جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان".
والدة الحسن الثاني تخبره بنقل وصوله إلى باريس مباشرة في التلفزيون
في نونبر 1987 قام الحسن الثاني بزيارة رسمية لباريس، كان الهدف منها هو تمتين العلاقات بين الملك والرئيس الفرنسي « جيسكار ديستان» والحصول على موافقة باريس لبيع المغرب أسلحة متطورة، وفي مقدمتها طائرات « الميراج»، إلى جانب ضمان تأييد الأطروحة المغربية في موضوع الصحراء. هذه هي الملفات الأساسية التي كان من المنتظر أن تطغى على لقاء القمة بين البلدين، إلى جانب الملفات العادية، المتعلقة بالاقتصاد والجالية والتبادل التجاري والحضور الثقافي واللغوي في المغرب وفرنسا.
كان وصولي إلى باريس ظهرا، توجهت مع عبد اللطيف البقالي إلى « كونياك جي»، مقر التلفزة المغربية، كان عبد اللطيف مسؤولا عن العلاقات الخارجية للتلفزة المغربية، وكانت اتصالاته ممتازة مع الأروفيزيون، والأطر العاملة فيه، لذلك كنا على يقين بأن مشروعنا سيواكبه النجاح، رغم ذلك احتطنا، وكتمنا أمرنا، حتى إذا ما نجحت العملية، سنكون فخورين لذلك، وإذا ما فشلت، لسبب من الأسباب، تلقينا الصدمة لوحدنا واحتفظنا بسرنا.
كان الأمر يتعلق بالنقل المباشر لوصول الملك الحسن الثاني، ففي تلك الفترة، كانت الوسائل التقنية حتى في أوربا لم تصل إلى ما وصلت إليه حاليا.
قطعت التلفزة المغربية برامجها، وأعلنت مذيعة الربط: «نصلكم اللحظة بباريس لننقل مباشرة مراسيم وصول جلالة الملك إلى العاصمة الفرنسية…».
تم النقل في ظروف حسنة، توليت التعليق... كنت مضطربا وخائفا...لكن الله سلم... فلم تكن هناك اهتزازات أو انقطاعات في الصورة، وعندما انتهت هذه « المغامرة» وتحققت أمنية النقل المباشر من باريس، شعرنا بسعادة غامرة وارتياح كبير، وانطلقنا نحو شوارع باريس « سكارى وما نحن بسكارى»، مرتاحين لما اعتبرناه إنجازا مهما.
وصل الملك إلى مقر سكناه بضواحي باريس، في قرية صغيرة تسمى» بيتز»، وكانت العادة تقضي بأن يجد الملك رهن إشارته هاتفا خاصا يربطه مباشرة مع أنحاء المغرب، فقد كان في إمكانه أن يضغط على ثلاثة أزرار فقط فيتصل بأي مسؤول مدني أو عسكري...كان من عادة الملك أن يتصل فور وصوله إلى مقر إقامته بوالدته لإخبارها بسلامة الوصول، وأجواء الرحلة الجوية، وما إلى ذلك من الأخبار المرتبطة بظروفها.
ضغط الحسن الثاني على الأزرار الثلاثة، وكان سعيدا حين أجابته « للا أم سيدي» بأنها شاهدت مباشرة على شاشة التلفزة المغربية حفل الوصول... استغرب الملك الأمر وقال لها: « لقد اعتادت التلفزة تكرار ربورتاجات قديمة لمناسبات مماثلة، مما يخلق لبسا عند المشاهدة»، لكن «للا أم سيدي» أصرت على أن النقل كان مباشرا، مقدمة للملك تفاصيل دقيقة عن حفل الوصول».
طلب الملك وزيره في الإعلام، أحمد الطيبي بنهيمة، في فندق « كريون» حيث يقيم، لاستفساره حول الموضوع، وترك رسالة مفادها أن على بنهيمة فور وصوله أن يتصل بإقامة الملك. سارع بنهيمة إلى الاتصال ب «بيتز» وفوجئ حين سأله الحسن الثاني:» هل نقلتم وصولي اليوم إلى باريس مباشرة على شاشة التلفزة؟...» ظل الوزير صامتا، وتجلى للملك أنه لا علم لوزيره في الإعلام بالأمر، لذلك خاطبه..» الطيبي ...ابحث في الموضوع»، وأضاف» يبدو أنك مثلي لا علم لك بما يقع في التلفزة...!».
اتصل الوزير فورا بالرباط، حيث أكد له المدير العام للإذاعة والتلفزة أن النقل كان مباشرا فعلا، وأن هذا القرار اتخذ فعلا في باريس.
حكى لي بنهيمة بعد ذلك أن الملك كان مرتاحا لهذه المبادرة، وعبر عن رغبته في أن تنقل كل أنشطته الباريسية بنفس الطريقة. هنأ الملك الوزير، وأمره بإبلاغ تهنئته لأصحاب المبادرة.