يوم بيوم ترمومتر العلاقات المغربية الفرنسية نور الدين مفتاح نشر في 13 مارس 2023 الساعة 12 و 39 دقيقة هل يمكن أن تكون منطقة البحر الأبيض المتوسط أكثر اشتعالا من موسكو وكييف؟ بالطبع لا، ولكن بفعل عامل القرب والاحتكاك، يبدو وكأننا في المغرب في حرب مشتعلة لا ينقصها إلا السلاح. وينطبق هذا الأمر خصوصا على العلاقات المغربية الفرنسية المأزومة والتي تتقاطع فيها العديد من الخيوط المعقدة للمحيط الجيوسياسي والجيوستراتيجي للمملكة الشريفة. لأسباب غامضة، أو […] نور الدين مفتاح [email protected] هل يمكن أن تكون منطقة البحر الأبيض المتوسط أكثر اشتعالا من موسكو وكييف؟ بالطبع لا، ولكن بفعل عامل القرب والاحتكاك، يبدو وكأننا في المغرب في حرب مشتعلة لا ينقصها إلا السلاح. وينطبق هذا الأمر خصوصا على العلاقات المغربية الفرنسية المأزومة والتي تتقاطع فيها العديد من الخيوط المعقدة للمحيط الجيوسياسي والجيوستراتيجي للمملكة الشريفة. لأسباب غامضة، أو على الأقل غير واضحة أو صادرة في بيانات رسمية، تدهورت العلاقات المغربية الفرنسية وبدأت أزمة صامتة كان عنوانها هو ما سمي ب«إهانة التأشيرات» التي قلصت فيها باريس بشكل فظيع عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، بدعوى رفض المغرب استقبال مهاجرين مطرودين من فرنسا رغم عدم التأكد من هويتهم. وربّما زاد الأمر قليلا عندما قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة الجزائر في إطار ما سمي ب«صفقة الغاز» ليرجح المحللون أن الإليزيه، من أجل مصالحه الطاقية، مال إلى الخصم الإقليمي للمملكة ضد مصالح الرباط، وجاء كل هذا ليؤثث لوحة مطبوعة باتهامات ضد الرباط باستعمال أجهزة تجسس، على هواتف مسؤولين فرنسيين، تدعى «بيغاسوس»، ونشرت صحف أن الرئيس الفرنسي شخصيا كان ضحية لهذا الاختراق. وعلى الرغم من تحرك المغرب ولجوئه إلى القضاء الفرنسي، فإن المعادلة ظلت هي أن لا جهة أكدت بالخبرة هذه المزاعم، وبالمقابل استمرت الحملة في بعض وسائل الإعلام الفرنسية ضد المغرب إلى غاية هذا الأسبوع عندما خصصت صحيفة «ماريان» ملفا كاملا ضد المملكة. وبالطبع، زادت ألوان هذه اللوحة قتامة عندما تبين أن ممثل حزب الرئيس الفرنسي في البرلمان الأوروبي هو من كان وراء قرار هذا الأخير، غير الملزم، بإدانة المغرب في ما سمي بانتهاكات حرية التعبير. الشيء الوحيد المختلف وسط هذه القيامة القائمة هو الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا للمغرب لتقول، وهي بجانب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إن أزمة التأشيرات قد حلّت، زيادة على حوار صحفي نشر قبل أيام للسفير الفرنسي في المغرب كريستوفر لوكوتورييه يؤكد فيه أن العلاقات بين البلدين لا تشوبها شائبة. خارج هذا، لا نجد أثرا لكل هذه الجلبة في أي بيان رسمي أو تصريح، لا مغربي ولا فرنسي! لا شيء على الإطلاق! وأعتقد أن السبب مفهوم، فالأزمة قائمة لا يمكن أن يتجاهلها إلا غافل، ولكن الأكبر من الأزمة هو المصالح، ومصالح البلدين في تاريخ علاقتهما الطويل لم ولن تسمح بأن تصل الأمور إلى الطلاق الثلاث. الأزمات مع فرنسا كانت في العقود الماضية أشد وأقوى، ومنها قضية اغتيال المهدي بنبركة التي قطعت فيها العلاقات الديبلوماسية لمدة 4 أشهر، ومنها أزمة الكتب المناوئة للمغرب مثل كتاب «جيل بيرو» ولكن في كل مرّة تسلم الجرّة. وأكاد أجزم اليوم أن هذه العلاقات المأزومة ما تزال في دائرة