رغم الصراعات والمواجهات التي وصل بعضها إلى المحاكم، وأرسل بعض أطرافها إلى المستشفيات، لا زالت طرقات المغرب، خاصة بالمدن الكبرى تعيش لعبة الشد والجذب بين سائقي سيارات الأجرة المهنيين المتشبثين بحماية مصدر عيشهم، وسائقي تطبيقات الهواتف الذين يقدمون نفس الخدمات مقابل أسعار في متناول المواطنين. تختلف تقييمات دخول هؤلاء إلى المجال من خلال شركات تقتصر على تطبيقات تضعها رهن إشارة أصحاب السيارات الخاصة الراغبين في نقل المواطنين سواء بصفة دائمة أو كعمل إضافي، لكن في غياب قانون مؤطر لها، غالبا ما تلجأ السلطات إلى التبرؤ منها رغم الإعلانات التي يسمح لها ببثها في لوحات الإشهارات بالشوارع، ما يطرح السؤال حول مدى مشروعيتها خاصة في ظل تضارب الآراء حولها بين مؤيد لعملها ورافض.
اعتادت «عائشة. أ» التوجه كل صباح في وقت مبكر إلى مقر عملها الذي يبعد عن مسكنها بحوالي خمسة كيلومترات باستعمال وسيلة نقل عمومية تستعين بها من أجل الوصول في الوقت المحدد، حتى لا تعرض نفسها لأي تأخر قد ينجم عنه اقتطاع لا يتحمله راتبها الذي تستعين به على مواجهة تكاليف الحياة. تقول عائشة إنها كانت تجد عنتا كبيرا كل يوم في إيقاف سيارة أجرة صغيرة أمام الإقامة التي تقطن بها بمدينة تمارة، لكنها ومنذ أن تعرفت على التطبيقات التي يعرض أصحابها خدمات النقل على المواطنين ارتاحت نسبيا من القلق الذي يرافقها كلما همت بالخروج من بيتها، خاصة خلال أيام فصل الشتاء حين ينتشر الظلام في الشوارع في ساعات الصباح المبكرة. إذ أصبحت تعتمد على أحد السائقين الذين يعملون من خلال هذه التطبيقات في نقلها من أمام بيتها مقابل مبلغ مالي لا يزيد عن عشرة دراهم قامت بتحديد قيمته سلفا، خاصة وأن السائق المعني يمر في طريق رحلتها بمجموعة من زبوناته الأخريات، حيث يقل كل صباح في نفس التوقيت أربعة منهن نحو نفس الوجهة.
تؤكد عائشة التي كانت تتحدث ل»الأيام» بخصوص أسباب لجوئها إلى خدمات هذه النوعية من السائقين رغم المخاطر التي قد تنطوي عليها، بحكم أن أصحابها مجرد ملاك سيارات خاصة يقدمون خدماتهم بطريقة لا تختلف عما يعرف باسم «الخطافة»، تؤكد أنها لم تعد تخشى استعمال هذه السيارات، فمن خلال رحلاتها المتعددة قامت ببناء جسر من الثقة مع السائق الذي ينقلها ويعيدها في بعض الأحيان إذا تصادف وكان قريبا من مقر عملها وقت الخروج، فضلا عن أن السيارة التي يستخدمها تتوفر على كل سبل الراحة، إلى جانب أن المبلغ الذي اتفقت معه على تحديده مناسب لها، مشيرة إلى أن ظهور هذه الخدمات أراحها من القلق الذي كان يساورها كل صباح، خاصة عند مرور سائق سيارة أجرة يرفض التوقف أو حتى إذا توقف في بعض الأحيان فإنه يقوم هو بتحديد الوجهة التي يريد الذهاب إليها ضاربا شعار «الزبون ملك» في مقتل. عائشة التي تعمل كإطار إداري في إحدى شركات النسيج بتمارة، أكدت لنا أن عددا كبيرا من زميلاتها وزملائها، ومنذ ظهور سائقي التطبيقات قرروا التخلي عن خدمات أصحاب سيارات الأجرة الذين «كانوا يرفعون ضغطهم» حسب قولها، منوهة إلى أن هذه الخدمة ساهمت في حل إشكالات التنقل العويصة في مدينة مثل تمارة التي لا تكفي كل سيارات الأجرة من أجل تغطية متطلبات سكانها الذين ما فتئوا يتزايدون كل عام.
