وجد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن خلال زيارته للجمهورية الجزائرية نفسه مضطرا للاستماع لخطاب مطوّل من الرئيس عبد المجيد تبون بدون مبنى ولا معنى يضرب في نوايا المغرب ويشيد بتونس ثم يسافر به قائد دبلوماسية واشنطن إلى جنوب إفريقيا يحدثه عن الجزائر ودورها في إنهاء نظام الفصل العنصري. وزارة الخارجية الأمريكية تنشر عادة كلمة الوزير ومحاوريه بالحرف في موقعها الرسمي، ولما نشرت المحادثة بين الطرفين، اضطرت لنشر نص طويل للرئيس الجزائري وحد غطى على خطاب مختصر لأنطوني بلينكن، فعندما تهم بقراءته في نسخته الانجليزية تضطر للمرور عبر 25 فقرة من حديث عبد المجيد تبون لتصل إلى نص أقوال بلينكن الذي يتكون من فقرتين صغيرتين فقط.
محمد الشرقاوي أستاذ تسوية النزاعات الدولية وعضو لجنة الخبراء في الأممالمتحدة سابقا، نشر تدوينة فيسبوكية بشأن هذا اللقاء الغريب عن بروتوكول الزعماء والدبلوماسيين، يقول فيها إن لقاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن في قصر المرادية "عصف بالمراسم المتعارف عليها، وأثار ما يرقى إلى حالة نشاز في الأعراف الدبلوماسية الدولية".
ويفكك الشرقاوي رموز اللقاء قائلا: "انطلق الرئيس تبّون في خطاب مسترسل يبدأ ولا ينتهي في طوله وتعدد محاوره. وربما اعتبر الجانب الجزائري اللقاء فرصة مواتية لوضع النقاط على الحروف، وتأكيد الأولويات، وتفصيل كل ما يشغل البال السياسي الجزائري في هذه المرحلة. فبدأ بعقد مقارنات الشبه وتركة النضال من أجل الحرية بين الجزائر والولايات المتحدة، بل حاول تطويع التقويم السنوي للتذكير بأن عيد الاستقلال الأمريكي وعيد الاستقلال الجزائري لا تفصلهما سوى ساعات بين الرابع والخامس من يوليو. وفيما كان بلينكن ينصت، كان يسأل نفسه: أهي مجرد صدفة تاريخية أم أنها تنمّ عن "حكمة" سيكشفها الرئيس تبّون للمرة الأولى، وتكون مفاجأة الموسم!".
ثم أضاف: جاء الدور على مفهوم الديمقراطية عندما تناول الرئيس تبّون أحوالها بين بلد مشتبع بها وآخر يحاول أن يبنيها لنفسه. ثم عرّج على نقطة ليست من فحوى موضوع تلك اللحظة قائلا: "نحن نبذل قصارى جهدنا بوسائلنا، وفي بيئتنا أحيانًا يتم فهمنا في بعض الأحيان لا نكون كذلك. هذه هي بيئتنا: نحن محاطون بدول لا تشبهنا كثيراً باستثناء تونس." ثم غيّر سردية التشابه مع تونس إلى سردية الاختلاف والعداوة القديمة مع المغرب، وكأن الوفد الأمريكي الزائر يحتاج لمحاضرة في تاريخ العداء بين الجزائر والمغرب.
وتابع أستاذ تسوية النزاعات في تدوينته: طال صبر الوزير بلينكن الذي ينتمي إلى مدرسة سياسية تقوم على البراغماتية وقاعدة خير الكلام ما قل ودل. والأهم من ذلك، أنه أثبت أنه ليس دبلوماسيا يقاوم الملل والانفعال فحسب"، بل وأيضا أنه صبور كتوم وإن فاضت أحشاءه بالحنق من وضع غير مريح أمام كاميرات المراسلين. وعندما جاء دوره للحديث، تنفس الصعداء وقرر أن يكون محبّا للاختصار واكتفى بمجموع 105 كلمة بموازاة مستضيفه الرئيس تبّون الذي أطلق العنان لخطبته بمجموع 2519 كلمة حسب النص الذي نشرته وزارة الخارجية الأمريكية.
ويرى الشرقاوي أنه "لم يكن مشهدا بهندسة دبلوماسية محترفة. ولا يبدو أن لوزير الخارجية لعمامرة الملمّ بالثقافة السياسية الأمريكية والدولية أو مساعديه في الوزارة كلمة الفصل في ترتيب اللقاء بين الرئيس تبّون والوزير بلينكن. بل يبدو أن بعض المستشارين من جينة أخرى غير الجينات الدبلوماسية هم الذين أثاروا حماسة الرئيس في إلقاء خطبة عصماء في حضور أعضاء الوفد الأمريكي الذين غادروا الجزائر العاصمة ولم يتذكروا ربع ما تتثاقل في وصوله إلى مسامعهم!"