إلى الواجهة من جديد، تبرز ظاهرة غياب النواب البرلمانيين الذين تغيب أغلبهم عن الجلسة التشريعية المخصصة للمصادقة على قانون ميثاق الاستثمار، إذ حضر 161 نائبا في ما غاب 234، ما تفاجئ بشأنه برئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي، بالنظر لما يكتسبه مشروع القانون من درجات الأهمية القصوى، لا سيما وأنه يأتي بعدد أيام قليلة من خطاب الملك محمد السادس في قبة البرلمان الذي توجه فيه إلى نواب الأمة بالقول "كونوا رعاكم الله، في مستوى المسؤولية الوطنية الجسيمة التي تحملونها، لاسيما في الظروف الراهنة". وتثير الغيابات المتكررة وغير المبررة لعدد من النواب انتقادات سياسية ومجتمعية واسعة، حيث يعتقد كثيرون أن هؤلاء النواب لا يستحقون الثقة التي منحهم إياها الناخبون، ودعوا لاقتطاع أجور المتغيبين أو تنحيتهم من منصبهم كي يكونوا عبرة لكل من استهتر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، إذ لم يعد مقبولا هذا الاستهتار خاصة بعد الخطاب الملك محمد السادس عقب افتتاح الدورة التشريعية الحالية.
وضع شادّ يبعث الموضوع من رماده، ويبحث آليات الردع التي يعتمدها المجلس في حق النواب المتغيبين رغم ما أظهرته من قصور حاد في مواجهة الظاهرة التي تكاد تصبح الوضع العادي للجلسات، حيث يرى مراقبون أنه بات من الضروري اليوم النظر في فصول النظام الداخلي للمجلس من أجل الحد من ظاهرة الغياب، واعتماد مقاربة حازمة تصل إلى التجريد من صفة نائب برلماني في حالات الغياب داخل الجلسات واللجان صونا للأدوار المحورية التي يؤديها المجلس وفي مقدمتها التشريع.
وترى عدد من الأحزاب الممثلة داخل البرلمان أن تفعيل مسطرة زجر التغيبات غير المبررة كما هو منصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس، لم يعد يكفي ويجب ابتكار إجراءات تعبر عن الالتزام بمقتضيات التمثيلية النيابية وأسس التعاقد السياسي والقانوني والأخلاقي لنواب الأمة، والتي يشكل الحضور المنتظم والفاعل في أشغال الجلسات العامة واللجان الدائمة على رأس أولوياتها.
ودرج مجلس النواب خلال الولاية البرلمانية السابقة على تلاوة أسماء المتغيبين في جلسة الأسئلة الشفهية، كنوع من الإحراج المتعمد للنواب إلا أن الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها ضد كورونا فتحت الباب أمام البرلمانيين للتغيب دون تلاوة أسمائهم. ومع بداية الدخول البرلماني للعام 2017، شرع مجلس النواب بتطبيق قانون على النواب الذين يتغيبون عن حضور الجلسات العامة، يقضي باقتطاع أيام الغياب من أجورهم خلال الدورة البرلمانية الماضية، وهي المرة الأولى التي يشرع فيها في تطبيق الاقتطاعات، بعدما نص النظام الداخلي للمجلس على توجيه إنذارات إلى النواب المتغيبين، وحدد حالات قبول أعذار الغياب. تنص المادة 147 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه "يجب على النواب حضور جميع الجلسات العامة، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة لرئيس المجلس مع بيان العذر، قبل انعقاد الجلسة العامة"، كما أنه "يضبط حضور النواب بأي وسيلة يعتمدها المكتب بما في ذلك المناداة عليهم بأسمائهم". في ما تنص المادة 106 من النظام نفسه على أنه "في حال تغيب عضو عن جلسة عامة دون عذر، لمرتين في ذات الدورة فإن الرئيس يوجه له تنبيهين كتابيين ويأمر بتلاوة اسمه في افتتاح الجلسة العامة الموالية، وفي حال تغيبه دون عذر للمرة الثالثة أو أكثر يتم الاقتطاع من التعويضات الشهرية الممنوحة له مبلغا ماليا بحسب الأيام التي وقع خلالها التغيب دون عذر مقبول".