BBC السوريون الذين يعانون التشريد الداخلي في إدلب يعتمدون على الإغاثة الأممية تهدد روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يقضي بتجديد تفويض مرور مساعدات حيوية عبر الحدود إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة شمال غربي سوريا. وينصّ التفويض، الذي يجري التصويت على تجديده اليوم الخميس، على استخدام معبر باب الهوى على الحدود السورية-التركية لمرور شاحنات تحمل مواد غالبيتها غذائية. وتريد دول غربية تمديد التفويض، المعمول به منذ 2014، لمدة سنة بشكل تلقائي بدون تصويت في مجلس الأمن، بينما تريد روسيا تمديده ستة أشهر فقط. ويعدّ باب الهوى المعبر الوحيد المتبقي من تركيا، ويهدّد إغلاقه بوضع أكثر من ثلاثة ملايين نسمة في خطر من الموت جوعاً. وكانت مراسلة بي بي سي أنّا فوستر قد رافقت إحدى آخر قوافل الأممالمتحدة الإغاثية التي سُمح لها بالمرور عبر المعبر. وفي مخيم الصدقة في إدلب، زارت المراسلة عائلة سورية مكونة من أمّ وسبعة أبناء، حيث كانت الأم تضع ماءً في قِدر على نار تُشعلها بورق الكرتون المقوّى والقمامة وبأي شيء تجده يبقي على النار مشتعلة. وتؤكد الأم (أم علي) أنها لا تطهو غير القليل من الأساسيات، إذ يندر وجود المواد الغذائية في مخيّم الصدقة، ورغم ذلك تُعرب الأم عن شكرها على ما تتلقاه من تلك المواد الغذائية. تقول أم علي: "كل يوم يذهب أطفالي إلى مقلب النفايات لالتقاط صفائح الألومنيوم الفارغة وأكياس النايلون والمخلفات الحديدية والتي نبيعها بثمن زهيد قد يكفي لشراء بضعة أرغفة من الخبز لا تكفي بدورها سوى لوجبة واحدة هي وجبة الإفطار". BBC أم علي تقول إن عائلتها لا تستطيع العيش بدون المساعدات الدولية وتقول الأممالمتحدة إن أعداد السوريين المحتاجين في ازدياد الآن أكثر من أي وقت مضى في الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد منذ 11 عاماً. وقد أدى المزيج السام من الاقتتال لسنوات، ووباء كوفيد-19، ثم الحرب في أوكرانيا إلى تدمير الاقتصاد السوري. ويقول برنامج الغذاء العالمي إن تكلفة الغذاء قد ارتفعت بنسبة 800 في المئة في عامين فقط. وعلى مسافة بضعة كيلومترات من الحدود السورية داخل تركيا، تقف شاحنات محملة بمساعدات إنسانية مكونة من أغذية أو خيَم إيواء مؤقتة أو أدوية. ويقول حكيم فرويسارت، من فريق برنامج الغذاء العالمي بجنوب تركيا: "ننتظر نتيجة التصويت" في الأممالمتحدة على قرار تجديد تفويض مرور المساعدات... "لا نعلم ماذا سيحدث. إذا لم يتجدد التفويض لن يكون لنا الحق في مواصلة أعمالنا". وفي كل شهر، تعبر ألف شاحنة أو نحو ذلك الحدود. وقد زاد العدد خلال الأسابيع القليلة الماضية بأكثر من المعتاد، إذ تخشى وكالات الإغاثة من احتمالية إغلاق المعبر. وبفضل التفويض الأممي يُسمح بمرور المساعدات إلى مناطق الشمال الغربي السوري دون الحصول على موافقة من روسيا - حليفة الرئيس بشار الأسد الذي لا يسيطر نظامه على تلك المناطق الخاضعة في المقابل لسيطرة هيئة تحرير الشام وجماعات معارضة مسلحة مدعومة من تركيا. BBC موظفون تابعون للأمم المتحدة يقومون بفحص محتوى المساعدات قبل عبورها إلى سوريا ولا يسمح النظام السوري سوى بمرور كمية ضئيلة من المساعدات شريطة أن يكون ذلك المرور من داخل الدولة وليس عبر الحدود مع دول أخرى. ويقول برنامج الغذاء العالمي إن المساعدات التي مرّت عبر دمشق تصل إلى عدد لا يتجاوز ال 50 ألف نسمة. لكن روسيا تعتقد أن الأولوية هي لسيادة نظام الرئيس بشار الأسد، وأن مهمة تمرير المساعدات يجب أن تقع في أيدي السوريين. وتصرّ روسيا على إمكانية تقديم المساعدات للمحتاجين عبر مناطق سيطرة الحكومة السورية. ويعد باب الهوى آخر المسارات المتبقية لمرور المساعدات. وقد كانت هناك ممرات أخرى عبر الحدود السورية مع كل من العراق والأردن، ولكن روسيا استخدمت حق النقض الفيتو لإغلاق تلك الممرات. ولأن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فهي تتمتع بحق رفض ما تختار. توتر في العلاقات الأمريكية-الروسية قبل عام بالتمام، ثارت مخاوف متجددة بشأن إغلاق معبر باب الهوى. لكن قصة المخاوف الراهنة لا تتعلق بالشأن السوري فقط؛ ذلك أن التصويت في الأممالمتحدة يأتي قبل أيام من زيارة مرتقبة يقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط. ويسلط ذلك الضوء على حجم النفوذ الذي خسرته الولاياتالمتحدة في المنطقة لصالح الروس. وفي اللحظات الأخيرة من عام 2021 اتفق دبلوماسيون رفيعو المستوى من واشنطن وموسكو على الإبقاء على معبر الهوى مفتوحاً أمام المساعدات. لكن أشياء كثيرة حدثت في الأشهر الماضية. وتعتبر العلاقات الأمريكية-الروسية في أسوأ مستوياتها منذ عقود، لا سيما بعد اشتعال الحرب في أوكرانيا. وسيكون من الصعب في ظل تلك المستجدات الوصول إلى اتفاق بين الولاياتالمتحدةوروسيا بشأن معبر باب الهوى. وكانت روسيا عرضت مشروع قرار منافس ينصّ على تمديد الآلية لستة أشهر فقط، وضرورة تطوير آلية لإيصال المساعدات عبر الحكومة السورية. كما تطالب روسيا بشفافية الشحنات الإنسانية وبمساهمة في إعادة إعمار سوريا. لكن دولاً غربية، على رأسها فرنسا، تربط أي مساعدة لإعادة الإعمار بإصلاحات سياسية في سوريا. ويعيش كثيرون منذ أكثر من عقد في مخيمات إيواء مؤقتة بسوريا إذ يولد أطفال ويكبرون ولا يعرفون وطناً غير تلك المخيمات. ويتقرر مصير هؤلاء من مسافة تبعد آلاف الكيلومترات على أيدي ثلة من الأقوياء. ومع ذلك تأمل أُم علي وكثير آخرون في مخيمات الإيواء في سوريا لو يتذكرهم الأقوياء في نيويورك لحظة اتخاذ قرارهم، بحسب مراسلة بي بي سي آنا فوستر.