مر عامان على تطبيع العلاقات الرسمية بين المغرب وإسرائيل تحت الرعاية الأمريكية، إذ شرع الطرفان في تدشين حقبة جديدة وقودها زيارات رسمية وإبرام اتفاقيات ثنائية عسكرية واقتصادية، وحديث متوتر عن رفع التمثيلية الدبلوماسية للجانبين من مكاتب اتصال إلى سفارات، لكن هذه الاتفاقات بقيت بعيدة عن ظل الصحراء المغربية التي تقع في قلب اهتمام المغرب وقضيته النابضة والتي لا يبدو أن إسرائيل تحمل الملف على محمل من الجد، ما يثير تساؤلات كثيرة حول ثمار التطبيع وماذا يمكن للمغرب أن يستفيد منه؟. لقد تم تقديم الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولاياتالمتحدة وإسرائيل خلال دجنبر 2020 على أنه اتفاق يضمن اعتراف سيادة الرباط على الصحراء المغربية، والواقع أنه لا يوجد نهائيا اتفاق ثلاثي، في المقابل يوجد اتفاق ثنائي-ثنائي، الأول بين الولاياتالمتحدة والمغرب، والثاني بين المغرب وإسرائيل. في الوقت ذاته، لا يتضمن اتفاق المغرب وإسرائيل أي اعتراف إسرائيلي بمغربية الصحراء.
وتأكيدا عن أهمية ملف الصحراء ورغبة المغرب في إخراج حلفائه من منطقة الراحة، طالب الملك محمد السادس في خطاب "ثورة الملك والشعب" من الشركاء التقليديين والجدد، موقفا واضحا من قضية الصحراء المغربية، التي تعتبر أهم قضية في أجندة المملكة. ويقصد بالموقف الواضح هو الاعتراف بسيادة المغرب على كامل ترابه، ووجه الملك كلامه مباشرة إلى فرنسا بصفتها شريكا تقليديا، ثم إلى إسرائيل بصفتها شريكا جديدا.
ويبقى التصريح الرسمي الإسرائيلي الوحيد عن ملف الصحراء، هو لممثلها السابق دفيد غوفرين الذي أُبعد بسبب فضائح جنسية من مكتب الاتصال بالرباط، قائلا شهر أكتوبر الماضي إن "إسرائيل دولة ديمقراطية تساند كل قرار سلمي للنزاع. إسرائيل، مبدئيا، تؤيد المفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية بالنزاع. الأساس هو إيجاد حل سياسي سلمي لكل النزاعات". هذا هو الموقف الرسمي لإسرائيل حتى الآن، ولا توجد أي وثيقة إسرائيلية رسمية تساند فيها مغربية الصحراء.
ويبدو أن الشق الأكبر في مسألة العلاقات المغربية الإسرائيلية، يقول عبدالعالي الكارح أستاذ العلاقات الدولية، يرتكز أساسا حول الشق العسكري، بعدما تم تعطيل الجانب السياسي أو عدم ارتقائه إلى المستوى المطلوب، وهذا يعود بالأساس إلى طبيعة اشتغال آليات المجتمع السياسي الإسرائيلي، التي تخضع لمفهوم الانتخابات، إذ يوجد يسار قوي في إسرائيل يدعو إلى حل الدولتين في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو اليسار نفسه الذي يدافع عن تقرير المصير في ملف الصحراء. في الوقت ذاته، اليمين يدعي عدم معرفته بنزاع الصحراء المغربية ويرفض إعطاء موقف محدد، والأدهى أنه بدأ مؤخرا تبني أطروحة مقايضة الاعتراف بمغربية الصحراء مقابل يهودية القدس.
