اقتراب فصل الصيف ورفع القيود التي فرضتها جائحة كورنا لمدة تزيد عن عامين، كلها عوامل أعادت لمحبي السفر نحو الوجهات الأوربية المنضوية تحت فضاء "شينغن" طموحهم، حيث تم تسجيل إقبال كبير من طرف المغاربة على مكاتب الوساطة المتخصصة في منح التأشيرات، والمنتشرة في كبريات المدن المغربية، أملا في الحصول على تأشيرة إلى إحدى الوجهات المفضلة لدى عشاق السفر، خاصة سفارة إسبانيا التي ساهم تحسن العلاقات الديبلوماسية معها في جعلها الجهة المفضلة لدى هؤلاء من أجل الحصول على التأشيرة مقارنة مع سفارات أخرى مثل فرنسا أو إيطاليا وهولندا وألمانيا، وكذا بحكم نسبة القبول المرتفعة التي تسجلها السفارة للملفات التي تتلقاها وتستجيب للمعايير والشروط التي تم وضعها من قبلها.
فرنسا، ومنذ 28 شتنبر الماضي، اتخذت قرار تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس، عندما أعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال أن القرار نابع من «رفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها الذين يوجدون في فرنسا بشكل غير قانوني»، وهو ما رد عليه ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، خلال نفس اليوم في ندوة صحفية عندما وصف القرار بأنه «غير مبرر لمجموعة من الأسباب، ومنها أن المغرب كان دائما يتعامل مع مسألة الهجرة وتنقل الأفراد بمنطق المسؤولية والتوازن اللازم، أي من خلال تسهيل تنقل الطلبة ورجال الأعمال وفي الوقت نفسه محاربة الهجرة السرية»، مبرزا أن «المصالح القنصلية المغربية قدمت 400 اعتماد مرور للأشخاص الموجودين في وضع غير قانوني».
الخطوة الفرنسية والتي شرعت فعليا في تطبيقها ستعرض أكثر من 150 ألف مغربي للضرر وعدم إمكانية حصولهم على تأشيرة دخول، رغم توفر كافة الشروط فيهم، خاصة وأن السلطات الفرنسية أعلنت عن تقليص عدد التأشيرات إلى النصف، بعدما كانت تمنح سنويا حوالي 300 ألف تأشيرة دخول للمغاربة رغم أنها لم تتجاوز 98 ألفا عام 2020 بحكم ظروف الجائحة التي كان يمر بها العالم.
شروط مراكز الوساطة
إجراءات الحصول على تأشيرة دخول فضاء شنغن سواء تعلق الأمر بدول الاتحاد الأوروبي عموما أو بإسبانيا أو فرنسا التي تزداد تشددا في تعاملها مع المغاربة إلى درجات تصل حد الإذلال، حيث تم منح توجيهات لمراكز شركة TLS Contact المسؤولة عن جدولة مواعيد الحصول على التأشيرات من أجل التماهي مع الإجراءات الجديدة التي تم فرضها، والتي تجعل كل مواطن مغربي يريد الحصول على التأشيرة يدخل في نوع من المقامرة بأمواله التي تذهب إلى جيوب فرنسا حتى لو تم التوصل بالرفض، وهو القرار الذي تبرره فرنسا بكون كل راغب يعرف مسبقا أنها تفرض الأداء المسبق للرسوم من خلال الشروط التي وضعتها على موقع طلب التأشيرات.
الشركة ومن خلال مراكزها خاصة في الرباط والدار البيضاء، تواجه صعوبات في جدولة كافة المواعيد مع اقتراب فصل الصيف بحكم ازدياد طلبات الحصول على التأشيرة نحو مختلف الوجهات، وهو ما يفتح الباب أمام نشاط الوسطاء الذين يعج بهم محيط مقرات الشركات من أجل بيع خدماتهم وقرصنة بعض المواعيد، يقول مصدر تم الاتصال به، وهو ما يتوافق مع ما نشرته جريدة «لوموند» في تحقيق لها، كما يتوافق مع تصريح سابق لفلورانس تيسييه، القنصل العام لفرنسا في الرباط، التي أكدت من خلاله «بأن هذه المشكلة تزداد تعقيدا، ووجهت أصبع الاتهام إلى بعض المكاتب غير المنظمة والوسطاء الذين يقومون بالتلاعب وبسرقة بعض مواعيد التأشيرات»، رغم عدم طرحها لأية حلول.
على أبواب الإذلال
جريدة لوموند، في عددها بتاريخ 23 ماي الماضي، نقلت للقراء الفرنسيين معاناة المغاربة الراغبين في الحصول على تأشيرة الدخول إلى فرنسا.
