استأثر خبر تقديم علامة سيارة مغربية أمام جلالة الملك يوم 15 ماي الماضي، باهتمام كبير سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، اعتبارا لأهمية الحدث الذي يعزز المشروع الوطني "صنع في المغرب" (MADE IN MOROCCO). تعرف شركة نيو موتورز (NEO MOTORS) نفسها على أنها ثالث شركة مصنعة للسيارات في المغرب إلى جانب العملاقين رونو وستيلانتيس. "الأيام" تعيد قراءة مسار تأسيس الشركة واستراتيجية عملها وآفاقها المستقبلية كما تطرح بعض الأسئلة بخصوص مجموعة من نقاط الغموض التي تكتنف المشروع في انتظار أن تكشف الأيام المقبلة تفاصيل أوفى عنه.
تعتبر «نيو موتورز» أول علامة سيارات مغربية من إنتاج كفاءات وطنية تعتمد على منظومة محلية لتجهيز السيارات وتركيبها، وفق صيغة الخبر المتداول منذ 15 ماي وقبله بأسابيع، حيث سبق لبعض وسائل الإعلام أن كشفت معلومات عن المشروع، كما أن رياض مزور وزير الصناعة والتجارة بشر بقرب افتتاح أول وحدة صناعية محلية لصناعة السيارات نهاية 2022.
استلهام الإنجاز المونديالي للأسود
لم تعلن الشركة الجديدة عن أسماء السيارة لحد الآن لكن المعطيات التي كشفها موقع «لوديسك» تؤكد أنها من تأسيس شريكين أحدهما وزير في حكومة السيد عزيز أخنوش، وأنهما استلهما الشعارات التي ظلت ترددها الجماهير المغربية خلال مونديال قطر 2022 وتحديدا عبارتي «سييير» و»النية»، حيث باشرا منذ بداية السنة الحالية إجراءات تسجيل الاسمين بمختلف طرق كتابتهما بالحروف اللاتينية لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية.
ولحد كتابة هذه السطور فالشركة مازالت لم تكشف عن أسماء السيارة التي يتوقع أن يبدأ إنتاجها شهر يونيو مستهدفة السوق المحلية في مرحلة أولى قبل التفكير في توسيع نشاطها التجاري وتسويق العلامة المغربية في الخارج.
مسار البحث عن الاعتراف والتمويل
بتواجد عملاقي صناعة السيارات رونو وستيلانتيس وخلفهما ما يناهز 250 موردا عالميا متخصصا في قطع الغيار وأزيد من 180 ألف عامل وموظف في هذا القطاع، فإن المجال يصبح مغريا لاستثمار شبكة التوريد المحلية من أجل إطلاق المشروع. لكن السؤال الذي طرح هو من هم هؤلاء الذين أمسكوا بهذه الورقة الرابحة؟ وكيف تم ذلك؟
هنا نعود لأول من كشف الأمر وهو موقع «لوديسك» الذي أكد أن شركة «السيارة المغربية»
فيها شريكان هما نسيم بلخياط، الذي سنعود لمساره لاحقا ضمن هذا الملف، واسم له خصوصية وهو الوزير محمد مهدي بنسعيد! ومن ثمة كان لابد أن تطرح مسألة تضارب المصالح تحت المجهر.
لقد نسج بلخياط وبنسعيد علاقات واسعة مع الشركات المصنعة لقطع غيار السيارات من أجل ضمان توريد حاجيات الشركة الناشئة، وبعد الانتهاء من النموذج الأولي للسيارة بدآ رحلة البحث عن التمويل والإجراءات الإدارية المعمول عند وزارة الصناعة.
يقول بلخياط في التصريحات التي أدلى بها، إن مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة آنذاك كان متشددا في توقيع اتفاقية الاستثمار، مطالبا الشريكين بمراجعة مشروعهما من أجل توفير كل عوامل النجاح، ومستندا في قراره على كون المغرب بات يصنف من ضمن البلدان الرائدة في المجال لذلك لا مجال لاتخاذ خطوة غير محسوبة العواقب.
وبعد شهور من المراجعات تمكن بنسعيد وبلخياط من الحصول على توقيع وزير الصناعة على اتفاقية الاستثمار التي تتيح لشركة نيو موتورز الامتيازات الممنوحة للشركات الموجودة في المناطق الصناعية الحرة، وهي وضعية تعفيها من الضريبة على القيمة المضافة وحقوق الجمارك على الاستيراد مقابل التزام الشركة بمخطط استثماري من ثلاث مراحل يمتد على 10 سنوات تبلغ فيه قيمة الاستثمار 45 مليون درهم لخلق 150 منصب شغل وتصنيع ما بين 1500 و3000 سيارة سنويا.
