Reuters يجد بنك "كريدي سويس" السويسري نفسه محورا لتقارير إعلامية تتناول كمية ضخمة من البيانات المسربة التي تسلط الضوء على ثروات مخفية للعديد من العملاء، من بينهم شخصيات سياسية وحكام سابقون وحاليون، وشخصيات متورطة في جرائم خطيرة. وأشارت مؤسسات إعلامية تقول إنها اطلعت على التسريبات، إلى تضمنها معلومات عن حسابات بنكية تعود لعدة شخصيات عربية بارزة من مصر والأردنوالجزائر وعُمان وغيرها. وسُربت بيانات خاصة بأكثر من 18000 حساب مصرفي، تشمل أكثر من 100 مليار دولار، إلى صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية. وتضمنت البيانات حسابات شخصية ومشتركة وحسابات شركات، يعود بعضها إلى أربعينيات القرن الماضي، في حين تم فتح ثلثيها منذ عام 2000. كما ظل العديد من تلك الحسابات، بحسب التقارير الإعلامية، مفتوحا إلى ما بعد منتصف العقد الماضي، وما زال بعضها مفتوحا إلى يومنا هذا. غير أن البيانات المسربة لا تتضمن معلومات عن عمليات البنك الحالية. "مزاعم وتلميحات" وقامت عشرات المؤسسات الإعلامية بالبحث في البيانات على مدار شهور. وأشارت إلى أنها وجدت أدلة على استخدام حسابات البنك من قبل عملاء متورطين في جرائم خطيرة، مثل غسيل الأموال أو الاتجار بالمخدرات. لكن البنك السويسري رفض المزاعم في بيان أصدره يوم الأحد، قائلا إنه يرفض بشدة ما وصفه بالمزاعم والتلميحات بشأن الممارسات التجارية المزعومة للبنك. وأضاف البنك أن "الأمور المعروضة في أغلبها تاريخية، وتعود في بعض الحالات إلى أربعينيات القرن الماضي، وتستند إلى معلومات جزئية أو غير دقيقة أو انتقائية مقتطعة من سياقها". وفي التقارير التي نشرتها مؤسسات إعلامية شاركت في البحث في البيانات، من بينها صحيفة الغارديان البريطانية ونيويورك تايمز الأمريكية، زُعم أن البنك فتح أو احتفظ بحسابات لعملاء ذوي مخاطر عالية، من بينهم مجرمون وأفراد متورطون في الاتجار بالبشر. ولم تكن بي بي سي من بين الهيئات الإعلامية المشاركة في التحقيق. ولا يعد امتلاك حساب في بنك سويسري أمرا غير قانوني، كما أن التسريب احتوى على بيانات عملاء لم يرتكبوا أي مخالفات، بحسب التقارير المنشورة. وتمت مشاركة البيانات مع أكثر من 40 مؤسسة إعلامية في جميع أنحاء العالم من قبل مجموعة الصحافة غير الربحية، "مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد". وقال بنك كريدي سويس يوم الأحد إنه راجع عددا كبيرا من الحسابات، التي يُحتمل أن تكون مرتبطة بالقضايا المثارة. وأضاف أن "ما يقرب من 90 في المئة من الحسابات التي تمت مراجعتها مغلقة حاليا، أو كانت في طور الإغلاق قبل استلام الاستفسارات الصحفية، وإن أكثر من 60 في المئة منها تم إغلاقها قبل عام 2015"، على الرغم من أنه لم يعلق على عملاء محددين مذكورين. كما أشار البنك السويسري إلى أنه "على دراية تامة بمسؤوليته تجاه العملاء والنظام المالي ككل، لضمان الالتزام بأعلى معايير السلوك". وقال إن "هذه المزاعم الإعلامية تبدو وكأنها جهد متضافر، ليس فقط لتشويه سمعة البنك وإنما أيضا لتشويه سمعة السوق المالية السويسرية ككل، والتي شهدت تغيرات كبيرة على مدى السنوات العديدة الماضية". بنك كريدي سويس ينفي ارتكاب أي مخالفات بعد تسريب بيانات مصرفية "قوانين غير أخلاقية" في بيان نشرته صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، أوضحت مصادر لم تحدد هويتها الدافع وراء قيامها بتسريب السجلات قبل أكثر من عام. وقالت تلك المصادر: "نعتقد أن قوانين السرية المصرفية السويسرية غير أخلاقية. ذريعة حماية الخصوصية المالية هي مجرد ورقة توت تغطي الدور المخزي للبنوك السويسرية، كمتعاونين مع المتهربين من الضرائب". ومن غير المعروف ما إذا كان من يقف وراء تسريب البيانات فردا أم مجموعة أفراد. كما