جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان".
سجائر الحسن الثاني، وتوسل المخازنية لمنعه من التدخين
أذكر أنه كلما توترت الأجواء، كان القادة يهرعون للتدخين، وأذكر أن الحسن الثاني قال مرة في إحدى الجلسات: «أدعوكم إلى عدم الإكثار من التدخين»، لكنه مباشرة بعد ذلك تناول سيجارة من علبة كانت أمامه، وأشعلها وأخذ يدخن، فضحكت القاعة.
كان الحسن الثاني كثير التدخين، حتى في المؤتمرات الدولية والندوات الصحافية، سواء في المغرب أو خارجه، لذلك كان أحد المخازنية المكلف بسجائر الملك يضع أمامه صندوقا خشبيا صغيرا به علب سجائر من مختلف الأنواع والأشكال، بما فيها السجائر الشعبية الرخيصة الثمن.
كان الملك يختار سيجارته حسب هواه، وكنا كصحافيين، فضوليين، نقترب من ذلك الصندوق الخشبي، لمعرفة أنواع السجائر التي يتضمنها. كنا في مناسبات عديدة لا نتعرف على «ماركة» بعض العلب المفتوحة والمنظمة، بل كنا في أحايين مختلفة نتكهن من بعيد بنوع السيجارة التي اختارها وشرع في تدخينها، معتمدين على الرائحة المنبعثة داخل القاعة.
مع مرور الوقت، وتكاثر المشاكل، سترتفع وتيرة التدخين عند الملك، ما سيؤثر على صحته العامة، وحتى عندما منعه الأطباء من التدخين كان يختلي بنفسه ويشعر بسعادة وهو يدخن. أخبرني الفقيه محمد عواد بأن المخازنية بمجرد ما كانوا يشعرون بأن الملك يدخن يفاجئونه ويرتمون أرضا ويصيحون» على رب أسيدي، على رب أسيدي»، وكأنهم يتشفعون لديه للتوقف عن التدخين.