كل شيء في حياة الراحل الحسن الثاني كان مثيرا، في السياسة كما في الحياة عامة، وبعد 18 سنة على رحيل “المعلم” ما تزال الحكايات ولاَّدة، ومنهاما يصل إلى حد الغرابة كما في هذا الملف الذي نقدمه هنا من خلال تتبع مسار شخصية مثيرة للجدل ادعت بنوتها للحسن الثاني. لم يواجه الراحل الحسن الثاني الانقلابات العسكرية التي هددت حياته وعرشه أكثر من مرة فقط، بل واجهته حتى الانقلابات في العلاقات الإنسانية، وما كاد الرجل يولي بظهره للحياة، ويخلد إلى نوم الراحة الأبديَّة، حتى ظهرت قصص هنا وأخرى هناك، وصوبت البنادق إلى قبر الملك الراحل، محاولة التأكيد على أن الملك الذي حكم المغرب بيد من حديد، لم يتحكم في نزواته بنفس الحدة، وترك ابنا غير شرعي هنا وآخر هناك، وهي القصص التي نشرت على صفحات الإعلام الأجنبي، على لسان هشام المندري، أولا، ثم رُددت نفس القصة بملح آخر ليهودية مغربية تقطن حاليا بإسرائيل رفقة أخيها، مؤكدة في قصة أعادت إحياءها دردشة في جريدة "الهيرالد تريبيون" على أنها ابنة الحسن الثاني!
القصة الأثيرة للمنداري
كان أول من ادعى بنوته للحسن الثاني وأخوته للملك محمد السادس هو هشام المنداري الذي اغتيل وفي جيبه ورقة تعريف باسم ابن الحسن والداه حسب ما هو مثبت في سجل الحالة المدنية بالرباط هما محمد بن علال المنذاري، وشهرزاد الفشتالي، لكنه أصر وهو يخرج آخر أوراقه في مواجهة النظام المغربي على أن أول نطفة تكونت في رحم سكرتيرة الملك الراحل فريدة الشرقاوي، التي يحكى أنها كانت ذات الحظوة الكبيرة لدى الحسن الثاني، لم تكن إلا له. بدأ الشاب هشام حياته مقربا من القصر، ومدللا بين رجاله ونسائه، وانتهى به الأمر محتالا في سجون فرنسا أمامه أكثر من دعوى قضائية، آخرها انتحال صفة أمير من العائلة الملكية، قبل أن يوراى الثرى في ربوة تطل على ساحة “بوجلود” بالعاصمة العلمية كان يتحرك بسيارات القصر ويتوفر على جواز سفر ديبلوماسي، ويحظى بعطف الحاج المديوري رئيس الحرس الخاص للملك الراحل وبعناية حفيظ بنهاشم المدير العام للأمن الوطني الأسبق والمدير السابق لمديرية السجون، وقد عاش حياته متنقلا بين دول الشرق الأوسط وفرنسا وأوروبا عموما نجح في تكوين ثروة هائلة بالنصب والاحتيال في وقت قياسي، وبرع في نسج علاقات واسعة وصلت إلى الأمراء والوزراء وطبقة رجال المال والأعمال، كما نجح في أن يتحول إلى وجه إعلامي يحظى باهتمام الشرق والغرب. منذ الأيام الأخيرة للملك الراحل، إلى غاية السنة الرابعة من حكم محمد السادس، ولكنه فشل في أن يتحول إلى زعيم سياسي ذي مصداقية، كما فشل في حفظ رأسه مرفرعا فوق عنقه، وهو يلعب بين الحبال المعرضة للاحتراق في أية لحظة من حبال المافيا الدولية، إلى حبال المخابرات المغربية والعسكر الجزائري قال عنه الصحافي الذي كان يشتغل مع وزارة الداخلية أواخر عهد البصري كملحق إعلامي، قبل أن يصبح ملحقا إعلاميا للمنداري، وقد لازمه لمدة طويلة بين المحكمة والسجن والفنادق التي كان ينزل بها متخفيا، في حوار خاص ل (الأيام: العدد: 158):
دعنا نرتب الأحداث، قبل فرار المنظري والدخول في أسبابه، من هو المنظري الذي عاشرته في زمن قياسي واطلعت على جزء من أسراره
المنظري كما كان يحلو له أن يردد ابن فريدة الشرقاوي والملك الراحل.
