عكست رسالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، في يوليوز المنصرم، وإعلان تل أبيب الاعتراف يالسيادة المغربية على الصحراء، تحوّلاً في تعاطي تل أبيب مع هذا الملف، وذلك بعد التردد والغموض الذي طبع المواقف الإسرائيلية من القضية. وبعد نحو 30 شهرا، من توقيع الاتفاق الثلاثي بين الولاياتالمتحدة والمغرب وإسرائيل، الذي تم بموجبه استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب، أعلن نتنياهو اعتراف إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء، وأنها تدرس "إيجابياً فتح قنصلية لها في مدينة الداخلة. اعتراف تل أبيب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، اعتبرته الجزائر حلقة جديدة في سلسلة المناورات وسياسة الهروب إلى الأمام، واصفة القرار بكونه خرقا فاضحا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن ولوائح الجمعية العامة للأمم المتحدة، بخصوص قضية الصحراء الغربية" حسب تعبيرها.
وبحسب متابعين للملف نزاع الصحراء، فإن صدمة الجارة الشرقية بالموقف الإسرائيلي القاضي تجاه الصحراء المغربية، سيزيد مساحة التباعد الفعلية بين الرباطوالجزائر على ضوء توطيد المملكة المغربية لعلاقاتها مع إسرائيل" .
في هذا السياق، وفي دراسة له لهذه التحولات والمستجدات، كشف تقرير حديث صادر عن "المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية"، مسارات التحول النوعي في العلاقات بين الرباط وتل أبيب، موردا أن "الموقف الأخير من جانب الحكومة الإسرائيلية بدعم السيادة المغربية على منطقة الصراع الجيو-استراتيجي الجزائري المغربي، يزيد من تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين".
وفي استعراضه لأوجه تسارع التعاون المغربي الإسرائيلي، سجل التقرير أن "العلاقات بين البلدين بدأت في صورة تعاون تجاري واقتصادي، إذ أبرم البلدان اتفاقية للتعاون الاقتصادي في فبراير من العام الماضي ليرتفع على ضوئها حجم المبادلات التجارية بينهما بنحو أربعة أضعاف خلال أقل من عام، ليصل إلى قرابة نصف مليار دولار".
في السياق الاقتصادي ذاته، أبرز المصدر عينه أن "إسرائيل تعمل على تعظيم مكاسبها الاستراتيجية في مجال الطاقات المتجددة ومجال التنقيب عن الغاز اللذين تأتيان على رأس أولويات التعاون بين البلدين"، إذ "تم التوقيع على مجموعة من مذكرات التفاهم بين المغرب وشركات إسرائيلية لبدء عمليات التنقيب عن الموارد الطبيعية في مدن عديدة، بما فيها المدن الجنوبية للمملكة على غرار مدينتي الداخلة وبوجدور"، إضافة إلى تعزيز التعاون في المجال التكنولوجي والزراعي الذي يُترجمه اهتمام الشركات الزراعية الإسرائيلية بالاستثمار في المغرب.
أما عن التحول النوعي في العلاقات العسكرية بين البلدين، فقال التقرير المعنون ب"تطور تكتيكي: مسارات التحول النوعي في العلاقات المغربية الإسرائيلية"، إن أهمية البعد العسكري في العلاقات المغربية الإسرائيلية يمكن استقراؤها من خلال مجموعة من المؤشرات؛ أولها "إبرام مذكرة للتفاهم الأمني والعسكري في نونبر من العام 2021، إضافة إلى الزيارات العسكرية المتبادلة"، حيث شارك المفتش العام السابق للقوات المسلحة الملكية، فاروق بلخير، في مؤتمر الابتكار في المجال العسكري الذي استضافته إسرائيل في شتنبر من العام الماضي.
كما زار عدد من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين المغرب في الآونة الأخيرة؛ أبرزهم أفيف كوحافي، رئيس الأركان الإسرائيلي، فضلا عن مشاركة كتيبة إسرائيلية في مناورات "الأسد الإفريقي" التي استضافتها المملكة، إضافة إلى صفقات الأسلحة التي أبرمها البلدان لتزويد الرباط بطائرات مسيرة إسرائيلية، وصولا إلى تعيين تل أبيب لملحق عسكري لها في المغرب أواسط الشهر الماضي.
وأورد المصدر عينه أن سعي إسرائيل لتعزيز علاقاتها مع المغرب تحكمه مجموعة من المحددات والحسابات؛ أهمها "تعزيز دوائر النفوذ الإسرائيلي في المنطقة وتوسيع دائرة التطبيع، إضافة إلى توسيع مساحة التفاعل الاقتصادي مع إفريقيا باعتبار المغرب بوابة إليها".
أما بالنسبة للمملكة المغربية، فإن حساباتها يحكمها عاملان أساسيان؛ الأول يتمثل في "ضمان التفوق العسكري على الجزائر، خاصة في ظل تطلع كل منهما إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية"، والثاني يتجلى في إحداث نقلة نوعية في ملف الصحراء المغربية و"تصفية هذا الملف أولا بصورة دبلوماسية عبر الاعترافات، وتصفيته عسكريا في مرحلة لاحقة بتوجيه ضربات مكثفة على نقاط جبهة البوليساريو وتدمير قدراتها وبيناتها التحتية استنادا للدرون الإسرائيلي".
على صعيد آخر، سجل التقرير أن "التطور الذي عرفته العلاقات المغربية الإسرائيلية أوجد مساحة لانتقاد هذه التطورات، سواء في الداخل المغربي حيث ينتقد حزب العدالة والتنمية علاقات المغرب وإسرائيل مستغلا حالة الاستمالة الشعبية لمناصرة القضية الفلسطينية"، مضيفا أنه "لمعالجة هذا الوضع، شددت الرباط على أن تقاربها مع تل أبيب لن يكون على حساب حقوق الشعب الفلسطيني".
وعلى المستوى الخارجي، "تتزايد مساحة التباعد الفعلية بين المغرب وجارتها الجزائر على ضوء توطيد الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل"، حيث ردت الجزائر على الخطوة بتقارب مع كل من إيران وروسيا والصين"، وهو ما من شأنه أن "يخلق مساحة ثانية للتنافس الإقليمي الشرق أوسطي بين تل أبيب وطهران".
وخلص تقرير "المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية" إلى أن "الإعلان الرسمي عن اعتراف تل أبيب بمغربية الصحراء، يشكل نقطة مهمة في مسار تدعيم وتعميق العلاقات بين البلدين، خاصة على المستويين العسكري والاستخباراتي"، وهو ما سيجعل الجزائر بدورها تبحث عن بدائل لموازنة هذا التقارب العسكري، وبالتالي "التأسيس لسباق تسلح إقليمي بين قطبي المنطقة المغاربية".