يوم بيوم القدر المؤلم نور الدين مفتاح نشر في 30 يناير 2023 الساعة 10 و 54 دقيقة كثيرون هم المغاربة الذين حاولوا جاهدين الإمساك بخيط أمل داخل برميل اليأس المتعفن، وبالفعل كانت هناك لحظات انفراج بعثت الأمل ومنها اتفاق 1989 مع الشاذلي بنجديد، وكذا الأمل الذي انبثق بعد تعيين بوضياف رئيسا وهو الذي كان مقيما لعقود في القنيطرة، ولكن اغتياله اغتال هذا البصيص من الأمل نور الدين مفتاح [email protected] أسوأ ما يمكن أن يقع أن تجد نفسك أمام قدرك المؤلم ولا فكاك. هذا حال المملكة الشريفة مع جوارها. هذه الجزائر تستطيع في كل مرّة أن تحطم الرقم القياسي في السوريالية مع المغرب. وآخر الفصول ما جرى في البطولة التي انطلقت الجمعة الماضي بقسنطينة لكأس أمم إفريقيا للمحليين لكرة القدم «الشان». لقد كان افتتاح هذه الفعاليات سابقة تاريخية بتحويلها إلى منصة سياسية لمهاجمة المغرب، ودفع الجمهور إلى رفع شعارات معادية للجارة المفروض أن تكون شقيقة، بل إنه تم إعطاء الكلمة في هذا الافتتاح لحفيد نيلسون مانديلا الذي حرض الجبهة الانفصالية البوليساريو على حمل السلاح ضد المغرب، بحضور رئيس الفيفا، والمفروض أننا في تظاهرة رياضية وليست حملة تعبئة بدق طبول الحرب. وقبل هذا رفضت الجزائر بشكل فج أن يسافر المنتخب المغربي الحامل للقب إلى قسنطينة من الرباط مباشرة عبر الخطوط الملكية المغربية، وهي الناقل الرسمي للمنتخبات الوطنية، وتسببت قبل هذا الفيلم الافتتاحي الغريب في غياب فريق وازن في معادلة الكرة الإفريقية والعالمية، وهو المنتخب المغربي الذي سجل في المونديال الأخير بقطر ملحمة أبهرت العالم وفجرت فخر المغاربة والمغاربيين والعرب والأفارقة، بوصوله إلى المربع الذهبي، وكان الاستثناء في العالم هو النظام الجزائري. هذه واحدة من سلسلة من القرارات الرهيبة التي اتخذتها الجزائر ضد المغرب طيلة السنوات الأخيرة، وأغربها قطع العلاقات الديبلوماسية لأسباب واهية، ومنع الأجواء على الطيران المغربي بحيث إن ما يمكن أن يقطعه مسافر من البيضاء إلى الجزائر العاصمة مثلا يتضاعف من حيث الساعات ومن حيث علامات التعجّب وأحاسيس الخيبة، واللائحة طويلة لا حصر لها. وإذا ما قارنا ما تقوم به الجزائر مع ردود الفعل المغربية الرسمية، فسنكون إزاء المقارنة بين قمة وسفح. وللتمثيل نورد ما قاله جلالة الملك في خطاب العرش صيف السنة التي ودعناها وهو واضح حد الإفحام: «أتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية حتى يتمكن المغرب والجزائر من العمل يداً بيد من أجل إقامة علاقات طبيعية» واعتبر أن البلدين: «شعبان شقيقان يجمعهما التاريخ والروابط الإنسانية والمصير المشترك». ووجه ملك البلاد نداء دافئا قال فيه: «أهيب بالمغاربة مواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين، الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم في كل الظروف والأحوال». إن هذا السمو في الرد على الإساءة هو الذي يميز اليوم هذه المرحلة الجديدة من علاقات تجاوزت نصف قرن من الصدام والمواجهات. لقد أكلت الضغائن تلابيب أحلام شعبين وجرت معها مغربا كبيرا كان يمكن أن يكون اسماً على مسمى، إنسانيا واقتصاديا وتنمويا. ولكن، تظل اليد الممدودة المغربية للجزائر منتصبة انتصاب شموخ لا ضعف، خصوصا وأن المملكة هي التي كان يجب أن تكون في موقع المنتفض المزمجر الغاضب. وإذا عدنا إلى حفيد نيلسون مانديلا، سنجده نموذجا لما يقترفه حكام الجزائر منذ عقود. فإذا كان محور هذه الضغائن الجزائرية هو قضيّة الصحراء، فالمفروض أنها قضية موجودة في مجلس الأمن، بل إن الجزائر تقول دائما إنها ليست طرفا في الموضوع، وهي التي تحتضن منذ 1975 جماعة مسلحة تحوّلت بقدرة قادر