2052 هو عام التهديد بإفلاس آخر صناديق التقاعد، ممثلا في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، فيما قد يعرف الصندوق المغربي للتقاعد مصيرا أسود في الأمد القريب، أي بعد خمس سنوات فقط، على أن يتأجل إعلان إفلاس الصندوق المغربي للضمان الاجتماعي حتى 2038. هذه هي خلاصات التقرير الذي أصدره قبل أيام كل من مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني ومرصد العمل الحكومي بخصوص أنظمة التقاعد بالمغرب، والتي أكد أنها تعاني حاليا من عجز يصل في مجموعه إلى 11.475 مليار درهم، رغم توفر الصناديق الثلاثة على احتياطات تصل حتى الآن إلى 264 مليار درهم معرضة للتبخر في السنوات الثلاثين القادمة، ما يدعو إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات يؤكد عليها التقرير، الذي قدم تشخيصا للوضعية، على شكل توصيات.
الصندوق المغربي للتقاعد يعاني من عجز بقيمة 7.8 مليار درهم ويمكن أن يفلس عام 2028، إذا ما لم يتم اتخاذ إجراءات لإنقاذه، علما أن أول عجز تقني بدأ في الظهور منذ عام 2014، فيما تبلغ احتياطاته الحالية حوالي 68 مليار درهم. وفي المقابل، وصل العجز المالي في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد إلى 3.3 مليار درهم، منذ ظهور أول عجز تقني له عام 2004، مع وجود احتياطات تصل حاليا إلى 135 مليار درهم، ما سيؤجل إفلاسه إلى عام 2052. أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فيسجل عجزا بقيمة 375 مليون درهم مع احتياطات بقيمة 61 مليار درهم، لكن ذلك لن يمنع من إعلان إفلاسه بحلول عام 2038، ما لم يتم اتخاذ إجراءات من شأنها أن تجنبه هذا المصير المظلم. هذا أبرز ما يمكن ملاحظته بخصوص منظومة التقاعد في المغرب التي تشكل الصناديق الثلاثة أبرز ركائزها، وذلك حسب التقرير الصادر قبل أيام عن كل من مرصد العمل الحكومي ومركز الحياة لتنمية المجتمع المدني والذي حمل عنوان «صناديق التقاعد في المغرب: الواقع والتحديات»، والذي قدم 12 توصية من أجل تجنيب هذه الصناديق إعلان الإفلاس رغم أن الصندوق المغربي للتقاعد، حسب ذات التقرير يبقى الأقرب إلى ذلك بحكم أن احتياطاته النقدية لن تسعف في أداء مهامه سوى خلال السنوات الخمس المقبلة.
توصيات للإنقاذ
التوصيات التي تم التقدم بها تدعو الدولة إلى تحمل مسؤوليتها عن «عدم تسديدها لأقساطها عن الفترة الممتدة من 1959 إلى 1997 وما خلفه هذا من هدر أثر على مردودية الصناديق بما يقدر بأكثر من 25 مليار درهم» و»ضرورة اعتماد إصلاح تدريجي وفق أجندة متوسطة المدى لا تقل عن 10 سنوات من أجل تنزيل إصلاح شامل ومستدام»، و»إعادة النظر في القوانين المنظمة لتدبير احتياطات صناديق التقاعد بما يزيد من مردودية استثماراتها بما لا يقل عن 8 أو 9% سنويا، ويحسن من مساهمتها في تمويل الاقتصاد الوطني»، و»حذف استثناء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تدبير أمواله الاحتياطية، بما يمكنه من الرفع من مردوديتها ويعالج إشكالية العجز ويزيد من أمد استدامة احتياطاته»، فضلا عن الدعوة إلى: ضرورة اعتماد توجهات إصلاحية شاملة ومتزامنة لكل من أنظمة التقاعد، وصندوق المقاصة، وكذلك النظام الضريبي، خصوصا المتعلق بالضريبة على الدخل بالنسبة للأجراء والموظفين، وكذلك تحسين التعريفة الوطنية المرجعية، بما يضمن عدم تأثير الإصلاح على القدرة الشرائية للمتقاعدين. ضرورة إعفاء الأجراء والموظفين الذين يفوق سنهم 55 سنة من كل أثر لإصلاح مرتقب، مع تغليب كفة الفئات العمرية الشابة. ضرورة وضع حد أدنى لمعاش التقاعد لا يقل عن 1800 درهم للحفاظ على القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة من ذوي الدخل المحدود. ضرورة الرفع النسبي من سقف النظام الأساسي لاحتساب التعويض عن التقاعد المقترح، بما يتوافق والقدرة الأجرية للأجراء. ضرورة العمل على توفير جسور الانتقال بين أنظمة التقاعد العام والخاص من أجل تسهيل حركية السكان النشيطين داخل سوق الشغل من القطاع العام إلى القطاع الخاص أو في الاتجاه المعاكس. العمل على تقليص هدر زمن تنزيل الإصلاح في أفق 2024 على أبعد تقدير. العمل على تنزيل نص تشريعي، بقانون إطار يوضح خارطة الطريق لإصلاح أنظمة التقاعد، يأخذ طابع الإلزامية للجميع، أفرادا ومقاولات وقطاعات حكومية وجماعات ترابية ومؤسسات عمومية ومهن حرة. العمل على سن إجراء ضريبي تضامني، يخصص لتمويل ورش الحماية الاجتماعية بشكل عامل وأنظمة التقاعد بشكل خاص.
