تعيش منظومة التقاعد في المغرب على وقع عدد من التحديات والمخاطر المرتبطة بالأساس باستدامة احتياطاتها، وبقدرتها على الاستمرار في لعب أدوارها الاقتصادية والاجتماعية، في ظل أزمة بنيوية تضرب بنياتها وطرق تدبيرها وآفاقها المستقبلية في غياب إصلاح شامل ومتناسق يستحضر وضعها المتأزم، ويحقق التوازن ما بين مختلف المساهمين في تطوير منظومتها المالية المعطوبة . ومن المؤكد أن الوعي بخطورة وضعية منظومة التقاعد بات حاضرا لدى مختلف الفاعلين والمتدخلين وفي مقدمتهم الحكومة التي باشرت عدة إصلاحات في هذا الشأن، وفقا لرؤيتها، بهدف الحد من تدهور الوضعية المالية لهذه المنظومة ومحاولة إرساء دعائم إصلاح بنيوي يعيد التوازن لصناديقها المتعددة، وهي الخطوات التي ظلت بالمقابل محط نقاش بينها وبين الفاعلين الاجتماعيين. وحسب التقرير المشترك الصادر عن مرصد العمل الحكومي ومركز الحياة لتنمية المجتمع المدني فإن الحكومة منذ سنة 2013 قد شكلت لجنة وطنية مكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد، عملت على وضع خارطة طريق لإصلاح هذه المنظومة، تجلت أبرز توصياتها في خلق نظام تقاعد بقطبين عمومي و خاص، تنزيل إصلاح مقياسي لنظام المعاشات المدنية يمكن من تأجيل أفق استدامة النظام من 2022الى 2028، ثم إحداث نظام معاشات لغير الأجراء. كما عملت منذ سنة 2016 على تنزيل توصيات اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد من خلال إصلاح مقياسي، هم بالأساس الرفع التدريجي لسن التقاعد إلى 63 سنة، رفع نسبة المساهمة من 20 في المائة إلى 28 في المائة، تحديد المعاش على أساس 2 في المائة بدل 2.5 في المائة، ثم تصفية المعاشات إلى متوسط الراتب خلال الثمان سنوات الأخيرة من الخدمة الفعلية. وورد في ذات التقرير بأن الحكومة قامت بالمصادقة سنة 2017 على القانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات لغير الأجراء، دخل حيز التنفيذ سنة 2020، بالإضافة إلى بداية تنفيذ الإصلاح المقياسي على نظام منح رواتب التقاعد. وإذا كانت هذه الإجراءات والتدابير الحكومية تحمل صفة الضرورة، وخاصة الإصلاح ألمقياسي الذي باشرته الحكومة قد مكن من تأجيل أفق استدامة نظام المعاشات المدنية إلى غاية سنة 2028، ومن ضمان توازن الحقوق المكتسبة منذ مباشرته في سنة 2016 حيث ضل الدين الضمني يهم بالأساس الحقوق المكتسبة في الماضي، إلا أنها تظل جزئية و لم تستطع تقديم حل شامل ودائم للأزمة البنيوية لأنظمة التقاعد . في ظل هذه الوضعية المتأزمة والضاغطة، تبنت حكومة أخنوش نهجا جديدا مبنيا على إشراك مختلف الفرقاء في هذا الملف، انطلاقا من التزامات واضحة نابعة من الحوار الاجتماعي الذي أعادت عجلته إلى الدوران سنة 2022، من خلال اتفاق 30 أبريل 2022، وفقا للتقرير المذكور الذي أشار إلى أنه هذه الخطوة انبثقت عنها لجنة لإصلاح أنظمة التقاعد بإشراك النقابات وممثلي المنظمات والجمعيات المهنية، وفق أجندة زمنية تبتدئ من أكتوبر 2022 بتحيين التشخيص والوضعية الحالية لأنظمة التقاعد، وتنتهي في شهر ماي 2023 باعتماد سيناريوهات الإصلاح والشروع في تنفيذه. وعمل التقرير على رصد مختلف الخطوات والإجراءات الحكومية المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد، وإبداء الملاحظات المتعلقة بمدى قدرتها على تقديم الحلول المناسبة المتوافقة مع طموحات مختلف الفرقاء، مع تقديم عدة توصيات، يهدف من خلالها مرصد العمل الحكومي المساهمة الجادة والموضوعية في النقاش العمومي في هذا الشأن، مبرزا في علاقة بوضعية الصندوق المغربي