سائقو التطبيقات هم الأفضل؟!
«عبدالكريم. م» هو الآخر، أكد أنه يفضل التعامل مع سائقي التطبيقات الذين يقدمون خدماتهم في إطار تنافسي، خاصة وأن أغلب هذه التطبيقات تتترك للزبون اختيار سعر الرحلة وفقا لقاعدة البيانات التي تتوفر عليها، مشيرا إلى أنه يدأب على استدعاء عدد من السائقين كلما دعت الحاجة إلى ذلك، بل أصبح حتى يعتمد عليهم في نقل أفراد عائلته نحو وجهات متعددة. عند طلب الخدمة، يأتي السائق الخاص حتى باب منزله الذي يقطنه بحي اليوسفيةبالرباط، لكن مع ذلك، يقول عبدالكريم أنه دائما يحتاط في اختيار من يتعامل معهم في هذا الإطار، خاصة بعد أن بدأت تبرز بعض المشاكل مؤخرا على السطح، وورود أخبار بقيام بعض هؤلاء السائقين بالتحرش بالزبونات بل وحتى محاولة خطفهن من أجل الاعتداء عليهن، لذلك فإنه يحرص على تسجيل رقم هاتف السائق المعني ورقم سيارته حتى يتأكد من أن كل شيء على ما يرام.
نقل سري وغير مأمون العواقب
في المقابل، يرفض «عبدالعالي. ب» اللجوء إلى خدمات سائقي التطبيقات معتبرا ذلك نوعا من أنواع النقل السري أو «شغل الخطافة» كما يقول، مشيرا في حديث له مع «الأيام» إلى أن أغلب العاملين في هذه النوعية من الخدمات لا تتم معرفة من هم ولا من أين جاؤوا ولماذا يقومون بهذا العمل، وبالتالي دعا إلى ضرورة محاربتهم خاصة وأنهم أصبحوا يضايقون أصحاب سيارات الأجرة بنوعيها في قوتهم اليومي.
يؤكد عبدالعالي أن الراغب في ممارسة النقل العمومي ما عليه سوى تقديم طلبه إلى السلطات المختصة من أجل الحصول على رخصة الثقة، حتى يعرف الزبون مع من يتعامل، لأن الركوب في سيارة خاصة هذه الأيام أصبح محفوفا بالمخاطر، في ظل ما يتم تناقله من حوادث فضلا عن أن أصحاب هذه السيارات أنفسهم معرضون للخطر لأنهم بدورهم لا يعرفون مع من يتعاملون.
مخاطر الركوب مع سائقي التطبيقات
المخاطر التي تحدث عنها عبدالعالي، هي تلك التي سبق أن كانت مجموعة من المدن مسرحا لها، خاصة تمارة التي عرفت شهر ماي الماضي حادث الاستيلاء على سيارة واحد من هؤلاء السائقين، والذي تلقى رسالة بضرورة التنقل إلى أحد الأحياء لنقل زبون وزبونة ليلا، لكن بمجرد ما ابتعد بهما نحو وجهة شبه خالية، حتى تم الاعتداء عليه والاستيلاء على سيارته تاركين إياه في وضعية مزرية. نفس الحادث تكرر في عدد من المدن، وتم تناقلها في حينها من طرف وسائل الإعلام المختلفة، بل إن الأمر وصل إلى حد تفجر الصراع بين هذه النوعية من السائقين، وبين أرباب سيارات الأجرة، كما حدث إبان افتتاح المحطة الطرقية الجديدةبالرباط، حيث عمل سائقو سيارات الأجرة على منع ولوج هؤلاء إلى المحطة من أجل نقل الزبائن سواء بالليل أو النهار، بل إن إحدى نقابات سائقي سيارات الأجرة بالعاصمة، عمدت إلى إنشاء قوة خاصة تعرف بين أوساط السائقين المهنيين باسم «الصقور» ودورها ضبط سائقي التطبيقات ومحاصرتهم في الطرقات، وتتبع كل من لا يحمل رخصة سيارة أجرة في كافة أنحاء الرباط.