تحديات ومخاطر
يرى كل من مرصد العمل الحكومي ومركز الحياة لتنمية المجتمع المدني أن هذه التوصيات المقترحة تأتي في سياق التحديات والمخاطر التي تعيشها منظومة التقاعد بالمغرب، والتي ترتبط بضرورة العمل من أجل استدامة احتياطاتها، «وبقدرتها على الاستمرار في لعب أدوارها الاقتصادية والاجتماعية، في ظل أزمة تضرب بنياتها وطرق تدبيرها وآفاقها المستقبلية، في غياب إصلاح شامل ومتناسق يستحضر وضعها المتأزم، ويحقق التوازن ما بين مختلف المساهمين في تطوير منظومتها المالية المعطوبة»، حسب تعبير التقرير الذي أشار إلى تشكيل الحكومة منذ عام 2013 «لجنة وطنية مكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد، عملت على وضع خارطة طريق لإصلاح هذه المنظومة، تجلت أبرز توصياتها في: خلق نظام تقاعد بقطبين عمومي وخاص، وتنزيل إصلاح مقياسي لنظام المعاشات المدنية يمكن من تأجيل أفق استدامة النظام من 2022 إلى 2028، وإحداث نظام معاشات لغير الأجراء، حيث عملت الحكومة منذ سنة 2016 على تنزيل هذه التوصيات من خلال مجموعة إجراءات تتمثل أساسا في: الرفع التدريجي لسن التقاعد إلى 63 سنة، ورفع نسبة المساهمة من 20 في المئة إلى 28 في المئة، وتحديد المعاش على أساس 2 في المئة بدل 2.5 في المئة، وتصفية المعاشات إلى متوسط الراتب خلال الثمان سنوات الأخيرة من الخدمة الفعلية، قبل أن تتم عام 2017 المصادقة على القانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات لغير الأجراء، الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2020، بالإضافة إلى بداية تنفيذ الإصلاح المقياسي على نظام منح رواتب التقاعد.
تأجيل الأزمة
هذه الإجراءات يرى التقرير أنها لم تعمل سوى على تأجيل أفق استدامة نظام المعاشات المدنية إلى غاية سنة 2028، وضمان توازن الحقوق المكتسبة منذ مباشرته في سنة 2016، لكن لم تستطع «تقديم حل شامل ودائم للأزمة البنيوية لأنظمة التقاعد»، وبالرغم من تبني الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، منذ مجيئها، ما أسماه التقرير «نهجا إصلاحيا جديدا مبنيا على إشراك مختلف الفرقاء في هذا الملف، انطلاقا من التزامات واضحة نابعة من الحوار الاجتماعي الذي أعادت عجلته إلى الدوران سنة 2022، من خلال اتفاق 30 أبريل 2022، الذي انبثقت عنه لجنة لإصلاح أنظمة التقاعد بإشراك النقابات وممثلي المنظمات والجمعيات المهنية، وفق منهجية واضحة وأجندة زمنية مضبوطة، تبتدئ من أكتوبر 2022 بتحيين التشخيص والوضعية الحالية لأنظمة التقاعد، وتنتهي في شهر ماي 2023 باعتماد سيناريوهات الإصلاح والشروع في تنفيذه». قدم التقرير رصدا لمختلف الخطوات والإجراءات الحكومية المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد، وإبداء الملاحظات المتعلقة بمدى قدرتها على تقديم الحلول المناسبة المتوافقة مع طموحات مختلف الفرقاء، خاصة وأن هناك حاجة إلى مبالغ مالية هامة من أجل استعادة صناديق التقاعد لتوازنها، مثل الصندوق المغربي للتقاعد الذي يحتاج إلى 14 مليار درهم سنويا لمواصلة الوفاء بالتزاماته، فيما يبقى أمد النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد طويلا رغم العجز التقني المسجل فيه، بالنظر إلى المستوى المهم من احتياطاته (135 مليار درهم)، والتي تمكنه عوائدها المالية المهمة من تجاوز العجز، بينما يظل العجز التقني للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ضئيلا بالمقارنة مع احتياطاته (375 مليون درهم) حيث من المرتقب أن يصل أمد استدامته إلى غاية 2038، مع العلم أن منظومة هذا الصندوق تسمح بإدراج هوامش مهمة للإصلاح المقياسي خاصة بالرفع من نسبة المساهمة (11.89 في المئة) وسن التقاعد المحصور حاليا في 60 سنة.
