يشكل القطاع الفلاحي في المغرب أحد القطاعات الهامة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، حيث يشغل حوالي 1.5 مليون من اليد العاملة النشيطة، ويساهم ب 12 في المائة من صادرات المملكة نحو الخارج و 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام، إضافة إلى أنه يوفر 40 في المائة من فرص الشغل. وبفضل المجهودات المشتركة التي تبدلها وزارة الفلاحة ومهنيو القطاع، يعرف الناتج الداخلي الخام الفلاحي ارتفاعا مطردا منذ سنة 2000، ومنذ سنة 2009 بالتحديد تجاوز هذا الناتج 100 مليار درهم سنويا، في الوقت الذي كان فيه 75 مليار درهم سنة 2008، ويعزى ذلك بالدرجة الأولى إلى رغبة الدولة في خلق دينامية كبيرة في القطاع الفلاحي عبر مخططها المتمثل في "المغرب الأخضر"، الذي يعد استراتيجية فلاحية تأخذ بعين الاعتبار جميع المناطق و الضيعات الفلاحية وسلاسل الانتاج، ويعتمد هذا المخطط على مقاربة شمولية وبراغماتية تعمل على تعبئة جميع المتدخلين في التنمية الفلاحية.
وبنظرة بسيطة على المخطط الذي أطلقه الوزير أخنوش بعد سنوات قليلة من اسناده حقيقبة الفلاحة و الصيد البحري، فيستند مخطط "المغرب الأخضر" على دعامتين: تستهدف الدعامة الأولى الفلاحة العصرية ذات القيمة المضافة الهامة، في حين تخص الدعامة الثانية الفلاحة التضامنية، خاصة المناطق الهشة كالجبال، و الواحات، و الهضاب، و السهول شبه الجافة، التي تضم أغلب الاستغلاليات الفلاحية للمملكة و أكثرها فقرا. وتهدف الدعامة الأولى التي تستهدف الفلاحة العصرية إلى تقوية و تطوير فلاحة ذات انتاجية عالية تستجيب لمتطلبات السوق، عبر تشجيع الاستثمارات الخاصة ونماذج جديدة من التجميع العادل. وتهم هذه الدعامة ما بين 700 و 900 مشروع يمثل حوالي 110 إلى 150 مليار درهم من الاستثمارات على مدى 10 سنوات، فيما تتوخى الدعامة الثانية محاربة الفقر في الوسط القروي عبر الرفع بشكل ملحوظ من الدخل الفلاحي في المناطق الأكثر هشاشة. وينتظر في إطار هذه الدعامة إنتاج 550 مشروعا تضامنيا، باستثمار يتراوح بين 15 و 20 مليار درهم على مدى 10 سنوات، أي في أفق 2020.
ويهدف مخطط المغرب الأخضر إلى استبدال الزراعات الحالية بأخرى ملائمة للأراضي وذات قيمة مضافة عالية، أو عمليات التكثيف لتحسين مردوديات الزراعات الموجودة، أو تنويع الأنشطة و المنتجات الفلاحية، مع استهداف المنتجات المحلية و المجالية حسب المؤهلات الطبيعية لكل منطقة، ودمج العمليات الأفقية و المتمثلة في الاقتصاد في مياه السقي و التكيف مع التقلبات المناخية، وتتمحور أهم سلاسل الانتاج المعنية حول الزيتون بغرس 1.2 مليون هكتار في أفق 2020، و النخيل بغرس 3 ملايين نخلة، و اللوز على مساحة 77 ألف هكتار، و الحليب بإنتاج قدره 5.1 مليار لتر وحوالي 1.8 مليون رأس من الأبقار الحلوب و اللحوم الحمراء بإنتاج 561 ألف طن و 27.1 مليون رأس. كما تم إعطاء أهمية خاصة للمنتجات المحلية في المناطق الجبلية و القاحلة و الواحات التي تتميز بخصوصيات ملحوظة ومنتوجات ذات جودة مميزة، تشهد على تقاليد وتراث الساكنة المحلية لهذه المناطق.
ولتسهيل تحقيق هذه الأهداف قررت وزارة الفلاحة بتعاون مع القرض الفلاحي بالمغرب إطلاق تمويل للفلاحين الصغار، عبر إحداث شركة تمويل الفلاح، التي تعمل على تمويل الفلاحين الصغار المستفيذين من مخطط المغرب الأخضر، و الذين يتعذر عليهم الولوج إلى التمويلات البنكية الكلاسيكية، وذلك عبر صندوق مضمون من طرف الدولة في حدود 60 في المائة، وقد يبلغ هذا التمويل 100 ألف درهم للضيعة سنويا.
وقد قامت الدولة في إطار مخطط المغرب الأخضر بتعبئة ما يقارب 66 مليار درهم، خصصتها للفترة ما بين 2009 و 2015، إضافة إلى ذلك، استفاد مخطط المغرب الأخضر من مساهمات مقدمة من صندوق الحسن الثاني (800 مليون درهم في 4 سنوات)، وكذا صندوق التنمية القروية. كما قامت الأبناك الوطنية في إطار هذه السياسة الاستثمارية بتطوير طرق تمويل ملائمة لحاجيات الفلاحين. واعتبارا للثقة التي يحظى بها مخطط المغرب الأخضر، وكذا امكانيات الفلاحة المغربية لدى الشركاء الماليين الدوليين، فقد ساهم هؤلاء، من جهتهم، في تمويل هذا المخطط. وقد بلغت مساهمات صناديق الدعم المتعددة الأطراف و الثنائية ما يناهز 12.3 مليار درهم (بما فيها العقود المبرمجة أو التي في طور التوقيع)، منها حوالي 5.3 مليار كمنح و 7 ملايير درهم في شكل قروض.
وبلغة المنجحات المحققة ظرفيا، أكد وزير الفلاحة و الصيد البحري عزيز أخنوش أن قطاع الحمضيات عرف خلال الموسم الفلاحي الماضي تطورا بنسبة 20 في المائة في ظرف سنة واحدة بتحقيقه ل2.4 مليون طن، وهو تطوّر يتماشى مع ما سطّره مخطط المغرب الأخضر من أهداف.
وأضاف المتحدث ذاته، خلال كلمة ألقاها في المنظرة التاسعة للفلاحة، أنه حسب النتائج الأولية للإحصاء العام للفلاحة الذي تعمل الوزارة على إعداده، فقد غرست حوالي 700.000 هكتار بالأشجار المثمرة، ذات القيمة المضافة العالية، إضافة لاستغلال 20 في المائة من أراضي البور غير المستعملة سابقا.
وأشار إلى أنه بالإضافة إلى خلق 300.000 ضيعة فلاحية جديدة منذ الإعلان عن مخطط المغرب الأخضر، ممّا جعل العدد الإجمالي يصل إلى 1.8 مليون ضيعة. وبدورها، تضاعفت مكننة القطاع منذ بدء المخطط، لتنتقل من 4،9 جرّار إلى 8،03 جرار لكلّ 1000 هكتار.
وأكد أخنوش أن قطاع الفلاحة يمثل 12 في المائة من صادرات المغرب، ويعتبر رابع مصدر للعملة الصعبة بالمملكة، خاتما حديثه بالمطالبة بمزيد من الدعم والتشجيع لهذا القطاع.