من حسن الحظ في هذا الملف أننا ننطلق من "لو"، وإذا كان المستحيل مستحيلا، فإن احتمالات قيام حرب بين المغرب والبوليساريو تدخلها الجزائر بالوكالة تطرح قضية توازن الرعب، فمن سيكون الرابح في هذه الخسارة الكبرى التي يخاطر بها نظام جزائري يبحث عن رئيس؟ استغلت الجزائر معطيات عديدة، لقيامها بالعديد من الاستفزازات، بلغت أوجها بنشر الجيش الجزائري منظومة دفاعية جد متطورة، s 300 بولاية بشار، المنطقة العسكرية الثالثة على الحدود مع المغرب، مباشرة بعد إعلان المغرب عن انسحابه الأحادي الجانب من الكركرات، فالتغيير الذي عرفته الإدارة الأمريكية يبدو لصالح المغرب، ووجود لحظة بياض في بيت الإليزيه في إطار احتداد التنافس الانتخابي، وعدم تبين هوية القادم إلى رئاسة فرنسا بعد هولاند، بالإضافة إلى الوضع الهش بموريطانيا، وبعد انتصار المغرب على الساحة الإفريقية في عقر البلدان التي ظل قصر المرادية يعتبرها مجاله الحيوي، أضف إلى ذلك وجود تفاهم قوي بين الدبلوماسية المغربية والأمين العام الجديد "أونطونيو غوتيريس"، وعلى بعد أسابيع من نهاية ولاية المبعوث الأممي "كريستوف روس" نهاية الشهر، إضافة إلى احتدام الصراع بين الجهاز الاستخباراتي الجزائري وصقور المؤسسة العسكرية حول من يخلف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما لم يعد خافيا على أي مراقب محايد.
البحث عن ضربة المروحة
حادثة المروحة يقصد بها دوما اتخاذ الذريعة لتنفيذ قرار سابق على وجود السبب المباشر، فقد زار القنصل الفرنسي بيار دوفال الباشا التركي الداي حسين حاكم الجزائر وطالبه بتأدية ديونه التي تقدر ب 20 مليون فرنك فرنسي، وهو ما لم يعجب الداي الذي طالب بطرد القنصل من القصر، بتلويحه بإشارة من مروحته، وهو ما جعل فرنسا تنزل 40 ألف جندي فرنسي وتقيم حصارا بحريا على الجزائر، ضدا على "ضربة المروحة" 1827.
هو ذا بالضبط ما تنتظره الأجهزة المتحكمة في صناعة القرار داخل الجزائر، فقرار حكومة عبد المالك سلال برفع أسعار المنتوجات الأساسية (الحليب، البنزين والخبر) أخرج سكان مدن كبرى للاحتجاج ضد الحكومة التي تخشى منذ يناير الماضي انتقال الاحتجاجات إلى تزي وزو، عاصمة القبايل التي تشبه برميل بارود، ومن شأن استمرار تدني أسعار النفط أن يزيد من تعميق عجز الميزانية العامة...
إن 800 مليار دولار التي جنتها الجزائر خلال العقد الأخير بعد الطفرة المالية تبخرت بسبب تفاقم العجز التجاري والاستنزاف المالي في سباق التسلح، وهو ما انعكس بشكل سلبي على النمو الاقتصادي المتسم بالعجز، وإذا أضيف كل هذا إلى الفراغ السياسي في هرم السلطة، فإن من حق كل المراقبين أن يضعوا أيديهم على قلوبهم من عدم استقرار الجزائر، إذ لم يصل الطرفان المتنافسان – الجيش والاستخبارات – إلى توافق حول من يخلف عبد العزيز بوتفليقة.
هذا الوضع يدفع النافذين في قصر المرادية إلى البحث عن "الذريعة"، أي ضربة المروحة، لتصدير الأزمة الداخلية أمام عدو خارجي من شأنه أن يوحد الجبهة الداخلية، وليس هناك من يصلح لأن يكون على صورة "العدو الحقيقي" غير المغرب، الجار الغربي للجزائر.
بوتفليقة مقلق حيا و ميتا
منذ انتخابه في أبريل 2014 لولاية رابعة، لم يوجه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة خطابا واحدا أمام الشعب، وهو ما أثار الكثير من القلق داخل وخارج الجزائر لأكثر من ثلاث سنوات، حول هوية المسيرين الحقيقيين للجزائر اليوم، من يتحكم في الآخر، الجيش متحكم في أجهزة الاستخبارات أم العكس؟
توازن الصراع بين مختلف الأجهزة المتنفذة قد استنفد كل مراحله، لأن بوتفليقة ليس في وضع صحي يسمح له بولاية خامسة، وهو ما يعني أن هذا الرئيس الذي قضى 17 سنة في الحكم يظل مزعجا حيا وميتا اكلينيكيا على الأقل.
