رغم الجفاف وتأزم الوضع الاقتصادي الحالي نتيجة التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية التي أنهكت القدرة الشرائية للمواطنين واستنزفت جيوبهم، إلا أن جشع بعض الشركات والبنوك جعلها تلجأ إلى فرض 3 دراهم عن كل عملية أداء عبر تطبيقاتها بما يحقق لها 36 مليار سنتيم سنويا من دفع فواتير الهاتف فقط.
هذا الأمر، أخرج مجلس المنافسة عن صمته، حيث دعا الشركات في بلاغ توصل "الأيام 24" بنسخة منه، إلى التراجع عن تحميل المستهلك كلفة خدمة الأداء عبر الإنترنيت، بعد استيفاء هذه الشركات ملايين الدراهم شهريا من جيوب المغاربة بشكل غير مبرر.
المستهلك بين الخيار الإلكتروني والتقليدي
في هذا السياق، أكد بدر الزاهر، محلل اقتصادي، أن رفع الأبناك لمجموعة من التكاليف والفواتير الخاصة بالماء والكهرباء، والخدمات الأخرى المتعلقة بالهاتف والأنترنيت ب3 دراهم عن كل خدمة، يعد منافيا لقواعد مجلس المنافسة، كما يثقل كاهل المواطن الذي يعيش ظرفيات تتسم بالأزمة والتضخم.
وأضح المحلل الاقتصادي، في تصريحه ل"الأيام24″، أن هذا الإجراء يعد منافيا أيضا لكل توجهات بنك المغرب خاصة تلك الرامية إلى التقليل من تداول العملة النقدية وتشجيع المبادلات الإلكترونية، مضيفا أن مسألة اللجوء إلى الرفع من تكاليف هذه الخدمات الإلكترونية من شأنه أن يدفع بالمستهلك المغربي إلى الإبقاء على أدوات الأداء الكلاسيكية النقدية، مما يتناقض وتوجهات الحكومة وبنك المغرب الرامية إلى الرفع من نسبة المبادلات الإلكترونية أو البديلة إلى حد تعبيره.
وكشف الخبير في مجال الاقتصاد، أن الرفع من تكاليف هذه الخدمات عبر الوسائط الإلكترونية، يعطل كل التوجهات الهادفة إلى رقمنة المشهد المالي والنقدي في المغرب، مفسرا أن بنك المغرب مؤخرا أبان على فشل أهداف الجهود المبذولة إلى حدود الساعة بخصوص رقمنة المشهد المالي نتيجة الاصطدام ببعض مثل هذه الخروقات والممارسات، التي تتسبب في جعل تكلفة الانتقال الرقمي غالية جدا.
التكلفة المرتفعة غير مشجعة
إن تفاجئ المواطنين الأيام الأخيرة بإقرار فرض رسوم إضافية على الأداء عبر الإنترنيت، قدرت قيمتها بثلاثة دراهم، أثار امتعاض الكثيرين، ودفع آخرين إلى الإقلاع عن الأداء عبر هذه الوسيلة تفاديا لتكلفة هذه الرسوم، في حين علق آخرون بمواقع التواصل، معتبرين أن جل هذه الاقتطاعات مبالغ فيها وتستوجب التحري، كما طالبوا تدخل الجهات الوصية لوقف هذه العمليات البنكية غير المبررة، التي تلاحق المواطن المغربي في جميع البنوك المغربية، وتستنزف جيوبهم ، كما تزيد من إرهاق قدرتهم الشرائية المتأثرة بتداعيات الأزمة والجفاف.
في هذا الصدد، أكد الخبير، أن فرض التكلفة الزائدة وعرقلة مجموعة من السياسات العمومية المتعلقة برقمنة التعاملات النقدية والمالية، لن يشجع المستهلك المغربي على اللجوء لمثل هذه المعاملات الإلكترونية، إذا بقيت التكلفة مرتفعة''.
وأفاد المصدر ذاته، أن الاقتصاد الوطني اليوم في الحاجة بقوة للمرور إلى الرقمنة، التي يعتبر الهدف الأساسي منها حسب الخبير، تخفيض تكلفة المعاملات بشقيها النقدية والإلكترونية على المواطن المغربي، وفي نفس الوقت ضمان حق الوصول إلى المعلومة المالية في العديد من المؤسسات التي لها علاقة بالضرائب والأبناك ، مما سيحقق الجاذبية لاستثمارات المملكة المغربية، مضيفا ''لا يمكن أن نضحي بكل هذه المؤشرات والأهداف المتوخاة من أجل الشركات التي ترمي إلى رفع تكلفة والاستفادة غير المبررة من الملايير ''.
وخلص إلى أن مجلس المنافسة يجب أن يضرب بقوة هذه الخروقات المرتكبة في حق المواطن المغربي، ويعيد الأمور إلى نصابها من خلال فرض عقوبات وغرامات مالية على هذه الشركات، مثلما هو الشأن بالنسبة لشركات الاتصالات وغيرها.
قرارات المجلس
بعد رؤية هذه الخروقات، أورد المجلس في بلاغ توصل "الأيام24" بنسخة منه، أنه وقف على بعض الممارسات التي تقوم بها بعض الشركات، معتبرا ممارساتها "غير مبررة'' من الناحية الاقتصادية، حيث أن من شأنها عرقلة حرية المنافسة في الأسواق المعنية، من خلال منح امتيازات غير مستحقة لبعض الفاعلين، تمكنهم من تعزيز مكانتهم داخل هذه الأسواق على حساب المستهلكين".
كما اعتبر المجلس أن ''هذه الممارسات تشكل عبئا على القدرة الشرائية للمستهلكين، وتعيق تطور ونمو رقمنة اقتصاد بلادنا"، مؤكدا أنها "لا تنسجم مع الاستراتيجية الوطنية الهادفة إلى تطوير القطاع الرقمي بالمغرب".
ودعت المؤسسة ذاتها الشركات إلى "وضع حد لهذه الممارسات"، مشددة على أنها تحتفظ لنفسها ب"حق اللجوء إلى تفعيل المساطر القانونية اللازمة في هذا الشأن ضد تلك التي تُصرُّ على هذه الممارسات المضرة بتطوير المنافسة في الأسواق الرقمية للاقتصاد الوطني".
مطالب برلمانية بالزجر
على إثر بلاغ مجلس المنافسة، خرجت بعض الفرق النيابية، بمطالب زجر للخروقات والممارسات الصادرة عن بعض هذه الشركات.
أحمد العبادي، برلماني بفريق التقدم والاشتراكية، وجه سؤالا كتابيا لوزارة المالية والاقتصاد، حول سبل زجر الشركات التي تحمل زبنائها مصاريف إضافية غير مشروعة، إضافة إلى الاختصاصات الموكولة لوزارة الاقتصاد من أجل مراقبة وضبط وكذلك رصد الشركات التي تضيف أعباء مالية إضافية على زبنائها جراء اعتماد الأداء الرقمي الذي تستفيد منه الشركات بدرجة أولى.
وفي سؤال كتابي آخر لنفس الفريق، لكن موجه هذه المرة للوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ، فحوى مضامينه، تتجلى في الإجراءات التي تتخذها الوزارة لجبر ضرر الزبناء المتضررين من الزيادات غير القانونية، بالإضافة إلى التدابير المتخذة في حالة عود هذه الشركات في ارتكاب نفس الخروقات.