تمكن الثنائي من إقناع مؤسستين بنكيتين من أجل تمويل المشروع بالنظر إلى كونهما مبتدئين في المجال يقبلان على قطاع يشهد منافسة شرسة وتكنولوجيا متقدمة، في وقت كان واضحا أن أموالهما الخاصة غير كافية، في حين كانت فيه صناديق الاستثمار متوجسة من المغامرة. توجس سيختفي لا محالة بعد 15 ماي تاريخ الاستقبال والتوشيح الملكيين. توشيح سيرفع لا محالة أسهم الشركة ويعزز ثقة المستثمرين بها في المستقبل، ليفتح أمامها المجال من أجل ولوج سلس للسوق المحلي لمنافسة الشركات الرائدة في المجال.
الهندسة العكسية
اعتبارا لكون قطاع صناعة السيارات مازال حديث العهد في المغرب خصوصا في شقه التقني الدقيق، فقد لجأ الشريكان إلى «الهندسة العكسية» (Reverse Engineering) باعتبارها آلية ضرورية في هذه الحالة لاكتشاف الخصائص التقنية لقطاع السيارات وتحليل بنية عمله من أجل تكوين فكرة شاملة ومتكاملة عن الصناعة وسيرورة الإنتاج والقطع الأساسية المطلوبة قبل الانتقال إلى تشكيل نموذج أول عن المنتج المستقبلي.
ومن هنا نبعَت فكرة صناعة سيارة دفع رباعي رياضية أو ما يسمى اختصارا ب (SUV) باستلهام نموذجي جيمي لشركة سوزوكي وبرونكو من شركة فورد.
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا لسيارة تونسية تسمى إزيس متهمين شركة نيو موتورز بتقليد النموذج التونسي على الأقل في الهندسة الخارجية. أمر لا يخفيه نسيم بلخياط فقد باشر رفقة شريكه رحلة البحث عن شركات ناشئة في المجال لا تتجاوز طاقتها التصنيعية 10 آلاف سيارة في السنة فوجدا ضالتهما في شركة واليسكار (Wallyscar) للأخوين زياد وعمر قيقا، فاستلهما نموذجهما الخاص بناء على تجربتهما رغم أن المجال الصناعي في تونس لا يوفر كل قطع الغيار الأساسية والضرورية مقارنة بنظيره المغربي.
وبناء على المعطيات المتوفرة والإمكانيات التي يتيحها القطاع الصناعي المغربي، باشر الشريكان عملهما في وضع تصور لنموذج أولي للسيارة يراعي القدرة الشرائية للمغاربة من خلال اختيار نوع المحرك والهيكل الخارجي والزجاج وغيرها من مكونات التصنيع.
تطلبت هذه العملية زهاء سنة من العمل بين الشريكين من أجل توفير ضمانات نجاح المشروع لكي يظل في حدود السعر والمتطلبات الأساسية التي وضعاها معيارا منذ البداية بحكم مختلف مراحل الإنتاج.
ترددت مجموعة من البنوك في تمويل المشروع قبل أن يقبل القرض الفلاحي المساهمة في المشروع ثم لاحقا التحق البنك العقاري والسياحي بالانضمام انطلاقا من رغبة المؤسستين في تنويع مجالات استثماراتهما ليحصلا على التمويل اللازم في مارس 2020 والبالغ 24 مليون درهم فارضا بذلك على الشريكين التدقيق في كافة الأمور المالية لكي لا تتجاوز سقف الميزانية المرصودة والمعتمدة من قبل البنكين.
مصنع عين عودة
اختار الشريكان منطقة عين عودة، ضواحي العاصمة الرباط، لإقامة مصنع الشركة الوليدة على مساحة هكتارين بعد الحصول على موافقة المجلس الجهوي للاستثمار في الرباط غير بعيد عن مقر معهد للتكوين في مجال قطع الغيار للاستفادة من خريجيه في المشروع الناشئ.
حصلت الشركة الناشئة على موافقة المجلس الجهوي للاستثمار في شتنبر 2020 وفي الشهر ذاته حصلت على موافقة رئيس مجلس مدينة عين عودة حسن عارف مرخصا لها بإنشاء وحدة صناعية على تراب الجماعة على أساس خلق 600 منصب شغل.
وتستغل الشركة المساحة الأرضية مقابل 120 ألف درهم سنويا أي بسومة كرائية محددة في 10 آلاف درهم مما يطرح الكثير من التساؤلات بخصوص طريقة الحصول على كافة التسهيلات الإدارية واللوجستية فضلا عن سعر الأرض الزهيد.
رهان نجاح المشروع
قطاع صناعة السيارات أصبح مغريا للمستثمرين بالنظر إلى المناخ العام المشجع لهذه الصناعة، متجليا في كثافة العرض من جانب الموردين، وتكوين آلاف الشباب في المهن المرتبطة بقطاع صناعة السيارات، وارتفاع صادراتها فضلا عن العائدات المادية بالعملة الصعبة، وهي كلها عناصر جاذبة بالنسبة لبلد يروم تحقيق الإقلاع الاقتصادي كالمغرب.