فراغ عرش الجمهورية يعكسه إلغاء زيارة ميركل، المستشارة الألمانية، وإلغاء زيارة الرئيس الإيراني إلى الجزائر، وإذا لم يتم التوافق بين النافذين في المؤسسة العسكرية وجهاز الاستخبارات في القريب العاجل، فإن الخوف قائم من ارتفاع الدعوات إلى انتخابات مفتوحة لشغر منصب رئاسة الجمهورية، وهو ما يعني الدخول في متاهات سياسية "ديمقراطية" لا يرغب فيها المتنفذون الذين يبحثون عن بقائهم في السلطة والبحث عمن يضمن مصالحهم الحيوية غداة انتقال السلطة، لذلك يعتبر التوقيت مناسبا لاستعراض القوة والضغط على المغرب بنشر عتاد حربي جد متطور على الحدود.
لمن تدق طبول الحرب؟
أكد خبير عسكري ل "الأيام" أنه إذا "كانت كلمة مستحيل" كما قال نابليون لا توجد في السياسة، فإن حربا مفتوحة بين المغرب والجزائر على المدى القريب والمتوسط تبدو جد مستبعدة، من جهة لوجود ما يشبه توازن الرعب على مستوى التسلح بين المغرب والجزائر، ووجود تقدير جيد لدى قيادتي البلدين حول حجم المخاطر المتأتية من حرب لن تكون أشبه بنزهة عسكرية، فهناك ما يشبه التقدير العاقل لقوة الخصمين المتنافسين، وهذا عنصر يخدم السلام ولا يشجع على الحرب بين جيشين قويين، ومن جهة أخرى، يضيف الخبير ذاته، الذي واكب عن قرب تطور النزاع بين المغرب والجزائر منذ حرب الرمال عام 1963، فإن السياق الخارجي الذي يعطي معنى للأشياء يصعب معه اتخاذ قرار من هذا الحجم، فهناك قادم جديد للبيت الأبيض لم تتضح خططه وتصوراته للنزاع في المنطقة، وهناك تنافس انتخابي في الحليف الاستراتيجي للمغرب ضمن الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أقصد فرنسا، إضافة إلى وجود فراغ على مستوى رئاسة الجمهورية الجزائرية الذي لا يعتبر عامل استقرار لكل دول المنطقة.
وحول انسحاب المغرب بشكل أحادي من الكركرات، وعلاقته بوجود أخبار حول تسليم الجيش الوطني الشعبي جبهة البوليساريو دبابات جد متطورة ومنظومة صواريخ "S300"، نفى المصدر ذاته أن تمنح الجزائر مثل هذه المنظومة المتطورة لجيش يوجد على أرضها، يقصد البوليساريو، فمع التطور الذي عرفته العلاقات المغربية الروسية التي كسبت زبونا مغريا على مستوى التسلح خاصة، يصعب أن تسمح روسيا بتسليم جهاز متطور من هذا الحجم (صواريخ S 300) إلى قوات البوليساريو، على خلاف دبابات 90 الروسية.
في حين تحدثت تقارير دولية عن تسليم الجزائر جبهة البوليساريو آليات عسكرية مضادة للرصاص من بينها VTB – 827 المزودة بمدفع 30 ملمتر، وآلية عسكرية ميدانية مزودة برشاش من عيار "7 ,62 mm"، بالإضافة إلى سيارات "طويوطا" الحاملة لمدافع رشاشة من نوع (BKC) الروسية الصنع.
ونفت مصادر خاصة ل "الأيام" توفر قوات البوليساريو على صواريخ بعيدة المدى قادرة على الضرب في عمق المغرب، واعتبرت أن التلويح بالحرب مجرد "بروباغندا" لمليشيات البوليساريو التي لم تعد تملك سوى "خردة من المتلاشيات"، بتعبيره، وربط ذلك بتصريح لعبد الله لحبيب، وزير الدفاع في جبهة البوليساريو، حين لوح في نهاية يناير الماضي بالمواجهة العسكرية مع المغرب، وادعى أن قواته تتوفر على صواريخ بعيدة المدى قد تصل إلى عمق التراب المغربي.
إن حربا بالوكالة لن تقع، لكن انسداد الأفق مع فراغ الكرسي الرئاسي في الجزائر يُبقي كل شيء مفتوحا في اتجاه كل الاحتمالات، حتى الأقل ترجيحا اليوم، وهو الحرب المفتوحة.