إلى جمهورية صحراوية غير معترف بها من طرف الأممالمتحدة، وقادة هذه الجمهورية يتجولون عبر العالم بجوازات سفر جزائرية، وكل الحروب التي خاضتها البوليساريو ضد المغرب إلى سنة 1991 كانت حربا جزائرية بالوكالة ضد بلادنا، بل إن تمزيق اتفاق وقف إطلاق النار من طرف البوليساريو بعد تحرير معبر الكركرات كان قرارا جزائريا، وهذا استمرار للحملة التي تقوم بها الدولة الوحيدة في العالم ضد المغرب، في قضية من المفروض أن يكون فيها الجميع محايدا مادام النزاع الذي يعتبره المغرب مفتعلا هو معروض أمام المنتظم الدولي، والمينورسو ماتزال تقوم بدورياتها في المناطق العازلة، والأمين العام يقدم تقريره السنوي في الموضوع، ونحن مدفوعون بشكل غريب للدفاع ضد هجومات جار لمدة نصف قرن وهو يقول إنه غير معني، ومجرد تظاهرة رياضية يحول منصتها إلى راجمة صواريخ سياسية لقصف جاره، بعد أن حرمه من المشاركة في تظاهرة ليست ملكا له، ولكنها ملك لاتحاد الكرة الإفريقية، وعلى هذا الأخير أن يتحمل مسؤوليته. ما العمل إذن؟ إنه سؤال قديم تداول على الإجابة عنه الزعماء وآباء الحركة الوطنية وأجيال من النخب المتعاقبة في بلادنا، وكانت هناك محاولات جادّة لاستعمال سلاح التهدئة وتجاوز شياطين الماضي للإمساك بأهداب الأمل في المستقبل. كثيرون هم المغاربة الذين حاولوا جاهدين الإمساك بخيط أمل داخل برميل اليأس المتعفن، وبالفعل كانت هناك لحظات انفراج بعثت الأمل ومنها اتفاق 1989 مع الشاذلي بنجديد، وكذا الأمل الذي انبثق بعد تعيين بوضياف رئيسا وهو الذي كان مقيما لعقود في القنيطرة، ولكن اغتياله اغتال هذا البصيص من الأمل. بل إنه حتى مع عبد العزيز بوتفليقة الذي كان منذ شبابه يعتبر من مهندسي العداء للمغرب، فتح بابا لهذا الأمل الأثير عندما جاء من الإمارات إلى الرئاسة وكان لقاؤه مع الملك الشاب محمد السادس واعداً، إلا أن الأمور كانت تعود دائما إلى نقطة الصفر بسبب وجود عنصر بنيوي في النظام هناك، وهو أن الذي يتحكم في مفاصله ليس إلا الجنرالات. إن واحداً من أكبر الصحافيين الذين عرفهم المغرب، وأكبر العارفين بالشؤون الجزائرية، والذي اقترح عليه بومدين يوما أن يكون أول رئيس للجمهورية الصحراوية ولكنه رفض نظرا لولائه التام للمغرب رغم أصوله الموريتانية، وهو المرحوم محمد باهي، هو الذي نحت مصطلح العسكرتاريّة لنعت عمق النظام الجزائري، وعلى الرغم من أنه رد على بومدين على عرضه الرئاسي بأن لينين لا يمكن أن يكون خادما عند فرانكو، ورغم أنه كان اتحاديا مغربيا قحا، فإنه طيلة حياته كان يستقبل استقبال الكبار في الجزائر. ولعل أعمق ما كُتب لحد الآن عن ملابسات العلاقات المغربية الجزائرية كتبه صاحب «رسالة باريس» الشهيرة في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وهي في أوجها في الثمانينات والتسعينات، ورغم كل شيء ظل السؤال المحير قائما وهو: ما العمل؟ هناك نخب متنورة في البلدين يحظون بالتقدير والإحترام هنا وهناك وهؤلاء يحاولون رأب الصدع، وآخرهم السي آيت إيدر شفاه الله، إلا أن الجميع وجد أن ما تراكم خلال هذه العقود من الجفاء أصبح فولاذا عصيا على الصهر، لذلك تجد العالم يستغرب ما دأب الملك محمد السادس عليه في خطبه الأخيرة عندما يتحدث عن الجزائر، فكلما زاد عنف قصر المرادية إلا وزاد لين المشور السعيد، واليوم ونحن أمام هذه المهزلة «الشانية» بقسنطينة، لا يسعنا، رغم الألم، إلا أن نرد على الإساءة بالتحية، وإذا صعبت التحية، فعلى الأقل نرد بالدعاء بأن يأتي اليوم المنشود الذي نرى فيه حكاما يحققون أحلام الآباء الحالمين بمغرب كبير للبناء والإخاء وهذا وإن كان بعيدا إلا أنه ليس مستحيلا، وبهذا فقط يحق لنا أن نجلس ننتظر الأمل من منطلق قوة الحق والإباء.