يقول سائق طاكسي ل»الأيام» في دردشة معه حول سائقي التطبيقات، أنه يتم تنظيم مناوبة بين المهنيين من أجل القيام بعمليات الضبط بعد أن فشلت كل النداءات الموجهة إلى السلطات من أجل إيقاف هذا النزيف الذي يتعرضون له بسبب هذه الممارسات، خاصة وأن أغلب العاملين في سيارات الأجرة ليسوا من الملاك وإنما هم مجرد سائقين مطلوب منهم يوميا تقديم مبلغ معين لصاحب السيارة أو الرخصة، مبلغ يصل إلى ما بين 300 و400 درهم عن كل يوم، فضلا عن مصاريف المحروقات، أي أن السائق لن يكسب قوت أولاده إلا إذا تجاوز مدخوله اليومي 500 درهم، مقسما بأغلظ الأيمان أنه تأتي أيام لا يستطيع السائق فيها إدخار حتى 50 درهما من أجل مصاريفه اليومية.
ابتزازات وراء الظاهرة
واجهنا محدثنا بأن بعض أرباب سيارات الأجرة يفرضون على الزبون وجهات معينة كما يحدث أمام محطات القطار بكل من الرباطوالدارالبيضاء وحتى مراكش، حيث يتصايح السائقون بالوجهات التي يفضلون الذهاب إليها، فأكد أن هؤلاء قلة قليلة فقط لا تبحث سوى عن الرحلات الطويلة أو الزبون الذي يرون أنهم سيفرضون عليه السعر الذي يريدون، لكن هذا لا يعني أن يكون ذلك مبررا للسماح لكل من لديه سيارة خاصة ممارسة نقل المواطنين دون حسيب أو رقيب، خاصة وأن بعض هذه التطبيقات أصبحت تضع لها إعلانات في الشوارع أمام مرأى السلطات، رغم أن لا أحد يعرف أين هو مقرها أو المسؤول عنها، لأن كل العمل والتواصل مع الزبون يتم عن بعد ومع أصحاب السيارات الخاصة الذين يبحثون عن دخل إضافي أو يعمدون إلى ممارسة هذا العمل بشكل دائم، ما يؤدي إلى نشوب صراعات بينهم وبين السائقين المهنيين.
صراعات تنتهي في المحاكم
الصراعات التي تفجرها هذه الممارسات مع السائقين المهنيين تؤدي في بعض الأحيان إلى ما لا يحمد عقباه، كما حدث يوم 8 فبراير الماضي بمدينة مراكش قرب مطار المنارة، عندما عمد عدد من سائقي سيارات الأجرة إلى محاصرة صاحب سيارة خاصة كان بصدد نقل ركاب من المطار نحو وجهتهم، ما دفع الأخير إلى دهس أحد السائقين لحظة فراره، ما تطلب نقله إلى مستعجلات المركز الاستشفائي الجامعي بمراكش لتلقي العلاج، فيما تم إلقاء القبض على السائق الذي قام بعملية الدهس.
