عندما قرر عبد الرحمان اليوسفي ذات خريف من سنة 2003 اعتزال السياسة بشكل كامل، تفاجأ البعض كثيرا خاصة أولائك الذين علقوا أمالا على الرجل في وضع قطار الانتقال الديمقراطي و التناوب على السكة الصحيحة في حين لم يفاجئ القرار آخرين لأسباب موضوعية وأخرى مرتبطة ببنية المجتمع السياسي المغربي والسلطة. وقال اليوسفي ساعتها في رسالة شهيرة :"قررت اعتزال العمل السياسي وبالتالي أصبحت مستقيلا من عضويتي في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومن كل المهام ذات العلاقة".
اليوسفي الذي كان قبل ذلك بوقت قصير يقود الحكومة المغربية لم يعط أي توضيحات حول أسباب استقالته وإن رأى الكثير من المراقبين أنها جاءت احتجاجا على النكوص الذي عرفته عملية التناوب، بعدما عين الملك إدريس جطو رئيسا تكنوقراطيا لحكومة التناوب.
عبد الإله بنكيران الرجل التوافقي الثاني الذي شغل الدنيا بقفشاته وخطابه السياسي غير المعهود، والذي جعل خصومه يتهمونه بالشعبوية، لم يستقل ولم يبعث برسالة للحزب كما فعل اليوسفي لكن تم إعفاؤه عبر بلاغ من الديوان الملكي بعد خمسة أشهر من المشاورات الحكومية التي لم تفضي إلى شيء لأسباب يعرفها الجميع.
فبين استقالة اليوسفي احتجاجا في 2003 وإعفاء ابن كيران في 2017 سال مداد كثير وكتبت الكثير من الأخبار والمقالات التي بلغت ذروتها انتشارا مساء الأربعاء تزامنا مع بلاغ الإعفاء.
هذا علاوة على الأحداث التي طبعت مغرب ما بعد عبد الرحمان اليوسفي حيث لم يعد الاتحاد الاشتراكي يتصدر الانتخابات كما كان، بل حملت 20 فبراير في سياق ما يعرف بالربيع العربي الإسلاميين المغاربة إلى الحكم في 2011 حتى هم لم يكونوا يتصورون يوما أنهم سيعبرون إلى 125 مقعدا بعد 9 مقاعد فقط حصلوا عليها في انتخابات 1997، كما أنهم لم يدخلوا المشاورات الحكومية بعيد انتخابات 2002 رغم حصولهم على المركز الثالث بفارق قليل عن الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال.
هذه المشاورات الحكومية التي أصبح اليوم يشارك فيها أحزاب لم تحصل حتى على خمس ما حصل عليه "البيجيدي" في انتخابات 7 أكتوبر 2016 !!، مساهمة في البلوكاج الحكومي الذي عمر لأزيد من 5 أشهر.
هذا التحول في المشهد السياسي دفع بالكثير من المراقبين إلى طرح السؤال، على غرار ما قاله اليوسفي من بروكسيل بعد اعتزاله : هل الانتخابات أو التناوب التوافقي سيشكل منعطفا حقيقيا نحو الديموقراطية الفعلية أم أنها ستؤكد بأن الديموقراطية في دول العالم الثالث، ولا سيما منه العالم العربي - الإسلامي ستظل مطمحا بعيد المنال ؟
وهل هذه التجربة التي بدأت في المغرب منذ 1998 ستفضي إلى تجربة أخرى اسمي منها وأكثر تقدما بمعنى أنها ستفضي إلى "التناوب الديموقراطي" أم أنها ستخيب الآمال التي عقدت عليها في المغرب وفي الخارج على حد سواء.
وهل سيتوارى بنكيران معتزلا ويعيد طرح هذه الأسئلة من مكان بعيد كما فعل اليوسفي من بروكسيل أم أنه سيرتاح بضع سنين ويعود في 2021 بشعارات جديدة تقتضيها المرحلة ؟