الإصلاح المقترح
التقرير توقف أيضا عند سيناريو الإصلاح المقترح من طرف الحكومة لأنظمة التقاعد والتي ترمي إلى فرض أنظمة تكميلية إجبارية بمساهمات محددة تبتدئ مع أول دخل، وأخرى اختيارية مبنية على الرسملة، وفق نظام أساسي بمساهمة محددة أو باستحقاقات محددة وتهم الشركات بمختلف أصنافها الكبرى والمتوسطة والصغرى، وحتى الأشخاص غير الأجراء، والعمال المستقلين، لكن هذه المقترحات والتي قدمتها الحكومة خلال جلسات الحوار الاجتماعي عرفت مجموعة من المتغيرات الرئيسية على بنية ومنظومة صناديق التقاعد، يبقى أبرزها اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص، فضلا عن اعتماد معاش تكميلي إجباري وآخر إضافي للقادرين عليه، وإلغاء النسبة المئوية وتعويضها بالنقط، فضلا عن إلغاء اعتماد أجر السنوات الثماني الأخيرة كقاعدة لاحتساب المعاش، واحتساب المعاش على أساس طول مدة العمل، مع سن إجراءات همت على وجه الخصوص: اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص لتسهيل المرور مستقبلا إلى نظام موحد. تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي. تجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة. رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص. وعلى الرغم مما تم تسجيله، فإن التقرير يقدم مجموعة من الملاحظات حول سيناريو إصلاح أنظمة التقاعد ومنها تسجيله لإيجابية المقاربة المعتمدة من طرف الحكومة في ما يتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد، من خلال جعلها ضمن أجندة الحوار الاجتماعي وتضمينها في اتفاق 30 أبريل 2022، وإشراك الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين في اتخاذ القرار، وإيجابية التحديد الزمني المتبع لإصلاح أنظمة التقاعد بما تقتضيه استعجالية إيجاد الحل الشامل للملف، وإيجابية التصور القاضي بإحداث قطبين لأنظمة التقاعد، قطب عمومي وقطب خاص، مع توحيد أنظمة احتساب التعويض في أفق الدمج النهائي للنظامين. ورغم هذه الإيجابيات، يتحدث التقرير عما أسماه «التستر غير المبرر للحكومة على نتائج الدراسة المنجزة من طرف مكتب للدراسات حول إصلاح أنظمة التقاعد، والدفع بإلزام الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين بالحفاظ على سرية المقترحات، في تعارض تام مع طبيعة الملف المجتمعية»، كما سجل أيضا «ضعف النظام الأساسي المعتمد لاحتساب عتبة تعويضات التقاعد والاقتراح غير المفهوم بشأن التقاعد التكميلي وإجباريته بالنسبة لبعض الفئات والجهة المكلفة بإدارته والإشراف عليه» و»التجاوز غير المبرر للتحليل المقدم من طرف الحكومة للمسببات الحقيقية للأزمة، ومن بينها الامتناع الطويل للدولة عن تأدية مستحقاتها لصناديق التقاعد ما تسبب في عجز بنيوي في احتياطاتها وسرع بعجزها التقني»، و»التجاوز غير المبرر لإشكالية الديون المستحقة لنظام المعاشات العسكرية والمقدرة ب7 ملايير درهم لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد»، و»عدم تضمين المقترحات المقدمة من طرف الحكومة لأي رؤية في ما يتعلق بتحسين مردودية»، و»الاستثمارات الخاصة باحتياطات صناديق التقاعد وتحسين فعاليتها وتقييم أوجه اعتمادها وتوظيفها»، فضلا عن «التنصل من المسؤولية والتجاوز غير المبرر للتدبير الكارثي لصناديق التقاعد والهدر الكبير الذي عرفته ماليتها واحتياطاتها رغم صدور عدة تقارير في هذا الشأن، مثل تقرير لجنة تقصي الحقائق بمجلس المستشارين وتقرير المجلس الأعلى للحسابات في شأن نظام المعاشات المدنية»، هذا إلى جانب «غياب أي بعد تواصلي لدى الحكومة في ما يتعلق بإصلاح صناديق التقاعد، وحصر النقاش داخل جلسات الحوار الاجتماعي، في تغييب غير مبرر للنقاش المجتمعي بخصوص هذا الملف الاستراتيجي والمصيري لفئات واسعة من المجتمع المغربي». —