أقر البيان بأن "امتلاك حساب مصرفي سويسري - من جانب أشخاص من خارج سويسرا - لا يعني ضمنا بالضرورة ارتكاب تهرب ضريبي أو أي جريمة مالية أخرى". وقد أشار بنك كريدي سويس إلى أنه اتخذ "تدابير إضافية مهمة خلال العقد الماضي، بما في ذلك استثمارات إضافية كبيرة في مكافحة الجرائم المالية". وبحسب صحيفة الجارديان جاءت دول مصر وفنزويلا وأوكرانيا وتايلاند ضمن الدول ذات العدد الأكبر من عملاء كريدي سويس الذين وردت أسماؤهم في البيانات المسربة. وتقول الصحيفة إن التسريبات أشارت إلى أكثر من 2000 حساب من مصر، وعدد مماثل من الحسابات الفنزويلية. شخصيات من نظام مبارك Getty Images علاء وجمال مبارك مع والدهم الرئيس السابق خلال إحدى جلسات محاكمتهم في عام 2013 تحدثت صحيفة الغارديان عن حسابات بنكية في كريدي سويس تعود لشخصيات محسوبة على المؤسسة السياسية الحاكمة في مصر إبان حكم الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، لا سيما نجلاه علاء وجمال اللذان أسسا إمبراطورية أعمال في البلاد، كما تقول الصحيفة. وتشير الصحيفة إلى أن علاقة الشقيقين بالبنك استمرت لعقود، حيث تم بحسبها فتح أول حساب مشترك لهما في عام 1993. وبحلول عام 2010، أي قبل عام من الإطاحة بوالدهما، كان أحد الحسابات التابعة لعلاء مبارك يحتوي على حوالي 138 مليون دولار أمريكي. صحيفة نيوورك تايمز بدورها قالت نقلا عن التسريبات إن إجمالي عدد الحسابات التي امتلكها الشقيقان علاء وجمال مبارك في بنك كريدي سويس بلغ ستة حسابات، من بينها حساب مشترك بلغت قيمته 196 مليون دولار في عام 2003. وكان علاء وجمال من بين شخصيات محسوبة على نظام مبارك واجهت تهما بالفساد المالي في أعقاب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المصري الراحل. وفي عام 2015، أصدرت محكمة مصرية حكما بالسجن ثلاث سنوات على الشقيقين ووالدهما بتهم تتعلق بالاختلاس والفساد. ووفق صحيفة الغارديان، ينفي محامو علاء وجمال مبارك تهمة الفساد، ويقولون إن التحقيقات التي قامت بها سلطات أجنبية في أصولهما الموجودة خارج البلاد، والتي استمرت 10 سنوات، لم تكشف عن أي انتهاكات قانونية. وفي بيان نشرته صحيفة نيويورك تايمز، رفض المحامون التعليق على أي حسابات بعينها، ولكنهم قالوا إن أي مزاعم بأن أصول نجلي الرئيس السابق "تشوبها مخالفات قانونية أو أنها كانت نتاجا للمحسوبية أو استخدام النفوذ" هي مزاعم "لا أساس لها من الصحة وتشهيرية". وأضاف البيان أن أي أصول مالية تابعة للشقيقين تم اكتسابها من خلال "أنشطة تجارية مهنية ناجحة". من بين عملاء كريدي سويس الآخرين المحسوبين على نظام مبارك، وفق الغارديان، قطب الأعمال الراحل حسين سالم الذي كان يوصف بأنه المستشار المالي للرئيس السابق على مدى نحو 30 عاما. وكان سالم، وهو ضابط مخابرات سابق، قد اتهم بقضايا فساد إبان عصر مبارك، أبرزها تصدير الغاز لإسرائيل بسعر أقل من السعر العالمي وتخصيص مساحات شاسعة من الأراضي له بالمخالفة للقانون بمنتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر. وقد حكم عليه بالسجن عام 2014 ثم تمت تبرئته عام 2015. وفي عام 2019، أبرم سالم اتفاق مصالحة مع الحكومة المصرية قبل وفاته بشهور تنازل بموجبه عن معظم ثروته. وأشارت التسريبات كذلك إلى حساب بنكي لهشام طلعت، الملياردير والعضو البارز في حزب مبارك الحاكم، الذي حكم عليه عام 2009 بالإعدام ثم خفف الحكم إلى السجن 15 عاما لإدانته بالوقوف وراء قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم. ولكن حسابه في كريدي سويس لم يغلق إلا في عام 2014، كما تشير الغارديان. كما تحدثت صحيفتا الغارديان ونيويورك تايمز عن حساب مرتبط برئيس المخابرات المصري السابق عمر سليمان الذي توفي عام 2012. إذ تقول نيويورك تايمز