وهل تصدق أنت هذه الرواية، خصوصا وأن المنظري لم يكشف عن هذه الورقة إلا في الفترة الأخيرة التي سبقت اغتياله وكذلك بعد الكشف عن نتائج الحامض النووي الذي أثبت بنوة هشام لشهرزاد الفشتالي
حسب ما فهمته أنا من معاشرتي له، فريدة هي التي ربت هشام، بحيث تربى في بيت بنوهاشم، ومنذ صغره تابع دراسته بفرنسا وسويسرا على حساب القصر الملكي، أنا اطلعت على الفواتير المتعلقة بدراسته وجميعها تحمل توقيع القصر، وهذا ما تأكد لي من خلال اصدقائه الذين عرفوه بباريس منذ أن كان يتابع دراسته الابتدائية أو في جنيف، ولا تستغربوا، فمنهم من أكد لي أنه ومنذ أن كان عمره 11 سنة كان يذهب إلى المدرسة بباريس والحرس الشخصي يرافقونه، لقد كان منذ البداية شخصا غير عاد .
ولكن، ما السر في ذلك؟
في الحقيقة لا أعرف السر، وكل ما أدركته أن المنظري لم يكن شخصا عاديا
ألم تكن السنة التي قضيتها معه كافية لفك هذا اللغز، لاسيما وأنه كان يضع ثقته فيك
كنت كلما أثرت معه هذا النوع من الأسئلة يدعي أنه ابن الملك الراحل وأنه لا علاقة له بالسيدة شهرزاد الفشتالي. والحق يقال إنها لم تكن تتصل به طيلة تلك الفترة التي كنت أرافقه فيها، عكس والده محمد المنظري الذي كان يتصل به من الإمارات بشكل يكاد يكون يوميا، بحيث كان يطمئن عن أحواله ويتتبع ما تكتب عنه الصحف. وقلما كانت الفشتالي تتصل بأخيها عز العرب الذي كان يقطن بباريس ويلعب باستمرار دور الضامن لابن اخته كلما طلبت السلطات الفرنسية من المنظري تقديم اسم يكفل استقراره لإطلاق سراحه، لأنه كان يملك منزلا بباريس قدم نفسه لرجال الأمن الفرنسي الذين استوقفوه بعد انفجارات 11مارس 2004 في الطريق السيار 10 بضواحي بوردو وهو يسوق سيارته “فولسفاكن التوارك” بسرعة جنونية، على أنه هشام ابن الحسن العلوي ولما لم يصدقوا أن “الشريف” الذي يقف أمامهم تجري دماء علوية في عروقه، اقتادوه إلى مصلحة الدرك الفرنسي، فإذا به يتصل بكلود شيراك ابنة الرئيس الفرنسي حينئذ جاك شيراك.
وبالفعل تمكن من التحدث إليها بقصر الإليزيه، وإن كان الوقت قد تجاوز حينئذ الرابعة صباحا وحده المنذاري وسيرته الملغزة التي كانت كتلة معقدة من الأسرار والحكايات، كان قادرا على صهر أكثر العملات قابلية للتزوير والتجرؤ على سرقة الخزينة الخاصة لملك من فرط ما كان المغاربة يخافونه ويهابونه ينادونه ب”المعلم وليست هذه المرة الأولى التي يركب فيها ابن شهرزاد الفشتالي أمواج المغامرة، فقد جرت العادة أن يقدم نفسه وهو يشهر في وجه كل من يستعد ليرمي عليهم شباكه بطاقة زيارة تتوسط أعلاها البسملة، وعلى يمينها رمز حزب المجلس الوطني للمغاربة الأحرار، وفي قلبها كتب بالحرف وباللغتين العربية والفرنسية:«الأمير هشام بن الحسن العلوي رئيس المجلس الوطني للمغاربة الأحرار»! فهل أتاكم حديث “ابن ملك يشغل منصب رئيس حزب، في الوقت الذي يعتبر فيه الجالس على العرش مالكا لسلطات مطلقة تجعله فوق كل الأحزاب والده رجل أعمال أنشأ مدرسة للبرتكول بسلطنة عمان ما بين 78 و79 قبل أن ينتقل إلى الامارات، حيث نسج علاقات معقدة مع النظام الإماراتي، ويرجع له الفضل في نسج الخيوط الأولى للبساط الأحمر الذي فرش لابنه مبكرا بالقصر، كما سبق وأن أكد هشام المنداري نفسه للمحققين الفرنسيين في أحد المحاضر التي سبق ل "الأيام" أن نشرتها بتاريخ 18 نونبر 2004 وهي المحاضر التي لا يدعي فيها بنوته للحسن الثاني: «مكنني والدي من ربط صداقات متعددة ومن ضمنها صداقة ولي العهد، بحيث أصبحت في ما بعد أتلقى العديد من السيارات وأنظم الحفلات التي يحضرها الجميع التقيت بحياة في هذا الوسط وسني لا يتجاوز 18 سنة وتزوجت بها سنة 94، زوجتي أصبحت البنت المتبناة من طرف الحسن الثاني بعد وفاة أمها التي كانت تشغل مهمة محافظة في قصر فاس، في حادث، بحيث كان الملك الراحل قد أنبه ضميره