للتقاعد بأنه على الرغم من أنه يعيش حالة من التوازن بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد الإصلاح المقياسي، إلا أنه حسب نفس التقرير، سيستنفذ احتياطاته بحلول سنة 2028، وذلك راجع بالأساس إلى حجم الدين الضمني الحالي المرتبط بالحقوق المكتسبة في الماضي، حيث سيحتاج هذا الصندوق 14 مليار درهم على أساس سنوي لمواصلة الوفاء بالتزاماته. أما بخصوص النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد فقد اكد التقرير على أنه رغم العجز التقني الذي يعاني منه هذا الصندوق والمقدر بحوالي 3,3 مليار درهم، الا ان امد استدامته يظل طويلا حيث سيصل الى غاية 2052، وذلك راجع بالأساس الى المستوى المهم من احتياطاته (135 مليار درهم)، و التي تمكنه عوائدها المالية المهمة من تجاوز العجز. وفي نفس السياق وعلى مستوى وضعية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فقد أبرز التقرير أن العجز التقني لهذا الصندوق يظل ضئيلا بالمقارنة مع احتياطاته (375 مليون درهم) ، حيث من المرتقب أن يصل أمد استدامته إلى غاية 2038 ، مع العلم أن منظومة هذا الصندوق تسمح بإدراج هوامش مهمة للإصلاح المقياسي خاصة بالرفع من نسبة المساهمة (11,89 في المائة) وسن التقاعد المحصور حاليا في 60 سنة. وتفاعلا مع هذه الوضعية أوصى مرصد العمل الحكومي بضرورة تحمل الدولة لمسؤوليتها عن عدم تسديدها لأقساطها عن الفترة الممتدة من 1959 إلى 1997 وما خلفه من هدر إثر على مردوديتها بما يقدر بأكثر من 25 مليار درهم. وضرورة اعتماد إصلاح تدريجي وفق أجندة إصلاح متوسطة المدى لا تقل عن 10 سنوات من أجل تنزيل إصلاح شامل و مستدام. إضافة إلى إعادة النظر في القوانين المنظمة لتدبير احتياطات صناديق التقاعد بما يزيد من مردودية استثماراتها بما لا تقل عن 8 أو 9 % سنويا، و يحسن من مساهمتها في تمويل الاقتصاد الوطني، وكذا حذف استثناء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تدبير أمواله الاحتياطية، بما يمكنه من الرفع من مردوديتها ويعالج إشكالية العجز و يزيد من أمد استدامة احتياطاته . وإلى جانب ما سبق دعا المرصد إلى ضرورة اعتماد توجهات إصلاحية شاملة ومتزامنة لكل من أنظمة التقاعد، صندوق المقاصة وكذلك النظام الضريبي، خصوصا المتعلق بالضريبة على الدخل بالنسبة للأجراء والموظفين، وكذلك، تحسين التعريفة الوطنية المرجعية، بما يضمن عدم تأثير الإصلاح على القدرة الشرائية للمتقاعدين. وإلى ضرورة إعفاء الأجراء والموظفين الذين يفوق سنهم 55 سنة من كل أثر لإصلاح مرتقب، مع تغليب الكفة نحو الفئات العمرية الشابة، مع وضع حد أدنى لمعاش التقاعد لا يقل عن 1800 درهم للحفاظ على القدرة الشرائية على الطبقة الشغيلة من ذوي الدخل المحدود، وكذا الرفع النسبي من سقف النظام الأساسي لاحتساب التعويض عن التقاعد المقترح، بما يتوافق والقدرة الأجرية للأجراء، فضلا عن العمل على توفير جسور الانتقال بين أنظمة التقاعد العام والخاص من أجل تسهيل حركية السكان النشيطين داخل سوق الشغل من القطاع العام إلى القطاع الخاص أو في الاتجاه المعاكس، والعمل على تقليص هدر زمن تنزيل الإصلاح في أفق 2024 على أبعد تقدير. واختتم توصياته بالتأكيد على أهمية العمل على تنزيل نص تشريعي، قانون إطار يوضح خارطة الطريق لإصلاح أنظمة التقاعد، يأخذ طابع الإلزامية للجميع، أفراد ومقاولات وقطاعات حكومية وجماعات ترابية ومؤسسات عمومية و مهن حرة… والعمل على سن إجراء ضريبي تضامني، يخصص لتمويل ورش الحماية الاجتماعية بشكل عامل وأنظمة التقاعد بشكل خاص.