أعادت محكمة النقض تحديد المفهوم الواسع للحق في الإضراب، ووضعه في إطاره القانوني وملائمته مع طبيعة الحق الدستوري، مؤكدة أن عدم تسقيف زمنيته يجعله تعسفا في استعمال الحق، ما يزيح عنه غطاء المشروعية. وأشارت في قرارها الجديد الذي يثير نقاشا واسعا، بين "جدلية الحق الدستوي وطبيعة الممارسة للحق في الإضراب"، أن اللجوء إلى هذا الأخير بهدف الدفاع عن مصالح الأجراء المهنية في إطار التمثيلية النقابية، فإنها مع ذلك تبقى مشروطة بعدم التعسف في ممارسة ذلك الحق.
وعللت المحكمة قرارها بأن ممارسة الإضراب من دون تحديد مدته من شأنه أن يلحق الضرر بالموظف أو الأجير، وأن عدم تحديد مدة للإضراب عن العمل ينفي عنه وصف المشروعية ويعتبر تعسفا مما يجعل الأجير الذي يخوض إضرابا مفتوحا عن العمل في حالة تغيب عن العمل بشكل غير مبرر.
وقرار المحكمة يمهد بحسب أصوات نقابية إلى اعتماد قرارات مشابهة في ملفات أخرى، خاصة بالنسبة للأساتذة المتعاقدين" كما يصفون أنفسهم أو أستاذة "أطر الأكاديمات" كما تطلق عليهم وزارة التربية الوطنية.
تقييد الحق في الاضراب
وتعتبر النقابات أن مشروع القانون الذي أعدته الحكومة السابقة ولم يتم تحيينه بعد من قبل حكومة أخنوش، سيمنعها من ممارسة حقها الدستوري المتمثل في الإضراب. ويتضمن النص القانوني 49 بندا، وينص في المادة 5 على أن "كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا".
ويوجب مشروع القانون حسب المادة 7، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل خوض الإضراب. أما في حالة الإضراب، فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الاحتجاج، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها.
ويمنع، حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية، اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل.
وتعتبر المادة 14 من أبرز البنود التي أثارت جدلا كبيرا، وتنص على اقتطاع عدد الأيام التي توقف فيها المضرب عن العمل، من الأجر الشهري.
قانون جامد
ونصت جميع دساتير المملكة الستة من سنة 1962 إلى 2011، على الإضراب كحق مضمون، لكن إلى حدود الساعة، أي بعد 58 عاماً، لم يُعتمد أي قانون تنظيمي يوضح شروطه والإجراءات اللازمة لممارسته.
دستور 2011 المعمول به حالياً، يتضمن على الفصل 29 الذي ينص على "الحق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته"، وبعد مضي 5 سنوات صادق المجلس الوزاري في شتنبر من سنة 2016 على أول مشروع قانون تنظيمي يُنظم هذا الحق في المغرب، لكنه لم ينه بعد المسطرة التشريعية ليصبح ساري المفعول.
وبعد المصادقة عليه من قبل المجلس الوزاري، أُحيل مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب على مجلس النواب، وبقي هناك دون مناقشة، وهو اليوم محط جدل بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب.