كشفت دراسة حديثة، أن انتشار الحريات الفردية مرتبط بمصير المجتمع، و"بالتالي اعتبارها خطرا يهدد هويته الجماعية الكلية والدينية بالخصوص" حيث تشكل المرجعية الدينية النواة الأساسية في تمثل الهوية الجماعية، ويتم استحضارها بموجب صفات "النقاء الأخلاقي" التي تمنحها هذه الهوية للحياة الاجتماعية، ضد كل ما يزعزع انسجامها وطهرانيتها المفترضة. الدراسة التي حملت عنوان "الحريات الفردية: ما يقوله المغاربة"، قدمتها مؤسسة "منصات"، أمس الأحد، والتي جاءت استكمالا لبحث كمي سابق هم عينة تتكون من 1311 مستجوبا، وشملت المقابلات التي أجراها الباحثون في إطار هذا البحث الكيفي 80 مستجوبا.
وهم هذا البحث تمثلات وممارسات العينة المدروسة بخصوص حرية المعتقد، حرية الجسد، والجنسانية. كما تناول أيضا قضايا أخرى من قبيل مواقف المبحوثين من النقاش الدائر حول قوانين الحريات الفردية.
وبخصوص تمثلات الحرية الفردية، كشفت الدراسى أن هناك تمايز في تمثل الحرية الفردية لدى المستجوبين انطلاقا من ثلاثة مستويات، حيث يرتبط المستوى الأول بالكرامة، والحق الفردي في التفكير والاختيار والتصرف في الجسد، والمستوى الثاني يربطها بالحرية الفردية بمدى انسجامها مع المعايير الاجتماعية السائدة، أما المستوى الثالث فيربطها بالانحلال والفساد الأخلاقي.
وأضاف المصدر نفسه، أن ما يهيمن على تمثلات المستجوبين للحرية الفردية رغبة في الموازنة بين الذات الفردية والذات الجماعية، حيث تنفتح مساحة حوار وتفاوض مستمرين بين رغبة فردية أو جماعية نسبية في الاستفادة من التحولات الجارية مع قلق من فقدان الهوية الجامعة.
كما "لا تخلو تمثلات المستجوبين للحرية الفردية من الإحالة على "البعد الهوياتي" الذي يبقى حاضرا وبقوة عند الحديث عن الحرية الفردية. غير أنه، بالرغم من كل ما يمكن أن يرشح من النتائج من حضور قوي للمرجعية الدينية في خلفية مواقف تمثلات وممارسات المستجوبين، ومن حضور بعض أشكال الروابط التقليدية، والنظر إلى نصف المجتمع) المرأة(باعتبارها ملكا جماعيا، فإن الدراسة تثبت أيضا عددا من العناصر التي تقود إلى أطروحة بروز الفرد" بحسب الدراسة نفسها.
في إلإطار ذاته، اعتبر المستجوبون أن العائق الأساسي لممارسة الحرية الفردية، لا يرجع دائما للتخوف من السقوط تحت طائلة القانون كسلطة خارجية، وإنما تخوفا أيضا من الاصطدام مع ما استدمجه واستدخله الأفراد من سلطة الضبط الذاتي عبر مسار تنشئة اجتماعية، أسرية ومدرسية، تعلي من شأن التعاليم الدينية، العادات والتقاليد.
من جهة أخرى، عبر المستجوبون، عن نوع من التذمر من انتقائية تطبيق القانون حيث ربط المستجوبون ممارسة الحرية الفردية بمقدار حيازة الرأسمال المادي، والسلطة والنفوذ، خصوصا مع إثارة نماذج ممارسات واقعية كالإجهاض، العلاقات الرضائية وحتى الإفطار العلني في رمضان، والتي يطرحها العديد من أفراد عينة البحث كحريات طبقية تشترى أو تفرض بسلطوية، ويمارسها البعض دون الآخرين حسب الانتماء السوسيو-طبقي، والمجالي والمتغير الجندري، والمستوى الثقافي.
وبخصوص المعنى الذي يفسر به المستجوبون مواقفهم من الحريات الفردية، قالت الدراسة أن هذه الحجج مستقاة من تقاليد الناس ورسوخها في الهوية الجماعية، ومستندة لرأي الأغلبية التي تحوز، حسب رأيهم، حق ممارسة الإكراه في حق الحالات التي يعتبرونها "شاذة" و"أقلية" كنوع من الضرورة لحماية الإجماع والانسجام الداخلي للمجتمع.
وأوضحت الدراسة، أنه كلما انخرط المستجوبون في تمثل الحرية الفردية كانحلال أخلاقي، كلما اتجه موقفهم نحو الرفض لأي مجهود مجتمعي لمأسسة تلك الحريات أو لتقنين ممارستها أو تغيير قوانينها. بحيث أن مستوى قبول أو رفض هذا الجانب أو ذاك من حرية التصرف الفردي في الجسد، أو حرية الاعتقاد أو غيرها شديد الارتباط بالمعنى الذي يتم منحه للحرية.
وأبرز المصدر نفسه، أن "لدى غالبية عينة البحث مستوى مرتفعا من التسامح، بخصوص ممارسة الحريات الفردية في أشكالها غير المهيكلة والمتخفية وفي الفضاءات الخاصة. وبمقابل ذلك كشفت الدراسة عن مساَءلة كبرى للبديهيات الاجتماعية، بخصوص ما يجب أن يكون، وما يجب أن يفعل، وكيف يكون ذلك، ونقد شمل الحدود والضوابط. ويتصاعد هذا النقد بالخصوص لدى نسبة هامة من النساء اللواتي يشتكين من الحيف الذي يتعرضن له في عدد من القضايا من قبيل الإرث، والزواج بغير المسلم وغيرها".