«إنه مشروع كلاسيكي لتطوير سيارة حرارية مغربية بتعاون مع شركة ستيلانتيس (STEALLANTIS) الموجودة في المغرب، فالتكنولوجيا المستعملة من قبل شركة نيو موتورز معروفة منذ زمن، ليبقى المجال مفتوحا أمام إضافة بعض الابتكارات لإضفاء لمسة مغربية خاصة بها فقط. أظن أن المشروع واقعي ويملك حظوظا كبيرة في النجاح» يقول خبير مغربي تحفظ عن ذكر اسمه في تصريح ل «الأيام». معطى يؤكده صاحب المشروع نفسه عندما قال في تصريحات صحفية بعد التوشيح الملكي إن السيارة الحرارية المغربية ستكون اقتصادية وتعجب الجميع.
وتراهن الشركة على دخول السوق المغربي بالتدريج فرغم أن الطاقة الإنتاجية للمصنع تبلغ 5 آلاف سيارة سنويا إلا أن مسؤوليها يفضلون الاقتصار على 500 سيارة سنويا في الوقت الراهن ورفع العدد بناء على تجاوب المستهلكين والسوق ليبلغوا الهدف المتمثل في 25 ألف وحدة سنويا. واعتبارا لكون صناعة السيارات تتطلب استثمارات ضخمة ودائمة لمواكبة متطلبات السوق والتطورات التكنولوجية، فإن الشركة تعتمد استراتيجية تولي الأولوية لتخصيص جزء من مواردها للبحث والتطوير من أجل تحسين أداء السيارة من الناحية التقنية والتكنولوجية والجمالية. ليبقى رهان آخر أمام المستثمرين في هذا المشروع يتعلق بإقناع المستهلك المغربي بالإقبال على هذا المنتوج «الوطني» الذي يقول عنه المنتجون إنه يستجيب لحاجيات مختلف شرائح المجتمع، بسعر يبدأ ب 165 ألف درهم.
نمو مضطرد لقطاع السيارات في المغرب
يعتبر المغرب حاليا أكبر مصنع للسيارات في إفريقيا، فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2023 بلغت الصادرات من صناعة السيارات المغربية 33 مليار درهم مسجلة زيادة مذهلة قدرها 44٪ على أساس سنوي.
وتعتبر صناعة السيارات ثاني قطاع مصدر في المغرب، حيث قدر إجمالي المبيعات في 2022 ب 8.4 مليار دولار إلى غاية نهاية أكتوبر من السنة ذاتها في حين أعلن بنك المغرب لاحقا أن الحصيلة بلغت 9.5 مليار دولار في نهاية دجنبر الماضي.
وفي وقت يواصل قطاع السيارات تجاوز توقعات النمو تعمل الدولة على الانتقال إلى تصنيع السيارات الكهربائية للحفاظ على مكانتها التصنيعية القوية في التحول العالمي إلى الاقتصاد الأخضر حيث كشفت في شتنبر 2022 عن خطة صناعية طموحة تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للسيارات الكهربائية في غضون سنتين.
ويتوقع أن يصل إنتاج السيارات الكهربائية في البلاد إلى 100 ألف وحدة سنويا في فترة تتراوح من سنتين إلى ثلاث سنوات أي ضعف قدرة الإنتاج الحالية، ويظل هذا الرقم هدفا إنتاجيا طموحا قابلا للتحقق في ظل الإمكانات الصناعية الحالية أخذا بعين الاعتبار القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي في المستقبل.
طموح المغرب للتحول إلى مركز لإنتاج السيارات الكهربائية تعززه قدرة البلاد الكبيرة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تشير مجموعة من الدراسات إلى قدرة البلد على إنتاجه باعتباره أفضل بديل أخضر للزيت في الوقت الحالي، ومع انتقال العالم إلى اقتصاد أكثر استدامة فمن المتوقع أن ينمو الطلب على الهيدروجين الأخضر بشكل متزايد.
وحسب مجموعة من التقارير، فإن أوروبا تخطط بالفعل لاستثمار ميزانيات كبيرة في الهيدروجين الأخضر والألواح الشمسية في المغرب إلى جانب مصر وجنوب إفريقيا إذ يقدر بنك الاستثمار الأوروبي قيمة طاقة إنتاج الهيدروجين الأخضر في إفريقيا باستثمارات تناهز 1 تريليون يورو.
من المتوقع أن تصل القارة إلى طاقة إنتاجية سنوية للهيدروجين الأخضر تبلغ 50 مليون طن بحلول 2035 بسعر تنافسي كبير يصل إلى دولارين للكيلوغرام أو أقل.