أعاد تحرك السلطات القضائية في المغرب خلال الفترة السابقة، في شأن متابعة شخصيات من المنتخبين وموظفين ورجال أعمال كبار، في إطار ملفات فساد مالي وإداري واستغلال النفوذ، (أعاد) إلى الواجهة جملة من التساؤلات عن مدى وجود إرادة حقيقية لدى الدولة لمحاربة الفساد الذي يسلب من خزينة الدولة كلفة مالية مهمة تقدر ب 50 مليار درهم سنويا، أي ما يعادل 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام. نسبة تضيع على المملكة 150 مستشفى مجهزا بأحسن التقنيات و300 مدرسة. وعن تحرك السلطة القضائية في الأسابيع الماضية في الدفع بمسطرة المتابعات في حق شخصيات مهمة، يقول عنها رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي ل "الأيام 24" إنها قرارات شجاعة لكنها ليست كفيلة بالجزم أن الحكومة تحارب الفساد أو أن المغرب دخل مرحلة جديدة من محاربة الظاهرة، فالأمر لايزال في بدايته ومقارنته مع حجم الفساد المستشري في بعض المؤسسات العمومية والخاصة، كفيل بالتريت في إصدار دليل على توجه الدولة بأدواتها التنفيذية والقضائية لمكافحة الفساد.
وأضاف أن "المجال مايزال مفتوحا أمام ناهبي للمال العام راكموا ثروات مشبوهة وبطرق غير مشروعة عبر توظيف الآلية العمومية للاغتناء غير المشروع، لذلك فالمغاربة يتطلعون إلى أن يروا أن الناس جميعا هم سواسية أمام القانون، وذلك بتقديم المتورطين في قضايا الفساد المالي إلى القضاء من أجل محاكمتهم طبقا للقانون".
الغلوسي اعتبر أن السلطة القضائية لن تكون وحدها كافية لمكافحة الفساد، مشيرا إلى أن "هناك مقاربات أخرى وآليات ووسائط لابد أن تتحرك، وضمنها دور الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومة ومؤسسات الحكامة والمجتمع المدني والإعلام، وكل هذه الآليات والمقاربات تلتقي في إطار رؤية مندمجة وشاملة من أجل مكافحة الفساد، باعتبار الأخير قضية مجتمع ومعركة محاربته طويلة تحتاج إلى استراتجية متكاملة ومتعددة الأبعاد"
"ويأتي هذا في وقت عملت فيه الحكومة على سحب القانون الجنائي الذي يتضمن عقوبات ضد الاثراء غير المشروع، وكذا مشروع احتلال الملك العمومي واستغلال مقالع المعادن"، يضيف المتحدث، "وهو ما يثر نوعا من القلق بشأن غموض إرادة الحكومة في مكافحة الفساد، خاصة وأن البرنامج الحكومي وحتى الحكومة من خلال الناطق الرسمي باسمها لم تعد تذكر ولو شفويا أي خطاب يتحدث عن مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة". . هل تملك الحكومة استارتيجية في محاربة الفساد؟
وطالبت النائبة البرلمانية والأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، بض.رورة سن "قانون" يحمي المبلغين عن الفساد والمفسدين، مؤكدة أن "نظام العدالة" في المغرب لازال يحتاج إلى كثير من الإصلاح. وتساءلت منيب، ضمن "البودكاست" الأسبوعي الذي تبثه على قناتها الخاصة باليوتوب، "ه.ل تملك الحكومة استراتيجية لمحاربة الفساد؟"، مبرزة أنه في ظل "غياب هذه الاستراتيجية، لن يتقدم المغرب في محاربة هذا الوباء الذي ينخر اقتصاد المغاربة".
وانتقدت برلمانية الاشتراكي الموحد، إقدام الحكومة على سحب مشروع القانون المعروف إعلاميا ب"الإثراء غير المشروع".
عهد الشعارات في محاربة الفساد انتهى
قال مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن هذه الأخيرة "لديها القناعة بأن ملفات الفساد التي يفتحها القضاء يجب أن تصل إلى مداها"، مؤكدا أن عهد الشعارات في محاربة الفساد انتهى.
وتعليقا على إحالة 19 شخصا يشتبه في تورطهم في اختلالات شابت صفقات لوزارة الصحة على السجن، قال بايتاس في الندوة الأسبوعية عقب المجلس الحكومي إن هذا المؤشر "دليل على أن الحكومة تحارب الفساد".
وعرج المسؤول الحكومي ذاته على الانتقادات التي وُجهت إلى الحكومة بعد سحبها مشروع القانون الجنائي من البرلمان، معتبرا أن ملفات الفساد التي تحركها النيابة العامة ضد أشخاص يتولون مسؤوليات عمومية "تؤكد أن الأعمال بالخواتيم".