بعد ذلك الحادث ولذلك قرر أن يتبنى زوجتي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت فريدة الشرقاوي (...) على صلة دموية مباشرة بزوجتي، وهي نفسها السيدة التي ستتكلف بمستقبلي بمجرد ما تزوجت من قريبتها حياة. بدأت بإرسالي إلى بوسطن للدراسة، لكن الأمر لم يرقني فعدت بعد سنة من هناك، ونظرا للنفوذ الكبير الذي كانت تتمتع به فريدة، تمكنت من إيجاد منصب لي إلى جانب المديوري مدير الحرس المدني حينئذ، وبناء عليه انخرطت في دورات تدريبية في مجال الاستخبارات داخل المغرب وخارجه، وفي مقدمتها تقنيات الاستخبارات التي تمكنني من الحصول على معلومات من شأنها أن تثير اهتمام الملك خصوصا على مستوى حمايته والشق المتعلق بالاستخبارات الخارجية فثمة محاضر ملخصة تقدم مباشرة للملك ولا تمر عبر القنوات الرسمية، وفي هذا الاتجاه بالضبط عمل المديوري على توجيهي. لم يكن الملك يعرفني بشكل خاص، لكنه كان يعرف أبي الذي كان يقدم له الكثير من الهدايا النادرة، ويهتم بإصدار كتب تعطي صورة إيجابية عن الملك ..أصبح لي وضع خاص بعد هذا الحادث ومن 94 إلى 97 كلفت بمهمة بالأمن الملكي بالإدارة التي كان على رأسها المديوري، بحيث لم يكن لي توقيت خاص بالعمل ولم يكن لي رب عمل، وفي هذه الفترة كنت أقوم بمهام استخباراتية مختلفة، بما فيها ربط الاتصال بالمصالح المعنية بالشرق الأوسط، وأحيانا كان الملك الراحل يكلفني مباشرة بحمل بعض الرسائل والأظرفة والهدايا من قبيل الماس والمجوهرات إما لحملها لأوروبا أو إفريقيا أو تقديمها لشخصيات مختلفة. عمد إلى تأسيس حزب سياسي في لندن العاصمة البريطانية بعد أن رفضت باريس منحه الترخيص لإنشاء حزب “تجمع المغاربة الأحرار” على أراضيها، وهو الحزب الذي ظل مجهول الهوية ولم يتسرب أي شيء من دهاليز أفلام المنذاري الهوليودية عن أعضائه الذين قبلوا بالانخراظ في حزب زعيمه ليس إلا هشام المنذاري. وهنا أخرج هشام المنداري آخر أوراقه من مستشار للملك الراحل، إلى زعيم حزب سياسي إلى ابن يطالب بوراثة العرش ودعوة محمد السادس إلى التخلي عنه. إذ صَعَّد هشام المنداري من هجومه على المغرب حينما تحول من تهديد الملك الراحل على صفحات اليومية الأمريكية “الواشنطن بوسطت” الواسعة الانتشار داخليا (أمريكا) وعالميا، بالكشف عن وثائق في غاية السرية، إلى الادعاء بأن دماء علوية تجري في عروقه. تعددت أسماؤه وهوياته بتعدد مآربه، وتعرض لثلاث محاولات اغتيال في باريس، ومحاولة رابعة في كولومبيا ومحاولة خامسة لم تخطئ في غرس رصاصة في رأسه في بلدة ميخاس . بعد الكشف عن نتائج الحمض النووي أثبتت التحاليل الإسبانية أن جثة هشام المندري هي لابن شهرزاد الفشتالي وليس فريدة الشرقاوي، كما حاول الدفع بذلك شاب مغامر كانت قد فتحت أبواب القصر في وجهه ظل يرتدي أكثر من قناع،يغيره بتغيير وتقلب أحوال الطقس المالية والسياسية. غير اسمه أكثر من أربع مرات، فعرف بهشام المنداري في بدايات تسلله إلى القصر ومصاهرته بإحدى بنات الحسن الثاني بالتبني حياة، أما عندما فرّ إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية واعتقل في غشت 1999 في ميامي فقد عثر بحوزته على جواز سفر كندي يحمل اسم إلياس الفاتحي المزداد في أكتوبر 1968، وحينما رحل إلى باريس عاد ليستعمل من جديد اسمه الأصلي هشام المنداري، وكان يكفي أن يفر من فرنسا إلى اسبانيا في أعقاب انفجارات مدريد في مارس 2004، كي يستعمل اسم الأمير مولاي هشام ابن عم الملك، هذا في الوقت الذي ظهر له اسم جديد بعد خروجه من السجن، ألا وهو هشام بن الحسن بن العلوي بعد ثلاثة أشهر من اختراق الرصاص جثته، أنهت تحاليل الحمض النووي أسطورة هشام المنداري، وقد كتب على شاهد قبره بفاس:”هذا قبر المرحوم بكرم الله هشام بن محمد بن محمد بن علال المزداد سنة 1972، والمتوفى يوم 5غشت 2004».