الجزائر الحالية التي تعد الأكبر افريقيا وعربيا من حيث المساحة الجغرافية، لم تكن كذلك قبل الفترة الاستعمارية الفرنسية التي مكثت في البلاد وعمرت لأكبر من 120 سنة، حتى باتت الجزائر أرضا فرنسية أو هكذا كان الاعتقاد. فانطلق مسلسل اقتطاع أجزاء من القطر التونسي والأراضي المغربية لصالح الجزائر. ففرنسا وفق الوثائق التاريخية كان لها مخطط استعماري وتصور خاص بالنسبة للجزائر، عكس تونس والمغرب، إذ كانت تعتبر الجزائر امتدادا طبيعيا لها واقليما فرنسا خلف البحر الأبيض المتوسط.
النبش في الماضي وأوجاع الحدود، لا يبدو أن السنين قد طوتها أو تناستها الذاكرة التونسية الحية، فلأحمد ونيس، وزير الخارجية التونسي الأسبق، الذي خبر ذهاليز السياسية في بلاده والمغرب العربي، يقول في لقاء تلفزيوني، إن بلاده فقدت جزءا من أراضيها، ولم تتوقف عن المطالبة بها، على الرغم من تهاون حكومة الحبيب بورقيبة وحكومة بن علي في المضي قدما لاسترجاع الصحراء التونسية.
"لاينسب لساكت قولا" ربما قد يفسر تعاطي النخبة التونسية عن الأراضي التي انتزعت منهم، إذ طالبوا فرنسا قبل خروجها من الجزائر بأن تعيد إليهم أرضهم؛ لكن الجنرال شارل ديغول رفض، وقتها، الطلب.. لتظل الصحراء التونسية السليبة تحت سيطرة الجزائر.
بعد حصول الجزائر على الاستقلال سنة 1962 ووصول أحمد بن بلة إلى سدة الحكم، طالبت الحكومة التونسية مرة أخرى نظيرتها الجزائرية فتح ملف صحرائها الغربية. وافق الرئيس أحمد بن بلة، ووعد بإيجاد حل للمسألة؛ لكن الانقلاب الناجح، الذي عرفته الجزائر بزعامة العسكري هواري بومدين والذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس بن بلة سنة 1965، جعل عملية التفاوض تتوقف بل ورفض بومدين الخوض فيها معتبرا الصحراء التونسية أراضٍ جزائرية.
تونس ليست وحدها الواقعة في الأسلاك الشائكة للحدود، فالمغرب أكبر متضرر وبالدليل. فالتاريخ يحكي كيف بثرت فرنسا أجزاء واسعة من المملكة المغربية منذ 1870 من أجل توسيع أراضي "الجزائر الفرنسية"، حيث قام الجنرال الفرنسي دي وينفين، قائد مقاطعة وهران في تلك المرحلة بالاستيلاء على عين الشعر ومنطقة واد غير وبالتالي هي مناطق مغربية بلا شك، مشددا على ان الجزائر لم تكن دولة إلا سنة 1962 أي بعد حصولها على الاستقلال الفرنسي على اعتبار أنها كانت خاضعة للسلطات العثمانية وبعدها تم استعمارها من قبل الدولة الفرنسية.
ووفق المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان، أن بتاريخ 5 من غشت 1890 بموجب شروط اتفاقية سرية عملت كل من فرنسا وبريطانيا على تقسيم النفوذ فيما بينهما لتقوم فرنسا بعدها بضم العديد من المناطق المغربية لصالح الدولة "الجزائرية الفرنسية" ومن ضمن هذه المناطق توات وقرارة وإيغلي وواد الساورة في محاولة منها لتنزيل مخطط ربط غرب إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق السكك الحديدية.
وبداية من سنة 1899 استول المستعمر الفرنسي على عين صالح ومجموعة من واحات تيديكلت والغورارة بما فيها منطقة تيميمون التي تم احتلالها سنة 1901. وكان للجيش الفرنسي سنة 1903 رغبة قوية في ضم منطقة فكيك غير أن معاهدة لالة مغنية الموقعة سنة 1845 كانت قد أشارت بشكل صريح أنها جزء من المغرب، غير أنه في المقابل تم احتلال منطقة بشار وواحات توات، وسنة 1904 استولت القوات الفرنسية على راس العين.