المعاناة، حسب الجريدة، تتمثل في كون قرار باريس تخفيض التأشيرات جعلها تضرب مصالح عدد من المغاربة الراغبين في السفر من أجل زيارة أبنائهم الذين يتابعون دراستهم أو من لديهم ارتباطات عملية أو حتى من أجل العلاج، حيث وجدوا أنفسهم ضحايا لتدبير انتقامي لا علاقة لهم به، علما أن أغلب من ترفض تأشيراتهم أو تأخذ وقتا طويلا من أجل معالجتها يقدمون ملفات تستوفي كافة الشروط، وكأن الأمر أصبح لعبة حظ، حيث يمكن للسلطات المكلفة بمنح التأشيرة أن ترفض منحها لرجل أعمال دخله يصل الملايين شهريا، فيما تمنحها لموظف قد لا يتعدى راتبه 5000 درهم، وهو ما يمكن تسميته بمحاولة فرنسا «إذلال» المغاربة أمام أبواب قنصلياتها، ومن خلال الشركة المكلفة بتسلم الملفات وجدولة المواعيد، حيث يأتي الرفض عند أدنى نقص أو بدون مبرر في كثير من الأحيان رغم أن كل راغب في السفر مجبر على أداء مبلغ مالي كرسوم للتأشيرة والتي تصل إلى 840 درهما غير قابلة للاسترداد سواء تم قبول الملف أو رفضه، إلى جانب 300 درهم مصاريف شركة جدولة المواعيد وتسلم الملفات.
الصحيفة الفرنسية، وفي حديثها عن الأعباء التي يتكبدها المغاربة الراغبون في السفر إلى فرنسا، تقول أنه منذ بداية العام 2022، أصبح هؤلاء يواجهون عقبات إضافية، تتمثل في صعوبة حجز موعد عبر منصة الشركة بدعوى تدفق الطلبات عليها بكثرة وعدم قدرتها على معالجتها كلها، وهو ما فتح الباب أمام الوسطاء الذين يقومون بالتسجيل مسبقا في موقع الشركة وحجز مواعيد ثم يقومون ببيعها لاحقا بأسعار تصل أحيانا إلى 150 يورو في السوق السوداء.
تجربة شخصية
من خلال تجربة شخصية، تروي السيدة سعاد. ب وهي إطار عالي بإحدى المؤسسات شبه العمومية قصتها مع الحصول على تأشيرة الدخول إلى فرنسا، بعدما اتبعت كافة الإجراءات التي تطلبها السفارة الفرنسية.
تحكي سعاد ل «الأيام» أنها اتفقت مع زوجها على قضاء الصيف القادم بفرنسا، حيث قررا حجز موعد أولي لدى الشركة المسؤولة عن حجز المواعيد عن طريق الأنترنت، وبعد توصلهما برسالة تفيد بتلقي طلب الحجز، طلب منها إيداع مبلغ 300 درهم عن كل فرد في الحساب البنكي للشركة داخل أجل ساعتين حتى لا يلغى طلب الموعد، وهو ما قاما به، لينتظرا أسبوعا قبل أن يتم الاتصال بهما وفق الموعد الذي اختارته رفقة زوجها، حيث استقبلا من طرف المسؤول داخل الشركة وتسلم منهما ملفهما الكامل كما طالبهما بأداء مبلغ 840 درهما عن كل تأشيرة، لينتظرا ثلاثة أسابيع قبل أن يتم تبشيرهما بحصولهما على التأشيرة.
وتقول المتحدثة ذاتها أنها من بين الفئة المحظوظة التي وافقت السفارة الفرنسية على منحها التأشيرة بحكم أنها تعمل في مؤسسة شبه عمومية، بحكم أن أغلب من يتم رفض ملفاتهم يعملون في القطاع الخاص دون تحديد الأسباب.
الحظ الذي رافق سعاد عاكس زميلتها (رشيدة. ر) التي تعمل طبيبة بنفس المؤسسة معها، حيث لم يشفع لها ملفها المتكامل وكذا حسابها البنكي في الحصول على التأشيرة، وخلال نفس الفترة وباتباع نفس الإجراءات، فقط لكونها لم تكن تتوفر على حجز فندقي بحكم أن ابنتها تدرس بفرنسا وكانت ترغب في قضاء فترة الصيف معها، حيث دفعت رسوم التأشيرة وكذا الشركة المكلفة بتسلم الملفات، لكن تم رفض تسليمها التأشيرة لتقرر دق أبواب سفارة أخرى تكون إجراءاتها أقل تشددا، رغم أنها ستكون مجبرة على سلوك طريق طويل قبل الوصول إلى مقام ابنتها في باريس.
«الأيام» حاولت الاتصال بمقر الشركة بالرباط، المتواجد بشارع المهدي بنبركة، من أجل الحصول على معطيات حول كيفية التعامل مع الراغبين في الحصول على تأشيرة الولوج إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأسباب رفض بعض الملفات رغم كونها متكاملة، لكن وبعد انتظار طويل وعدة محاولات، تم توجيهنا إلى الموقع الإلكتروني للشركة بدعوى أنه يتوفر على جميع المعلومات التي يمكن الاستئناس بها من أجل الحصول على التأشيرة، حيث أكدت محدثتنا أن دور الشركة يتمثل فقط في معالجة المعطيات المعلوماتية والتأكد من توفر الملفات التي تتسلمها على كافة الشروط التي تضعها السفارات التي يتعاملون معها فيما قرار منح التأشيرة من عدمه يرجع إلى المسؤولين في السفارات أو القنصليات المخول لها منح التأشيرات.