تشتغل الآلة الديبلوماسية بشكل مستمر في البحث عن شراكات وعلاقات دولية مثمرة للمغرب، وكذلك في البحث عن موطئ قدم داخل نظام عالمي تحكمه المصالح واللوبيات، دفاعا عن مصالحه الاستراتيجية. ويسعى المغرب إلى استغلال أوراقه الرابحة والمهمة، خاصة المتعلقة بالجانب الاقتصادي، فضلا عن اسثتمار المكاسب التي حققتها المملكة فيما يتعلق بالطاقات المتجددة، وكذلك اسثتمار الفوسفاط على اعتبار أن المغربيعتبر من أكبر الدول المنتجة لهذه المادة الحيوية.
ويملك المغرب نحو 70% من احتياطيات الفوسفات العالمية، ويقدر إنتاجه السنوي ب37 مليون طن، وتنتج خريبكة نصف إنتاج المغرب من هذه المادة الأولية التي تعد أحد أهم مصادر العملة الصعبة
وفي هذا الصدد يقول، خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن " المغرب صار يستثمر في احتياطاته الضخمة من ثروته المعدنية "الفوسفاط" لتعزيز قوته على الصعيد الدبلوماسي وحضوره الاقتصادي في عدد من البلدان، خاصة في ظل أزمة الطاقة والغاز والأزمة الغذائية العالمية ، وهو ما يجعله لاعبا دبلوماسيا مهما في العالم ، باستعمال ورقة الفوسفاط ، لربط علاقات قوية مع عدد من دول العالم ، علاقات تطبعها الثقة والتعاون المشترك ، خصوصا مع الدول الأفريقية".
وأكد الشرقاوي، في تصريح لموقع الأيام 24، أن " المغرب حقق تطورات مهمة و نتائج ايجابية في مجال تصدير الفوسفات إلى عدد من دول العالم في السنوات الأخيرة، بفضل احتياطاته الضخمة من هذه الثروة المعدنية، وهو ما عزز النفوذ الدبلوماسي المغربي في الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية ، لدرجة أنه أصبح نموذجا رائدا في مجال ما صار يسمى "دبلوماسية الفوسفاط"، اعتبارا للأدوار الكبرى التي بات يضطلع بها على مستوى تحقيق الأمن الغذائي في الدول التي تشهد أزمات الغذاء خاصة بالقارة الإفريقية ".
وأضاف قائلا " ونشير إلى أن هذا التطور الإيجابي يندرج في إطار التوجه الذي كرسته المملكة في مجال الانتقال إلى الطاقات الخضراء وتطوير الطاقات المتجددة بصفة عامة، وتطوير قطاع الفوسفات والنهوض به بصفة خاصة ، حيث لوحظ كيف أن "دبلوماسية الفوسفاط" ،جعلت المغرب يحقق ريادة على مستوى القارة الافريقية في كل ما يتعلق بالأمن الغذائي".
وسجل المتحدث نفسه أن المكتب الشريف للفوسفاط يضطلع بمجهودات عبر مشاريعه في القارة الافريقية، خصوصا عندما قام بتخصيص أربعة ملايين طن من الأسمدة من أجل تعزيز الأمن الغذائي في القارة الأفريقية خلال العام الجاري ، بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات التي وقعها مع مؤسسات نظيرة في عدد من الدول الافريقية.فعلى سبيل المثال ، أشرف جلالة الملك محمد السادس، يوم الأربعاء 15 فبراير في العاصمة الغابونية ليبروفيل، بحضور رئيس جمهورية الغابون علي بونغو أونديمبا، على تسليم هبة تتكون من 2000 طن من الأسمدة من أجل تسهيل ولوج الفلاحين في الغابون إلى أسمدة ذات جودة.
وأضاف مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الاستثمارات المتعددة التي قام بها المغرب على هامش الزيارات الملكية الأخيرة، في مقدمتها إنشاء محطة مندمجة لإنتاج الأسمدة بإثيوبيا بقيمة مالية بلغت أربعة مليارات دولار موزعة على خمس سنوات، وذلك بناء على الاتفاقية التي وقع عليها المغرب وإثيوبيا عام 2016 . وتعتبر هذه المحطة التي يشرف عليها المكتب الشريف للفوسفاط تعتبر ثاني أضخم استثمار تقدم عليه حكومة أديس أبابا بعد بناء سد النهضة على نهر النيل، مشيرا إلى إلى الاتفاق الذي أبرمه "OCP" في نيجيريا مع مجموعة " Dangote" المحلية، القاضي بإنتاج مليون طن من الأسمدة في أفق سنة 2018؛ وهو المشروع الذي سيسهم فيه الجانب المغربي بحوالي 1.2 مليار دولار.
وختم الشرقاوي تصريحه بالقول يتضح جليا أن المكتب الشريف للفوسفاط ، تلك المؤسسة العمومية الاستراتيجية، أصبح فاعلا أساسيا في السياسة الخارجية المغربية و دراعا اقتصاديا مهما للمملكة ومؤثرا في علاقتها مع دول العالم ، مما يستوجب على الدولة المزيد من الاهتمام بهذه المؤسسة العمومية وتمتين وضعها القانوني وتطوير هيكلتها الإدارية واستراتيجيتها على الصعيد الوطني والدولي ، مع اقتراح إحداث مركز وطني للأبحاث العلمية حول الفوسفاط تابع للمكتب الشريف ، حتى تنهض هذه المؤسسة بدورها في النهوض بالاقتصاد الوطني من جهة ، ودورها الجيو-الاستراتيجي على الصعيد الإقليمي و الدولي ، و تكون بالتالي رافعة للتنمية المستدامة بالمغرب و محركا رئيسيا للدبلوماسية المغربية .