لقول جدنا المصطفى عليه الصالة والسالم: (إنما النساء شقائق الرجال في الأحكام)» على الصعيد الدولي نجد أيضا أن منظمة العمل الدولية عملت على اعتماد ميثاقين دوليين جديدين بشأن العنف والتحرش في أماكن العمل – اتفاقية العنف والتحرش رقم (190) والتي تم الاتفاق عليها في مؤتمر العمل الدولي في عام 2019، والتوصية المتعلقة بالعنف والتحرش رقم (206)، ويعد اعتماد هذه الصكوك بمثابة تتويج لسنوات من الحملات والضغط من قبل الحملات النقابية، وهي أول معيار دولي من نوعه يعترف بالحق العالمي في العمل في عالم خال من العنف و التحرش المبني على النوع الاجتماعي فضلا عن وضع إطار واضحا لإنهائه، كما أنها مبنية على روايات العاملات على مستوى العالم وتجاربهم مع التمييز والعنف. وتعرف اتفاقية العمل الدولية رقم 190 العنف والتحرش في عالم العمل كما هو وارد في المادة رقم (1) بأنها مجموعة من السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أو تكررت، تهدف أو تؤدي أو يحتمل أن تؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي، وتشمل العنف والتحرش على أساس نوع الجنس. صكوك دولية أخرى ملائمة نجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأيضا هناك البرتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمد من طرف الأممالمتحدة سنة1999، إضافة إلى اتفاقية أوروبا لعام 2011 بشأن منع ومكافحة العنف النفسي و الجسدي والجنسي ضد المرأة، فضلا عن اتفاقية (سيداو) الدولية والتي تروم القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. الضحية الأولى: كريمة 36 عازبة "كانت تعمل بشركة لخياطة الملابس" حكت لنا قصتها مع العنف والتحرش الصادر عن رئيسها في العمل بمرارة وهي تغالب الدموع بتأثر بالغ بحكم أن تعرضها لهذا الموقف لايزال حديث العهد كما لا تزال غير قادرة على تجاوز الصدمة، مسجلة أن المتحرش بها بدأ يراوغها بداعي المساعدة والتكوين ثم انتقل إلى الاتصال بها ليلا والتفوه بكلام نابي ممزوج بإيحاءات جنسية وصولا إلى محاولة الاستفراد بها ودعوتها مرات متكررة دون أن تكون أي حاجة لذلك إلى مكتبه، وتقول كريمة وهي تروي تفاصيل أخر يوم لها في العمل أن رئيسها طلبها على عجل في مكتبه لتصعق من محاولته لمس مناطق حساسة من جسمها وشدها بالقوة بعد أن أبدت رفضها، لتخرج بعد ذلك مسرعة دون أن تلتفت إلى الوراء وبلا عودة، مضيفة أنها اختارت عدم الرضوخ لهذه الممارسات والتخلي عن وظيفتها على الرغم من التبعات الاقتصادية السيئة التي تعاني منها بحكم أنها حاليا لازالت عاطلة عن العمل. الضحية الثانية: غيثه 25 سنة عازبة طالبة طب سنة خامسة، تقول إنها تعرضت للتحرش من طرف بروفيسور جراح قابلته في التدريب لها، حيث كان يحاول مغازلتها باستمرار أمام زملائها بشكل واضح وعلني بعيدا عن الاحترام المطلوب، ليتطور الأمر فيما بعد إلى دعوتها لتناول وجبة غداء أو عشاء، وبعد رفض غيثه المتواصل لكل هذه المحاولات، تقول هذه الأخيرة حاول التقرب منها في مناوبتها الليلية بشكل مستغلا تواجدها في جناح مغلق وحدها بعيدا عن أعين العاملين معهم لتحاول إبعاده مع صراخ شديد لعل أحد يأتي لإنقاذها، لينهال البروفيسور المتحرش عليها بالضرب المبرح كما توعدها أنها في حال قيامها بإخبار أي أحد بفعلته الشنعاء بأنه سيقلب الطاولة عليها ويتهمها بالتحرش و مطاردته، حيث أخبرها أنه شخص متزوج و جد مقرب من صاحب المصحة و أنه من الصعب جدا تصديق روايتها، لتختار الضحية الصمت بغرض إنهاء فترة تدريبها في هدوء بعيدا عن التوتر و المشادات. ومن جهتها اعتبرت سمية موحيا رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، أن الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة العنف ضد النساء والمتمثلة في القانون رقم 103.13 لاتزال قاصرة أمام توفير الحماية القانونية الكاملة للنساء في الفضاءات العمومية بما فيها أماكن العمل، مبرزة أنه من الضروري تثمين مجموعة من المقتضيات