يقوم وزير الشؤون الخارجية والتعاون سعد الدين العثماني هذا الأسبوع بزيارة عمل لإسبانيا، يلتقي خلالها العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس الأول غدا الجمعة بقصر لاثارثويلا بالعاصمة الإسبانية، وتأتي هذه الزيارة، بعد تلك التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي كان قبل أسبوعين في أول زيارة رسمية يقوم بها خارج إسبانيا منذ تعيينه رئيسا للحكومة في تقليد دبلوماسي دأب عليه رؤساء الحكومات الإسبانية السابقة. والواقع أن الدبلوماسية المغربية تعاني حالة من الارتباك، تمثل في نوعية الزيارات التي تمت برمجتها، ومن دون تحديد الأولويات الحقيقية التي تسعى إما إلى الحفاظ على مصالح المغرب السياسية والاقتصادية أو تعزيزها، أو تمثينها، وذلك في إطار أولويات تظل بمثابة تقاليد في الأعراف الدبلوماسية، مثل الزيارة التي قام بها راخوي إلى المغرب، والتي شهدت استقباله من طرف الملك محمد السادس. ومن خلال قراءة في الزيارات التي قام بها وزير الخارجية يتضح أنها لن تكون لها أي نتائج في المستقبل القريب، فزيارة تونس جاءت في وقت لازال فيه هذا البلد يواجه ضعوطات اجتماعية خطيرة، وفي مرحلة إعادة البناء، وبالنسبة لزيارة الجزائر لم تحرز أي تقدم وكانت زيارة مجاملة أكثر منها زيارة عمل، أما الزيارة التي قام بها إلى إثيوبيا، فكان فيها كثيرا من الكلام على سبيل الاستهلاك الإعلامي، إذا علمنا أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي مشروطة بسحب عضوية جبهة البوليساريو وهو الأمر الذي يبدو الآن مستحيلا في غياب أي مبادرة إفريقية حقيقية لاتخاذ خطوة من هذا القبيل، أما الزيارة الرابعة إلى إسبانيا فهي تفتقد إلى أهم شرط وهو غياب جدول أعمال حقيقي، خصوصا، أن الملفات الكبرى التي تجمع المغرب وإسبانيا لم يتم التطرق إليها، وهي ملفات سبتة ومليلية والصحراء. شركاء المغاربة الاقتصاديون تحتل كل من فرنساوإسبانيا صدارة الشركاء التجاريين للمغرب، وتربعت فرنسا في المرتبة الأولى كأهم شريك تجاري متبوعة بإسبانيا، فيما حلت الولاياتالمتحدةالأمريكية ثالثة، لكن في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب إسبانيا هذه الأيام، والتي رفعت نسبة البطالة إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة، تجعل من الوجهة الفرنسية البلد المثالي، إلى جانب أن إسبانيا مشغولة هذه الأيام بتدبير مصالحها خصوصا في ظل تصريحات ماريانو راخوي الذي أكد أن بلاده ستحارب من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري، كما أنها ستحارب على واجهة أخرى من أجل ألا يمدد الاتحاد الأوروبي اتفاقه مع المغرب في المجال الزراعي، في المقابل صمت عن ملفين أساسيين وهما سبتة ومليلية المحتلتين ومشكل الصحراء الذي تعتبر إسبانيا متدخلا رئيسيا فيه. وبلغة الأرقام وإلى غاية متم شهر ماي الماضي، ظلت فرنسا الزبون الأول للمغرب، حيث مثل ما تم تصديره إلى هذا البلد قرابة 30 في المائة من مجمل صادرات المغرب إلى العالم، بينما استحوذت على أكثر من 14 في المائة بقليل من مجمل واردات المملكة، وضع كان يفرض على الدبلوماسية المغربية وضع أولويات بشأن علاقات المغرب الخارجية، ويرى محللون، أن الدبلوماسية المغربية الحالية استنزفت كثيرا من الجهد والوقت في زيارات كان يمكن استثمارها في تثبيت علاقات المغرب مع شركائه، خصوصا في ظل الظرفية الاقتصادية والسياسية الراهنة، التي كانت تستلزم بعث رسائل اطمئنان إلى بعض الدول المؤثرة في القرار الدولي، سيما أمريكا وفرنسا. وقد ظلت العلاقات المغربية الفرنسية متناغمة مع ذاتها بالنظر إلى الروابط التاريخية والجغرافية التي تربط البلدين. الولاياتالمتحدةالأمريكية شريك سياسي للمغرب أثار التقرير الصادر في أكتوبر 2011 حول العلاقات المغربية - الأمريكية، جملة من القضايا المنبثقة عن طبيعة العلاقة الثنائية بين الرباطوواشنطن، والتي ميزت كل مرحلة من مراحل تاريخ هذه العلاقة، وظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتمد جملة من الآليات لتأطير علاقتها الثنائية مع المغرب، ويمثل ملف الصحراء أبرز الملفات التي تطرق لها التقرير حول ملف الصحراء في ضوء العلاقات المغربية الأمريكية، حيث ظلت الإدارة الأمريكية تشجع جهود الأممالمتحدة لحل النزاع بما في ذلك تعيين كبار الشخصيات الأمريكية مثل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر في العام 1997-2004، والسفير كريستوفر روس ابتداء من 2009، وظلت أمريكا ترفض أي تسوية تهدد استقرار المغرب، وظلت واشنطن تدعم الموقف المغربي، كما أن الخارجية الأمريكية شأنها شأن فرنسا التي أشادت بسرعة