AFP أصدرت محكمة في مدينة إسطنبول التركية حكما نهائيا بالسجن مدى الحياة على الناشط ورجل الأعمال التركي عثمان كافالا بعد إدانته بتهمة "محاولة إسقاط الحكومة". وكان اعتقال كافالا ومحاكمته قد قوبلا بتنديد من عدد من المنظمات الحقوقية الدولية التي وصفت قضيته بالمسيسة. كما كانت عدة دول غربية قد دعت في فبراير/شباط الماضي إلى إطلاق سراحه، وهو ما وتر في حينها علاقات أنقرة مع تلك الدول. فمن هو عثمان كافالا؟ من الأعمال إلى حقوق الانسان تعود أصول عثمان كافالا، المعتقل منذ عام 2017 بتهمة محاولة الإطاحة بالحكومة التركية عام 2013 ودعم محاولة الانقلاب عام 2016، إلى مدينة كافالا (قولة) التي تقع اليوم ضمن حدود اليونان، وكانت المدينة جزءا من الإمبراطورية العثمانية لقرون، وهي ذات المدينة التي أبصر فيها حاكم مصر في القرن التاسع عشر محمد علي باشا النور. هاجرت أسرة كافالا التي كانت تعمل في تجارة التبغ إلى تركيا في عشرينيات القرن الماضي ضمن ما بات يعرف بالتبادل السكاني بين المواطنين اليونانيين في غربي تركيا والمسلمين الذين كانوا يعيشون في اليونان في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية. محكمة أوروبية تطالب تركيا بالإفراج عن معارض كردي بارز سجين سياسي يعتبر كافالا إلى جانب زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش من أبرز السجناء السياسيين في تركيا التي شهدت زيادة كبيرة في عدد المعتقلين منذ محاولة الانقلاب الفاشل عام 2016. درس كافالا البالغ من العمر 63 عاما الاقتصاد في جامعة "الشرق الأوسط التقنية" في أنقرة وأكمل دراسته في جامعة مانشستر البريطانية، وكان يدرس في إحدى الجامعات الأمريكية للحصول على درجة الدكتوراه عندما توفي والده، فترك الدراسة وعاد إلى اسطنبول عام 1982 ليتولى إدارة أعمال الأسرة. Getty Images قاد عثمان مبادرات لوقف العنف في جنوب شرقي تركيا ذو الغالبية الكردية طلاب جامعة بوغازيجي التركية في مواجهة قرار أردوغان ما التهمة التي وجهها القضاء الأمريكي لأكبر بنك حكومي تركي؟ تاجر الذهب التركي ضراب من متهم إلى شاهد ضد مسؤولين أتراك رجب طيب أردوغان ورفاق طريق تحولوا إلى خصوم عام 1988 تزوج الأكاديمية عائشة بورغا التي تدرس في جامعة بوغازيجي. وقد انخرط كافالا سريعا في العمل الخيري ونشاطات المجتمع المدني عبر تأسيس دار للنشر تحولت سريعا إلى مصدر لنشر الأفكار الديمقراطية، في وقت كان الإنقلاب العسكري الذي وقع عام 1980 لا يزال يلقي بظله الثقيل على الحياة السياسية في البلاد. أولى كافالا العمل الخيري وحماية البيئة والعمل التطوعي ومؤسسات المجتمع المدني جل إهتمامه، فعلى سبيل المثال تخلى عن مشروع لإقامة فندق على شاطىء البحر المتوسط بعد أن تبين أن الشاطئ هو المكان الذي تضع فيه السلاحف بيوضها. وما لبث أن ترك العمل في مجال الأعمال ليكرس حياته للعمل الخيري والمدني والدفاع عن حقوق الإنسان. الفن والثقافة بدل العنف في ثمانينيات القرن الماضي شهدت تركيا مواجهات عسكرية دامية بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرقي البلاد أدت إلى مقتل عشرات آلاف الأشخاص وتدمير آلاف القرى وتهجير ملايين القرويين الأكراد وسط تعتيم إعلامي بسبب فرض حالة الطوارئ هناك. وبعد توقف المواجهات العسكرية التي استمرت نحو عشرة سنوات أطلق كافالا مؤسسة "ثقافة الأناضول" التي تدعم الفن والتبادل الثقافي وتنظم المعارض والعروض الفنية في مختلف أرجاء تركيا. أقامت المؤسسة في ديار بكر، كبرى المدن الكردية في شرقي تركيا، أنشطة للاحتفاء بتراث الأرمن والأيزيديين والأكراد وغيرهم من القوميات في البلاد، في مسعى لإبراز التعددية القومية والثقافية