المسيطر عليها، وكياسة الدولتين تتغلب لحدّ الآن على الانفعالات المشروعة، وخصوصا الانفعالات المغربية المكتومة بصبر سياسي رزين. إن المؤكد أن هناك طلبا رسميا لتحديد موعد لزيارة إيمانويل ماكرون للرباط، ويبدو حسب معطيات مصادر مقربة، أن القصر متحفظ على هكذا زيارة في هذا الوقت، ولهذا تكبر يوما بعد يوم كرة الثلج لتزيد من تجمد العلاقات بين أكثر عاصمتين متقاربتين في التاريخ الديبلوماسي للمغرب الحديث. لا يمكن للذين «يسخنون الطرح» في هذه الأزمة أن ينسوا أبداً أن حليف المغرب عبر التاريخ في مجلس الأمن في قضية الصحراء هو فرنسا بالضبط، وأن باريس هي بعبع البوليساريو، ولكن المغرب اليوم تطور في تموقعه في هذه القضية، فأمريكا البعيدة اعترفت بمغربية الصحراء، وإسبانيا اقتربت، ولكن فرنسا لم تتململ، ولعل ما جاء في الخطاب الملكي الذي قال فيه جلالة الملك إن علاقات المغرب تحدد بنظارات مواقف الدول من قضية الصحراء، لم يكن موجها بالدرجة الأولى – حسب تحليلنا – إلا إلى فرنسا، وبعدها إسرائيل التي دخلنا معها في علاقات غير مسبوقة، لكنها لم تخط أي خطوة في اتجاه مجرد اعتبار مشروع الحكم الذاتي هو الحل الواقعي الذي يمكن أن ينهي هذا النزاع المفتعل. تتقاطع فرنسا معنا أيضا في إفريقيا، وهناك غليان في منطقة الساحل خسرت فيه باريسمالي وربحت الجزائر في الفوضى، ووصل الأمر إلى حد أننا أصبحنا جيران لميلشيات فاغنر الروسية ولمحاولات تغلغل إيراني سيجد القارئ تفاصيل وافية عنها ضمن الملف الرئيسي لهذا العدد. ومن جهة أخرى، أتفق تمام الاتفاق مع د. عبد الرحمان المكاوي الذي يقول إن فرنسا «فرنسات» فيها المقتنع بالشراكة وفيها المعادي، ويصنف ضمن الأول الخارجية والإليزيه، وضمن الثاني مجموعات استعمارية نافذة في القضاء والإعلام. وأستنتج من هذا التحليل أن الحكمة كل الحكمة في ألا نعطي للجناح المتشدد هناك الذي يستهدف الغرب هدايا مجانية بالتصعيد وجر الحبل المشدود أصلا، وأن نتروى، ففي البداية والنهاية، نحن محكوم علينا مع فرنسا بالوفاق. هناك أشياء بين الرباطوباريس أعمق من البعد الاقتصادي أو وجود أكبر جالية لنا في الخارج في هذا البلد بالضبط، هناك بعد ثقافي خطير يؤثر، شئنا أم أبينا، في السياسة التي تعتبر آلية تدبير المصالح المتبادلة. إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس. هناك أخطاء في تدبير العديد من ملفاتنا الداخلية، ولكن نفوذنا أصبح أكبر إقليميا وإفريقيا ودوليا، وعلينا أن نترك لفرنسا الوقت لتهضم هذا المعطى الذي تحول فيه «تلميذها» النجيب، كما يعتقد البعض من نخبها الماضوية، إلى منافس على قدم المساواة، وأن نطلب الحق في الكشف عن حقيقة ملف الصحراء الموجودة في الأرشيفات السرية هناك، بدل أن تستمر باريس في سياسة الحفاظ على التوازن الدقيق بين الرباطوالجزائر العاصمة. إن على فرنسا أن تعي أن مساعي تطويق المغرب حقيقية، وأن تفهم رد فعل الرباط التي ستدافع إلى آخر رمق عن وجودها وترابها ومصالحها، أما نواقصنا الداخلية فهذا شأن داخلي مرتبط بانتقال صعب لا نحتاج فيه للخارج كي يلوي به ذراعنا. وعموما، أتمنى ألا يطفح الكيل وينتصر دعاة تفجير البراميل، وأن تهدأ رويدا رويدا هذه المشادة وتعود العلاقات إلى طبيعتها التي نستطيع بها أن نساعد على بناء أمل جديد في انفراج إقليمي حقيقي يكون خلاصا لشمال إفريقيا وربحا لشمال المتوسط، وما عدا هذا فإنه لن يكون إلا مسلسل تدمير ليس لأحد فيه أي خير.