وماذا لو....؟
ماذا لو فرضت الحرب على المغرب، ووجد نفسه في مواجهة مفتوحة مع الجزائر، التي تبحث عن شخصية تحافظ على مصالح العسكريين والمتنفذين في قلب النظام وتكون محط إجماع الشعب الجزائري، وهذا ما لا يتوفر لا في سملال ولا في سعداني.
إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا بطريقة كوميدية، فمعطيات اليوم تختلف كثيرا عما حدث عام 1963 سوى في محاولة النظام الجزائري تصدير الأزمة خارج حدوده، لذلك يؤكد مصدر "الأيام" أن التفوق الجوي يعود إلى المغرب باعتبار توفره على منظومة متكاملة من أسلحة الصد والهجوم، فالعتاد العسكري الجوي أكثر تطورا، كما تؤكد ذلك تقارير مؤسسات دولية معروفة بقيمتها العلمية وبموضوعيتها مثل "Military balance" و"Sipri" ومعهدIRIS، والتي تؤكد أن تفوق المغرب جويا لا يعود إلى الجانب الكمي للعتاد أو عدد القوات الجوية، بل إلى استراتيجية التسلح وجودة التدريب العسكري، ولا يمكن اعتماد سباق التسلح والميزانيات المخصصة لذلك معيارا للتقدم العسكري، فمن هذه الناحية فإن ميزانية الجزائر للتسليح عام 2015 بلغت 104 مليار درهم، في حين لم تتجاوز 40 مليار درهم بالمغرب.
وعلى المستوى البحري، فإن صفقة المغرب لشراء أسلحة روسية عام 2015 قلصت فارق التفوق الذي كان لدى الجيش الجزائري، بعد شراء الغواصة الروسية amur 1650 بسعر يصل إلى 300 مليون دولار، والتي تمتاز بقدرات قتالية عالية وبقدرتها على حمل صواريخ مضادة للسفن البحرية، وتجهيز المملكة لفرقاطاتها العسكرية الأربع بأسلحة جد متطورة لردع الغواصات المتوفرة لدى الجزائر، بالإضافة إلى توفر المغرب على 121 قطعة بحرية، بينما تتوفر الجزائر على 35 قطعة بحرية فقط.
أما على المستوى البري، يضيف المصدر ذاته، فإنه بعد الإعلان عن الحرب بساعة واحدة سيكون الجيش المغربي في قلب التراب الجزائري، وذلك لا يعود إلى التفوق في العتاد، إذ الجزائر أكثر تسلحا من الجيش المغربي على مستوى القوات البرية، فلديها حتى عام 2015 448 مدافع ذاتية الدفع بينما تتوفر الجزائر على 180، لكن على مستوى أنظمة إطلاق الصواريخ، فلدى القوات الجزائرية 148 منظومة جد متطورة مقابل 72 منظومة إطلاق صواريخ في المغرب، الذي يبدو متفوقا على مستوى نوعية وعدد الدبابات (1348 دبابة) بينما تملك الجزائر 1050 دبابة.
لكن بحسب خبراء عسكريين، فإن حربا طويلة النفس بين الجزائر والمغرب ستنهك المملكة اقتصاديا، على اعتبار امتلاك الجزائر للطاقة مقابل افتقاد المغرب لهذا العنصر الذي جعل العراق وإيران يصمدان لمدة طويلة لامتلاكهما معا النفط، كما أن توجيه صواريخ إلى مدن مغربية كبرى سيشل السياحة التي تعتبر مصدرا أساسيا للخزينة العامة، إضافة إلى أن المغرب اعتمد خلال العقد الأخير على مشاريع كبرى على امتداد سنوات طويلة، وله التزامات مع مؤسسات دولية مانحة، وهو ما سيجعل كلفة الحرب أكثر استنزافا.
وإذا كان ممكنا أن يحقق المغرب انتصارا بحكم خبرة جيوشه التي يتعايش داخل صفوفها جيل الاستراتيجيات العسكرية، الخبراء بحرب الصحراء وبأسرار الجيش الشعبي الجزائري، والجيل الجديد من الجنرالات ذوي المؤهلات التقنية الفائقة بحكم مشاركتهم الدائمة في التدريبات العسكرية مع القوات الأجنبية... فإن كلفة الحرب تبدو فاتورتها غالية على البلدين، وليس من مصلحة القوى الكبرى اليوم تعريض مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في هذين البلدين وفي ساحل المتوسط الذي تعبره المئات من السفن العالمية للخطر.. لذلك فالجواب على سؤال: ماذا لو وقعت الحرب... هو أن "لو" كما يقول النحاة هي حرف امتناع الشرط لامتناع جواب الشرط.