في تركيا. كما رعت المؤسسة أنشطة بهدف تعزيز الحوار بين الأرمن والأتراك. ومن أبرز المشاريع والمؤسسات التي ساهم كافالا في تأسيسها كان الفرع التركي لمؤسسة "المجتمع المنفتح" الخيرية التي يمولها الملياردير الأمريكي المجري الأصل جورج سوروس، وهي الخطوة التي باتت مصدر أحد التهم الموجهة لكافالا. خلال العقد الأول من حكم الرئيس أردوغان، الذي وصل إلى الحكم عام 2002، عاشت مؤسسات المجتمع المدني مرحلتها الذهبية وعرفت البلاد انفتاحاً على صعيد القضية الكردية، إذ عقدت الحكومة محادثات سلام مع حزب العمال الكردستاني. كما أدخلت العديد من الإصلاحات السياسية والقانونية في إطار الاستعداد لدخول الاتحاد الأوروبي، فكانت الظروف مواتية لازدهار مؤسسات المجتمع المدني والحراك السياسي والثقافي، وكان كافالا من أبرز وجوه تلك المرحلة مما أكسبه الإحترام والتقدير داخل وخارج تركيا. ومع تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين بسبب الصراع في سوريا، رعى كافالا العديد من المبادرات والجهود للحد من معاناة هؤلاء. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017 كان كافالا على متن طائرة متجهة إلى مدينة غازي عنتاب لتدشين مشروع من أجل اللاجئين السوريين عندما صعد رجال الأمن إليها وألقوا القبض عليه داخلها. أمضى كافالا 16 شهر في سجن سيلفري الشديد الحراسة قبل أن يعرف التهم الموجهة له، بينما كانت وسائل الإعلام الحكومية وأردوغان يكيلون الاتهامات له بأنه جزء من "المؤامرة اليهودية" التي يقودها سوروس ضد تركيا. في بداية الأمر وجهت له الحكومة تهمة محاولة الإطاحة بالنظام عبر تمويل الاحتجاجات التي عاشتها تركيا عام 2013 ضد إزالة حديقة "غيزي بارك" بهدف بناء سوق تجارية مكانها في قلب إسطنبول وهي الاحتجاجات التي اتسعت وتحولت إلى مظاهرات عارمة ضد حكم أردوغان. وكرر أردوغان نفس التهمة عندما قال: "لم تكن تلك الانتفاضة عفوية، خلف الستار كان هناك أمثال سوروس الذين يثيرون القلاقل في بعض البلدان". ورغم أن محكمة حقوق الانسان الأوروبية قد أقرت بعدم شرعية سجنه ودعت إلى إطلاق سراحه، عدا عن دعوات مماثلة أطلقتها منظمات حقوق الإنسان الدولية والبرلمان الأوروبي، لا يتوقع أن تلقى هذه المناشدات والدعوات آذانا صاغية في تركيا. ففي آخر جلسة للمحكمة للنظر في الدعاوى المرفوعة على كافالا لم تكتف الحكومة التركية باستمرار حبسه بل دمجت دعوى دعم متظاهري "غيزي بارك" بدعوى المشاركة في المحاولة الانقلابية عام 2016 لتصبح دعوى واحدة. وقالت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في حكمها: "إن سجن كافالا هو عقاب له على انتقاده للحكومة، ويهدف إلى إسكاته كونه أحد نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان ويهدف إلى تخويف من يفكر بالسير على خطاه وشل نشاط منظمات المجتمع المدني في البلاد". وجاء في ملف الدعوى الثانية ضد كافالا قبل أن تدمج مع الأولى، أنه قام بأنشطة تجسس سياسي وعسكري وخرق الدستور بالتعاون مع المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية الباحث هنري باركي عبر الحصول على معلومات سرية تتعلق بمصالح تركيا الأمنية والسياسية. وجاء في لائحة الاتهام : "ليس من باب الصدفة تزامن زيارة هنري باركي إلى تركيا مع ما شهدته البلاد من أحداث عصيبة حسب ما تؤكد تصريحات المشتبه به" في إشارة إلى وجود باركي في تركيا عند وقوع محاولة الانقلاب. وتقول تركيا أن باركي "نسق وراقب عملية الانقلاب حسب ما تؤكد الأدلة التي تركها وراءه في الفندق الذي كان يقيم فيه". وكان الادعاء قد طالب بسجن كافالا وهنري باركي الذي يحاكم غيابياً، مدى الحياة وعشرين سنة إضافية.