يبدو أن طريق توقيع الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، بالتزامن مع عيد العمال (فاتح ماي 2022)، على محضر "اتفاق اجتماعي" وعلى "ميثاق وطني للحوار الاجتماعي"، ماتزال تعترضه عراقيل كثيرة، إذ تشكل مخرجاته الجدل الكبير خاصة على مستوى قطاعي الصحة والتعليم، حيث رضيت النقابات الموقعة على الاتفاق بنتائجه فيما رفضته أخرى ويلقى معارضة شديدة من المهنيين، خاصة في ظل الضوع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم لفئات عريضة من المحتمع والذي يصادف أزمة الغلاء. تنديد
نددت نقابة الاتحاد المغربي للشغل بشدة "الهجوم المتواصل على القدرة الشرائية للغالبية العظمى من المواطنات والمواطنين، جراء الغلاء المتواصل في أثمان كافة المواد الاستهلاكية والخدمات".
واستنكرت النقابة في بلاغ صادر عقب اجتماع المجلس الوطني المنعقد، الأسبوع الماضي، تحت شعار: "مواصلة النضال، اختيارنا للدفاع عن المكتسبات وتحقيق المطالب المشروعة للطبقة العاملة"، استخفاف "الحكومة بما وصلت إليه الأوضاع الاجتماعية جراء ذلك من تأزم واحتقان، وعدم إقدامها على أية إجراءات ملموسة لدعم القدرة الشرائية للأجراء وعموم المواطنين".
ونبهت النقابة ذاتها، إلى "عدم جدية الحكومة في مقاربتها للحوار الاجتماعي، وسوء تقديرها للآثار السلبية لفشل الحوار على كل المستويات"، مستنكرة "تملص الحكومة من أهم الالتزامات المدونة في اتفاق 30 أبريل 2022 وخاصة منها، الزيادة العامة في الأجور، والتخفيض الضريبي على الأجور وإصلاح أشطر الضريبة على الدخل بإقرار تصاعدية فعلية تهدف إلى تحقيق عدالة جبائية".
ونددت نقابة "موخاريق"، ب "التنزيل المشوه والمغرض لبعض الالتزامات المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2022، ومن بينها الإجهاز على الحد الأدنى للمعاش المتمثل بألف (1000) درهم في القطاع الخاص، مستنكرة للأجرأة المغشوشة لتنزيل الزيادة في المعاشات والحد الأدنى للمعاشات في القطاع الخاص".
ونبه المصدر ذاته، إلى خطورة "اتخاذ الحكومة أي إجراءات أحادية الجانب، تسعى بأي شكل من الأشكال، للإجهاز على مكتسبات الطبقة العاملة في مجال الحقل النقابي والتمثيلية النقابية، والتقاعد وغيرها من الحقوق الأساسية للعمال"، ملوّحة "بخوض كافة الأشكال النضالية، احتجاجا على تملص الحكومة من التزاماتها المتضمنة في اتفاق الحوار الاجتماعي، ودفاعا عن المكتسبات ومن أجل المطالب المشروعة للطبقة العاملة".
الصحة.. اتفاق ينتظر التنزيل
وخلال شهر فبراير من سنة 2022، توقيع اتفاق بين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وجميع النقابات الممثلة في القطاع، بعد سلسلة من جلسات الحوار الاجتماعي القطاعي التي تكللت بالتوافق حول عدد من الملفات المطلبية ذات الأولوية. وتوج هذا الحوار القطاعي بالتوافق على عدد من النقاط، على رأسها تحسين وضعية الأطباء من خلال تغيير الشبكة الاستدلالية للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وبدايتها بالرقم الاستدلالي 509 بكامل تعويضاته، واستفادة الممرضين من الترقية في الرتبة والدرجة.
كما تم التوافق على الرفع من قيمة التعويض عن الأخطار المهنية لفائدة الأطر الإدارية وتقنيي الصحة، ودعم مؤسسة الحسن الثاني للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي قطاع الصحة، لتعزز خدماتها المقدمة لفائدة مهنيي القطاع، وكذا برمجة عرض مشروع مرسوم متعلق بالملحقين العلميين على أنظار المجلس الحكومي في أقرب الآجال.
وتم الاتفاق أيضا على مواصلة الحوار لحل الإشكالات الأخرى لضمان الانخراط التام والشامل لكل مهنيي قطاع الصحة في الورش الملكي الكبير المتعلق بالتغطية الصحية.
وتعهدت الوزارة، شهر دجنبر من 2022، بإعمال المقاربة التشاركية في تنزيل كل مشاريع إصلاح المنظومة الصحية، مشددة على أن ما تضمنته مشاريع النصوص القانونية المذكورة هي مقتضيات مبدئية تبقى قابلة للمناقشة والتعديل والإغناء من طرف ممثلي الهيئات المهنية والنقابية والسياسية ضمن مسار طويل داخل المؤسّسة التشريعية بغرفتيها، مجلسي النواب والمستشارين، قبل إدراج صيغتها النهائية المتوافق بشأنها في مسطرة التصويت والمصادقة.
التعليم.. النظام الأساسي يثير النقاش
يتواصل الحوار الجماعي على مستوى قطاع التعليم، حيث تعمل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة على إلغاء الأنظمة الأساسية الجهوية الاثني عشر التي تحكم الأطر النظامية للأكاديميات واستبدالها بنظام أساسي واحد تضمنه الدولة من خلال اعتماد مرسوم.
وتقول الوزارة إن "هذا النظام سيضمن نفس الحقوق ونفس الفرص ونفس المسار الوظيفي كباقي الموظفين، مع الاستمرار في التوظيف الجهوي من أجل ضمان خدمة تعليمية عمومية على صعيد كافة التراب الوطني"، مبرزة أن عملية ترسيم الأطر النظامية للأكاديميات، ضمن هذا النظام الأساسي الموحد، ستمنحهم الحق في تعويض بمفعول تاريخ التوظيف، وستسمح لهم بالاستفادة من جميع مزايا النظام الأساسي، بما في ذلك الحق في المشاركة في كل الامتحانات المهنية وفي الحركة الانتقالية الوطنية".
وترى النقابات أن العرض الحكومي "يبقى دون المطلوب، ولا يدعم بالتعاطي الحكومي الحالي خيار الاستمرار في اجتماعات الحوار القطاعي حتى اتمام صياغة النظام الأساسي"، وتؤكد أن "نبض تفاعلات رجال ونساء التعليم يبقى المحرك والموجه الأساسي للتنسيق النقابي الخماسي، دون أي وازع آخر مع الحرص على تسوية كل الملفات العالقة قبل الانتقال إلى صياغة النظام الأساسي الجديد".