وأكد المحلل السياسي في حديثه ل"الأيام 24″ أن تل أبيب تبدي تحفظا في التعاطي مع النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، بالنظر إلى رغبتها في الحفاظ عل خط الرجعة في شمال افريقيا حيث لا ترغب في الاصطفاف الكلي إلى جانب المغرب، وتحويل الجزائر إلى عدو أبدي، لاسيما بعدما بدأ الغرب يغازل هذا البلد بسبب ما يجري في الساحل، وبسبب الحاجة إلى الغاز الجزائري للتقليل من الاعتماد على الغاز الروسي.
العلاقات المغربية الإسرائيلية في نظر الأكاديمي عبدالعالي الكارح، مقامرة محفوفة المخاطر، لأنها قد لا تفيد المغرب بقدر ما تفيد إسرائيل. والتاريخ شاهد على ذلك، على سبيل المثال لم يؤدِ التطبيع بين إسرائيل ومصر إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في كلا البلدين، وكذلك في حالة إسرائيل والأردن، بل ما حدث في الواقع هو أن هذه الظروف ازدادت سوءاً خلال العقود الأربعة الماضية. يضيف المتحدث.
منفعة متبادلة
وأبرز الباحث في العلاقات الدولية، ياسين العبدلاوي أن التطبيع بين المغرب وإسرائيل قائم على "منفعة متبادلة"، حيث من شأنه أن يزيد قبول إسرائيل بين جيرانها العرب، ويحقق فوائد اقتصادية وجغرافية استراتيجية وسياسية للرباط. إذ يرى المسؤولون المغاربة أن التطبيع مع إسرائيل يعزز نفوذ بلادهم في المنطقة وعلى مستوى العالم.
هناك حوافر للعلاقات الثنائية، وهو أن العلاقة الثلاثية بين الرباطوواشنطن وتل أبيب قد تعزز مكانة المغرب في شمال إفريقيا، لاسيما فيما يتعلق بتنافسه السياسي والاستراتيجي مع الجزائر. يضيف المتحدث ل"الايام 24″.
وقال إن نسق التطبيع أثر إيجابا على تحديث الأسلحة الدفاعية المغربية، حيث تتولى إسرائيل الآن كما تولت في الماضي تحديث المقاتلات المغربية، ومد الرباط بتقارير حول الوضع العسكري في غرب البحر الأبيض المتوسط ومساعدته نسبيا في الحرب السيبرانية. ولا يعد التعاون العسكري حاسما لتعزيز قدرات المغرب بشكل يمنحه تفوقا، لأن قدرات الجيش المغربي تعتمد على أسلحة نوعية جديدة مصدرها الصين أساسا، وليس أسلحة إسرائيلية باستثناء الصفقات المتعلقة بطائرات "الدرون".
هل يقبل المغاربة التطبيع؟
وكشف الباروميتر العربي في إطار دورته السابعة، عن أرقام جديدة حول مدى القبول والرفض لاتفاقيات أبراهام التي بموجبها طبّع المغرب إلى جانب دول عربية أخرى على غرار الإمارات والبحرين والسودان لعلاقتهما مع تل أبيب. وأبدى 27 في المائة من المغاربة المتجوبين "اهتماما بالغا واهتماما لا بأس به".
ورجح أصحاب الاستطلاع أن تكون "شعبية التطبيع النسبية" في المغرب ناتجة عن تركيز المواطنين على المزايا الاستراتيجية المتحققة من الاتفاق بالنسبة للرباط، موردة أنه في حالة المغرب تزامن وإقرار واشنطن بسيادة المملكة على الصحراء المغربية مع التطبيع.
الاتفاق أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب الذي اعترف تزامنا مع ذلك بسيادة المملكة المغربية على الصحراء المغربية، في 10 أكتوبر 2020، تلاه توقيع إعلان ثلاثي في الرباط بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية أمام الملك محمد السادس، وبموجبه تم إعادة فتح مكاتب الاتصال بين الجانبين وتيسير الرحلات الجوية المباشرة بالإضافة سلسلة من الاتفاقات والأنشطة الاقتصادية التجارية الثقافية، الأكاديمية ناهيك عن العسكرية والأمنية.