التي جاء بها القانون السالف الذكر بما فيها تجريم التحرش الجنسي ومجيئه بتعريفات متعددة لأشكال العنف، وتشديد العقوبات الزجرية. كما سجلت المتحدثة ذاتها أن قانون محاربة العنف ضد النساء تتخلله ثغرات ونواقص أبرزها ترك مسؤولية إثبات جرم التحرش على عاتق الضحية، ما يجعل الضحية تفكر ألف مرة قبل لجوئها للتبليغ، ناهيك عن وجود بعض العائلات لا تشجع بناتها على التبليغ عن جريمة التحرش خوفا من الوسم ونظرة المجتمع النمطية ما يحد ولوجهم للعدالة، مشيرة أن للتحرش أثار وخيمة على نفسية الضحية قد تصل حد التفكير في الانتحار أو الإقدام عليه، فضلا عن تعطيل مسارها المهني ومسار التمكين الاقتصادي للنساء المغربيات وفقا لتوصيات جلالة الملك محمد السادس. وأضافت السيدة سمية أن فيدرالية رابطة حقوق النساء دائما ما تجدد دعوة الحكومة المغربية في مختلف المناسبات للتصديق على اتفاقية العنف والتحرش رقم (190) والتوصية المتعلقة بالعنف والتحرش رقم (206)، مؤكدة على ضرورة حماية ضحايا العنف والتحرش الجنسي في أماكن العمل من التشهير من أي ممارسات أو ضغوطات قد تمس بحرياتهم وكرامتهم إثر إقدامهم على التبليغ بما تعرضن له، كما أثنت وثمنت إقدام عدد من النساء والفتيات على كسر الصمت وفضح الممارسات الغير أخلاقية التي يعانون منها من عنف وتحرش في أماكن العمل. ومن الناحية القانونية صرح نبيل الشين وهو محامي بهيئة فاس أنه يمكن اعتبار الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة العنف ضد النساء والتي يمثلها القانون رقم 103.13 رادعة، بحيث أنه عند الإمعان في قراءة الفصلين 503-1-1 و503-1-2 نجد أن المشرع أقر عقوبة سالبة للحرية في حق المتحرش مع غرامة مالية، مسجلا العقوبات المضمنة أعلاه تبقى رادعة في مثل هذه الجرائم وكافية لعدم إتيان الفعل الجرمي مرة أخرى. وأشار المتحدث أن من بين عوائق تنزيل القانون المذكور نجد خوف الضحية من المتحرش خاصة إذا كان صاحب نفوذ وسلطة ومن نظرة المجتمع والموروث الثقافي، ما يكبل ويمنع المعتدى عليها من التبليغ بالجريمة المرتكبة في حقها، وأنه حتى في حالت التبليغ ومباشرة المساطر القانونية تكون الضحية أمام اشكال الاثبات الذي يبقى على عاتقها. وسجل نبيل الشين أن مجهودات الحكومة والمجتمع المدني تبقى جد محتشمة، خاصة وأن العنف والتحرش الجنسي ضد النساء لا يزالان في منحى تصاعدي، مبرزا أن لتجاوز هذه المعدلة وجب مواكبة القانون بحملات للتوعية بخطورة التحرش إلى جانب توعية النساء و الفتيات بضرورة التبليغ عن أي حالة تحرش تعرضن لها، والعمل على تربية الأجيال الصاعدة على احترام المرأة انطلاقا من المناهج التعليمية والمقررات الدراسية. والجديد بالذكر أنه للحد و تجاوز ظاهرة العنف و التحرش في بيئة العمل وحب اقتراحات تغييرات على مستوى الترسانة القانونية والممارسات الوطنية، وتسخير البرامج الحكومية في إنصاف النساء و ضمان تحريرهن و ولوجهن للحياة الاقتصادية وفقا للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، فضلا عن تثمين جهود المجتمع المدني و الجمعيات الحقوقية الناشطة في مجال حقوق المرأة، و نشر الوعي في صفوف الناشئة من خلال المقررات الدراسية و وسائل الإعلام، إلى جانب تشديد العقوبات الزجرية الرادعة السالبة للحرية في حال تعنيف أو التحرش بامرأة أو فتاة بسبب جنسها في فضاء العمل، وكذا القيام بحملات تحسيسية لتوعية المشغلين و رؤساء العمل بكيفية التعامل مع التحرش داخل فضاء العمل من خلال تعزيز الحوار الاجتماعي وتبني أصحاب العمل لإجراءات داخلية للوقاية و الحماية والاستجابة لحالات العنف و التحرش، وتوفير أهم الشروط لضمان أمن وسلامة النساء العاملات في بيئة عمل لائقة وصديقة تجرم العنف و التحرش، ناهيك عن ضرورة المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 و التوصية 206 لحماية العاملات من التحرش و العنف في أماكن العمل. * يسرى هتافي، باحثة في الإعلام سلك الدكتوراه جامعة الحسن الثاني