ما تزال علاقات فرنسا والمغرب تجر وراءها ذيول الأزمة المثقلة، بينما على النقيض من ذلك دخلت العلاقات المغربية الإسبانية مرحلة دافئة تتجلى إحدى فصولها في انعقاد القمة الثنائية رفيعة المستوى بحضور رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز ولقائه عزيز أخنوش، وهو الذي رافقه وفد وزاري كبير قوامه 12 وزيرا. تناقض بين علاقات باريسوالرباط وهذه الأخيرة مع مدريد، دفع مراقبين إلى طرح تساؤل عريض، ما علاقة فرنسا بالنسق العالي الذي تتخذه علاقات إسبانيا والمغرب؟. سؤال عريض يفتح باب التحليل والتأويل ويحرك مياه آسنة تحت جسر العلاقات المغربية الفرنسية، وعنه يقول محمد طلحة أستاذ العلوم السياسية، إن مرحلة التعاون والتنسيق التي راحت في اتجاهها العلاقات المغربية الإسبانية متوقعة بالنظر إلى السياق السياسي والجيو استراتيجي الذي يحكم المنطقة المتوسطية، مضيفا أن كل الدول بما فيها إسبانيا وفرنسا والمغرب وإيطاليا..تختار تموقعاتها التي تحفظ بها على مصالحها الاقتصادية والسياسية.
وأشار في سياق حديثه مع "الأيام 24" أن فتور العلاقات المغربية وفرنسا، مرتبط أساسا بشروط المغرب المحددة في سياسة خارجية سيادية بأبعاد واضحة، تروم إرساء قدر من التوازن على مستوى الشراكات مع مختلف الفاعلين، بما فيها القوى الدولية الكبرى وخصوصاً مع الشركاء الأساسيين داخل الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أن السياسة الخارجية للمغرب باتت تُحدد من خلال موقع الدول من قضية الصحراء كمعيار لتقييم العلاقة وبناء الشراكات.
الاتجاه المغربي الإسباني إلى تقوية العلاقات الثنائية، هي رد سياسي مبطن إلى "فرنسا ماكرون" التي تطوق نفسها بسياسة خارجية متعنتة تجاه مجموعة من القضايا العالقة، أهمها الموقف من الصحراء المغربية وأزمة التأشيرات وتنويع المغرب لشراكاته الدولية وتمدده الاقتصادي والدبلوماسي في القارة الإفريقية، كل ذلك وأكثر زاد من تعقيد الأزمة التي ظلت توصف ب "الصامتة".
وأكد أن هذه النظرة الاستعلائية الفرنسية في مقاربتها سياستها المغرب، لا تشكل عائقا أو عقدة ربما لدى الفاعل السياسي في إسبانيا الذي يرعى مصالحه مع المغرب ويرهن العلاقات إلى رواسب تاريخية استعمارية.
فرنسا، في نظر المحلل السياسي لم تستطع إرساء شراكة حقيقية مع المغرب أو حتى مع الجزائر حليفتها الحالية في مجال الطاقة، إذ ما تزال عاجزة عن المساهمة في تدبير النزاعات وإرساء قدر من الأمن داخل بعض مناطق التوتر كما هو الشأن بالنسبة للسّاحل والصحراء، ما جعل تنامي الاستياء داخل عدد من البلدان الإفريقية التي أصبحت تطالب برحيل القوات الفرنسية من بلدانها أو الدعوة للتخلص من التبعية لفرنسا.
وما زاد من تعقيد أزمة المغرب مقابل تعميق العلاقات بين الرباطومدريد هو التقارب الفرنسي الجزائري، يرى فيه أنه يأتي على حساب المغرب، ما يعطل جميع جهود التسوية وتطبيع العلاقات بين المغرب وفرنسا، رغم زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية للمغرب وتبشيرها بعودة الدِّفء للعلاقات بين البلدين.