تفقد تشكيلة الرعيل الأول للحركة الوطنية تدريجيا ما تبقى من رموزها، برحيل محمد الشرقاوي نهاية الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 101 سنة، كان قياديا في حزب الشورى والاستقلال ومن الموقعين على وثيقة الاستقلال التي تحل ذكراها بعد أيام قليلة. محمد الشرقاوي هو زوج الأميرة للا مليكة عمة الملك محمد السادس، عاصر بل وساهم في تدبير أخطر مرحلة سياسية كانت تمر منها المملكة المغربية في طريقها إلى الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، فقد كان من المفاوضين في اكس ليبان وعقد لقاءات خاصة مع الإقامة العامة ثم واصل التقدم في المراتب ليكون واحدا من أقوى أصهار الملك الراحل الحسن الثاني.
رُزق الشرقاوي والأميرة للا مليكة بثلاثة أبناء وبنت، هم سليمان والمهدي وعمر والبنت هي ربيعة وكان اسمها من اختيار الملك الراحل الحسن الثاني، ويحكى أن عمر صار فيما بعد واحدا من أقوى رجال البلاط.
وجمع الراحل الشرقاوي بين الانتماء العائلي ومصاهرة الأسرة الملكية والسياسة وعالم ال"بيزنيس"، فقد اجتمعت فيه كل شروط الرجل القوي النافذ، هو ابن واحد أحد كبار الأعيان في منطقة شرقاوة "بجعد" ومن والده استمد الوجاهة ودخل غمار السياسة.
وكانت بداية صناعة النفوذ والاقتراب من مركز الحكم، في عهد السلطان محمد الخامس ممثلا لحزب الشروى والاستقلال في مفاوضات اكس ليبان وتدخله أكثر من مرة لتهدئة التصعيد الفرنسي العنيف ضد الحركة الوطنية، وكذلك لمعارضته لتولية المستعمر لابن عرفة مكان السلطان المنفي.
شغل مهمة وزير الدولة في أول حكومة مغربية برئاسة البكاي بن مبارك، وحمل حقيبة وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، كما اشتغل في ديوان محمد الخامس ثم الحسن الثاني، ولعلاقته ودرايته بالفرنسيين عيّنه الحسن الثاني سفيرا في باريس ثم عاد عاد ليحصل على حقيبة وزارية وبعدها اعتزل السياسة وتفرّغ لمشاريعه.
قبل كل هذا هنالك حدث شكل منعرجا حاسما في مسار محمد الشرقاوي، فلما وصل حزب الشورى والاستقلال إلى نقطة النهاية والاندثار، بدأت فيما يبدو في هذه اللحظة تراوده فكرة اعتزال السياسة، وقد كانت الظروف تدفع نحو هذا القرار، فرغم قربه الشديد من القصر لم ينضم إلى جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية التي تزعمها احمد رضا اكديرة وضمت ثلاثة أحزاب، وقد كانت هذه الجبهة وليدة صراع محتدم حينها بين الملك الحسن الثاني والاتحاديين والاستقلاليين، لكن الشرقاوي لم يحصل ربما على الدور الذي كان يريد اعتبارا لمكانته قرب الملك.