خلال نفس الشهر أيضا، وهذه المرة بمدينة الدارالبيضاء، أفضت عملية محاصرة عدد من سيارات الأجرة لبعض ممارسي النقل عبر التطبيقات إلى مواجهة بالأسلحة البيضاء انتهت بإصابة عدد منهم فيما تم إلقاء القبض على عدد من السائقين من الطرفين، وتمت متابعتهم أمام المحكمة بتهمة تبادل الضرب والجرح، وهما أبرز حادثتين استفزتا البرلمان، حيث وجهت بعدهما البرلمانية فاطمة التامني، عن فيديرالية اليسار الديمقراطي، سؤالا كتابيا لوزير النقل واللوجيستيك محمد عبدالجليل، حول «المواجهات بين سائقي سيارات الأجرة الكلاسيكية وسيارات الأجرة المستعملة للتطبيقات الذكية» خلال نفس الشهر، اعتبرت فيه أن مختلف شوارع المملكة تعيش «مظاهر خطيرة تصل في كثير من الأحيان إلى الاعتداءات الجسدية وعلى الممتلكات الخاصة والعامة، بسبب المواجهات المحتدمة التي يفرضها عدد من سائقي الطاكسيات ونظرائهم من مستعملي التطبيقات الذكية للنقل الحضري، إذ وصل الحد ببعض سائقي سيارات الأجرة إلى فرض مراقبة مرورية في الطرقات العامة وخرق قانون السير، بأشكال متعددة، كما تابعنا ما وقع مؤخرا على مستوى شارع الزرقطوني بالدار البيضاء، حيث عمد عدد من أصحاب سيارات الأجرة إلى قنص نظرائهم مستعملي التطبيقات الذكية، ووقوع اشتباكات نتج عنها تعريض حياة المواطنين للخطر وإلحاق أضرار بالغة بالسكينة العامة».
وضع غير قانوني
هذه التطبيقات الخاصة بالنقل العمومي، يعمل أغلبها في المغرب في وضع غير قانوني، خاصة وأنها تستعين بخدمات سيارات وسائقين غير مرخص لهم ممارسة نقل الأشخاص، كما أنه من الصعب التحكم في عائداتها الاقتصادية ومراقبة مداخيلها، علما أن أغلبها لا يتقاضى من السائقين أي درهم، لكن يعتمد على عدد تحميل هذه التطبيقات في الهواتف، وعدد النقرات اليومية عليها. هذا الوضع القانوني الضبابي التي تتواجد فيه يطرح الأسباب الثاوية وراء السماح لها بالعمل، خاصة وأن وزارة النقل تلتزم الصمت ولم تقدم حتى الآن على أي مبادرة من شأنها تقنين هذا القطاع، رغم الصراعات التي طفت على السطح بين السائقين المهنيين والعاملين في النقل عبر التطبيقات الهاتفية، ورغم مبادرة بعض هؤلاء إلى الإعلان عن تأسيس إطار نقابي لهم شهر أبريل الماضي من أجل مواجهة المضايقات التي يتعرضون لها، في محاولة منهم من أجل مغربة هذه التطبيقات التي لا زال أغلبها يتبع تطبيقات عالمية من قبيل «UBER» و»IN DRIVE» هذا الأخير الذي يتم تحميله بكثرة من طرف زبناء هذه النوعية من النقل بالنظر إلى المزايا التي يقدمها وعلى رأسها تحديد سعر أي رحلة. علما أن الإطار النقابي المعني بهؤلاء تم بمدينة مراكش بعد تأجج الصراعات مع أرباب سيارات الأجرة، وهو يحمل بين طياته، مشروعا لتنظيم النقل عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة الذي ينتظرون من الوزارة الوصية التجاوب معه، خاصة في ظل إعلان وزير النقل واللوجيستيك، محمد عبد الجليل، تحت قبة البرلمان عن انكباب وزارته على إعداد طلب عروض من أجل الإعلان عن إنجاز دراسة تروم وضع إطار قانوني ينظم الأشكال الحديثة للتنقل، ستنجز في إطار مقاربة تشاركية مع القطاعات الوزارية المعنية ومختلف الفاعلين المتدخلين في هذا الشأن. كما أن هذه النقابة التي تعد الأولى من نوعها التي تروم تنظيم هذا القطاع تؤكد أن بإمكانه خلق 50 ألف منصب شغل ما سيساهم في التخفيف من البطالة والتشجيع على السياحة والاستثمار.