كان مغامرا حد الجنون، وهو ولي للعهد زار أمريكا، والتمس وهو ما يزال بعد شابا من سفير المملكة بواشنطن الدكتور المهدي بنعبود أن يشتري له دراجة نارية من نوع "هارلي ديفيدسون "، وطلب منه عدم إخبار والده بالأمر لأنه سيرفض مسبقا.. وتحقق له ما أراد، فكان يقود الدراجة النارية بسرعة جنونية، وأكثر من مرة تدخل السفير بنعبود للعفو عن الأمير من يد شرطة المرور.. ومرة طلب من الشلة التي كان يقضي معها إحدى سهراته بإفران، بعد أن ربط حبلا بمؤخرة إحدى سيارات "الجيب"، أن يصعدوا إلى السيارة ويقودوها بأقصى سرعتها ويجرجر جسده خلفها كما في أفلام ويستيرن... كان يريد أن يطل على الموت من قلب حدود المخاطرة، وما روي عنه في هذا الباب يصل حد اللامعقول أحيانا، لكنه غير مستبعد عن شخص من حجم الحسن الثاني.
كان الملك الراحل صاحب أنفة، لذلك يمكن لمارغريت تاتشر أن تقلق لتأخر الحسن الثاني وهي في ضيافته، وحين جاء موكب رئاسي لاصطحابه بمدريد للقاء الجنرال فرانكو، رفض سيارة الليموزين الرئاسية، وطالب بسيارة "الرولس رويس"، وأوقف حفل الاستقبال كله إلى أن وجدوا ما يحقق رغبة الملك الحسن الثاني، كما يحكي الصحافي الإسباني سامبريرو.
تتجلى أنفته أيضا في شكل ردود فعله، القاسية أحيانا، المليئة بروح السخرية أحيانا أخرى، فقد أرسل مستشاره أحمد رضا اكديرة إلى الرئيس الجزائري في منتصف السبعينيات، لكن هواري بومدين تصرف بشكل غير لائق مع مرسول الملك، فقد جلس على كرسي دوار ووضع رجلا فوق رجل، بحيث كان حذاؤه في مواجهة ضيفه، الذي أجلسه على كرسي صغير وأخذ يخاطبه بتعالٍ، عاد اكديرة إلى المغرب وحكى للحسن الثاني ما حدث، فأحس الملك بالإهانة، وأسرها في نفسه.
ذات مرة، أرسل هواري بومدين وزير خارجيته إلى المغرب، فأمر الحسن الثاني بطلاء جزء كبير من رخام قاعة العرش بمادة لزجة تجعل كل من يسير فوق رخامها يتزحلق، ونصبت الزربية فقط في مكان جلوس الملك، قدم ضيف الملك وفق المخطط المرسوم، وما إن خطا بضع خطوات حتى تزحلق وكاد يرتمي عند قدمي الحسن الثاني، الذي أمسك به: وحال لسانه يردد: "قل لصديقنا بومدين، إن الملوك لا يسقطون وإن مستشاريهم لا يهانون".
عشقه للحكم بمفرده كان لا يُقاوَم، لذلك شكل دولة على مقاسه، بمؤسساتها وأجهزتها ونخبها، لم تكن القوة وحدها سبيله ليتفوق في الحفاظ على استقرار واستمرارية عرشه، بالمواصفات التي أرادها.. وتجلت مقالبه في كل القرارات في الداخل كما في الخارج، في السياسة كما في الاقتصاد والمجتمع والثقافة.. آمن بعقد وحدة مع القذافي، لم يفهمها لا الشرق ولا الغرب، وتساءلت "الأندبندت" البريطانية: "كيف لملك حداثي وعصري أن يُجري تحالفا مع بدوي مجنون وتقليدي مثل معمر القذافي؟". وسنحتاج إلى وقت طويل لنفهم مقالب الحسن الثاني الذي تحالف مع القذافي ليسحب دعم البوليساريو ويورط الجزائر في تحملها لثقل مساندة البوليساريو لوحدها، في ظل الأزمة الداخلية التي كان يعرفها الجار الشرقي للمملكة في نهاية الثمانينيات.