بخطة الملك محمد السادس المتعلقة بالحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية. من هنا تبدو واشنطن محطة أساسية للدبلوماسية المغربية، من أجل خلق أجواء الثقة من جهة، ومن جهة أخرى تطوير مستوى النقاش حول القضايا الأساسية خاصة قضية الصحراء المغربية، والعلاقات الاقتصادية، والواضح، أن الدبلوماسية المغربية اعتمدت طابع المحلية في كل الزيارات التي قام بها العثماني حتى الآن، ومن دون ترتيب الأولويات، وهو ما يؤكد على وجود صعوبات قد تظهر تجلياتها مستقبلا، خصوصا، أن الحديث عن تعزيز الآفاق المشتركة مع دول بعينها يبقى مؤجلا إلى حين. الخليج علاقات اقتصادية واعدة يرابط المغرب مع دول الخليج بعلاقات اقتصادية متينة، سواء في إطار ثنائي، أو من خلال مجلس التعاون الخليجي الذي كان المغرب قريبا من الانضمام إليه قبل أن يعصف الربيع العربي بالملف، ويتام الاتفاق على تعاون اقتصادي متقدم، وبالرغم مما تشكله العلاقات الاقتصادية خاصة مع المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة والكويت من أهمية بالغة للمغرب، فإن الحكومة الجديدة وخاصة وزير الخارجية لم يعط أي مؤشر على وضع هذه الدول ضمن أولوياته، ويبدو أن هناك عدم إلمام بالعلاقات الخارجية جعل الدبلوماسية المغربية تتيه وسط الملفات، وهو ما يمكن تفسيره بنوعية الاتصالات التي قام بها العثماني حتى الآن، وهي الاتصالات التي ركزت أساسا على الواجهة الإفريقية، التي لا تمثل أهمية قصوى بالنسبة للمغرب خاصة على مستوى التكامل الاقتصادي. التكامل الاقتصادي المفترى عليه يرى كثير من المراقبين أن الحديث عن التكامل الاقتصادي بين الدول المغاربية أمر سابق لأوانه في ظل جمود اتحاد المغرب العربي بسبب مواقف الجزائر المتعنتة، وعلى المستوى الاقتصادي حلت الجزائر بحسب إحصائيات سنة 2011، في المرتبة التاسعة على مستوى الواردات وذلك بحصة حوالي 3 في المائة، وذلك دون تسجيل صادرات إلى هذا البلد، أما دون ذلك فلا أثر للبلدان المغاربية الأخرى وعدد من الدول العربية وكثير من الدول الإفريقية، من قبيل تونس ومصر والأردن. يبدو أن وزارة الخارجية ينتظرها الكثير، ويعتقد المحللون أن العلاقات الاقتصادية بين دول المغرب العربي تحكمها العلاقات السياسية، إذ أنه في ظل إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر، فإنه من الصعب الحديث عن تبادل تجاري، لذلك فإن حضور الدبلوماسية المغربية في هذا الاتجاه يجب أن يستحضر مصالح المغرب تماما مثلما تفعل الجزائر التي يبدو أنها غير معنية بتحسين هذه العلاقات، وهو ما يفسر غياب أي نشاط متبادل بين البلدين، أما فيما يتعلق بتونس فإن الوضع وإن كان مختلفا سياسيا، فإنه من الناحية الاقتصادية يبدو معقدا، لكون البلدين يتقاطعان في أهم نشاطين اقتصاديين وهما السياحة والفلاحة، لذلك لا يمكن تحقيق أي نجاح دبلوماسي في هذه الواجهة، أما بالنسبة لليبيا، فإن العلاقات الاقتصادية ومنذ عهد القذافي ظلت شبه منعدمة، وتزداد الأمور اليوم تعقيدا في ظل تعقيد الأوضاع الأمنية في ليبيا، وغياب أي مؤشر على تحسن الأمور هناك، مما يؤكد أن الدبلوماسية المغربية يجب عليها إعادة ترتيب حساباتها من خلال وضع مصالح المغرب العليا فوق أي اعتبار إقليمي أو محلي. الدروس الإسبانية لقد تعودت إسبانيا في قياس علاقتها بالرباط بمدى تطور العلاقات الاقتصادية وعدم تضرر المصالح الإسبانية، إذ أن تفعيل العلاقات بين البلدين كان على الدوام ينطلق من مبدإ أساسي وهو عدم تأثيرها على الجانب الاقتصادي، وكذلك على وضعية سبتة ومليلية، فيما بقيت الدبلوماسية الإسبانية تلعب على الحبلين في قضية الصحراء، فتارة تذهب في اتجاه الطرح المغربي وتارة أخرى تعيد قراءة حساباتها وفق أجندتها السياسية، ومن هنا يبدو أن زيارة العثماني ستكون تحصيل حاصل، في ظل عدم وجود ما يؤشر على تغير الأوضاع اللهم إذا كانت زيارة مجاملة لن يجني المغرب من ورائها أي مكاسب سياسية، بل على العكس قد تلعب مدريد من خلالها لعبة قديمة تتمثل في تنميط هذه الزيارات في انتظار تحسن الأوضاع، وعلى اعتبار الأزمة التي تصرب إسبانيا اليوم، والتي أدت إلى تفجير مشكلة البطالة، إذ أن أي زيارة ومهما كان مستواها لا يمكن أن تكون لها فوائد دبلوماسية واقتصادية، خاصة أن إسبانيا تسعى اليوم إلى اعتبار المغرب جزءا من الحل بشأن الأزمة التي تعصف بها، فمن جهة تحاول الاستفادة من توقيع اتفاق جديد للصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى، تعمل على تعطيل أي اتفاق زراعي بين الجانبين يمكن أن يؤثر سلبا على الفلاحين الإسبان، وبعبارة أوضح فإسبانيا تريد أن تأكل الثوم بفم العثماني.