إن بعض أقارب سليمان فتحوا حسابا مشتركا في عام 2003 . وقد أظهرت البيانات المسربة أن قيمة الحساب ارتفعت لتصل إلى 52 مليون دولار بعد ذلك بأعوام قليلة. وكتبت الغارديان أن رصيد الحساب كان 26 مليون دولار أمريكي في عام 2017. ورغم أنه لم تتم إدانة سليمان في أي قضايا، إلا أن وسائل إعلام محلية ودولية وجهات حقوقية اعتبرته مسؤولا عن التجاوزات الحقوقية المزعومة التي تمت في عهد مبارك بصفته شخصية رئيسية من شخصيات النظام. وذكرت نيويورك تايمز أن الهيئات الإعلامية المشاركة في التحقيق حاولت الاتصال بأقارب سليمان دون نتيجة. ما الذي نعرفه عن وثائق باندورا؟ الجزائر وعُمان Getty Images وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار من بين عملاء كريدي سويس الذين ذكرت أسماؤهم في البيانات المسربة، أوردت صحيفة الغارديان اسم الجزائري خالد نزار الذي شغل منصب وزير الدفاع في بلده حتى عام 1993، والذي يجري التحقيق معه حاليا في سويسرا بتهم تتعلق بدوره المزعوم في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في الجزائر خلال ما يعرف ب "العشرية السوداء"، وهي الحرب الأهلية التي قتل فيها عشرات الآلاف من الجزائريين بين عامي 1991 و2000. وتقول صحيفة الغارديان إن دور نزار المزعوم في انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده كان قد وثق بشكل كبير بحلول عام 2004، وهو العام الذي فتح فيه حسابه. وبحسب الصحيفة، بلغ الحد الأقصى لرصيد نزار في ذلك الحساب 900 ألف دولار، وظل مفتوحا حتى عام 2013، أي بعد عامين من اعتقاله في سويسرا للاشتباه في ضلوعه في جرائم حرب. وينفي نزار كل التهم الموجهة إليه. شخصية جزائرية أخرى ورد اسمها في التسريبات التي أشارت إليها نيويورك تايمز هي الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد على مدى عشرين عاما قبل أن تتم الإطاحة به عام 2019 وتوافيه المنية بعد ذلك بعامين. وقالت نيويورك تايمز إن البيانات المسربة أظهرت أن بوتفليقة كان يمتلك حسابا مشتركا مع عدد من أقاربه بلغت قيمته 1.1 مليون دولار في عام 2005. سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد كان من بين الحكام العرب السابقين الذين أودعوا أموالا في كريدي سويس وفق التسريبات التي وردت تفاصيلها في نيويورك تايمز. وقالت الصحيفة إن قابوس كان يمتلك حسابين بلغ رصيد أحدهما حوالي 126 مليون دولار أمريكي في عام 2003، والآخر 57 مليون دولار في عام 2015. الأردن ينفي ما جاء وثائق باندورا ويؤكد أنها "تشوه الحقيقة" ما أبرز التسريبات التي هزت عالم المال في العقود الأخيرة؟ العاهل الأردني وزوجته وتشير نيويورك تايمز إلى أن غالبية الشخصيات السياسية التي أوردت التسريبات أسماءها بصفتها مالكة لحسابات في كريدي سويس إما توفيت أو لم تعد في السلطة. وتضيف الصحيفة أن الاستثناء الوحيد هو العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. Getty Images الملك عبد الله الثاني وزوجته الملكة رانيا تقول نيويورك تايمز نقلا عن البيانات المسربة إن الملك عبد الله امتلك ستة حسابات سويسرية، بما فيها حساب بلغ رصيده 224 مليون دولار أمريكي في عام 2015. كما أن قرينته الملكة رانيا كان لديها حساب تخطت قيمته 40 مليون دولار في عام 2013. وقد أغلقت تلك الحسابات في عامي 2015 و2016. وجاء في بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني نشرته الصحيفة أنه "ليس هناك أي تصرف غير قانوني أو غير لائق" فيما يتعلق بالحسابات الملكية. وأضاف البيان أن غالبية الأموال التي كانت موضوعة في أكبر حسابات الملك جاءت من ثمن بيع طائرة في مايو أيار عام 2015 بمبلغ 212 مليون دولار، وأن المبلغ المتبقي كان من "ثروته الخاصة" التي ورثها عن والده واستثمرها فيما بعد. وفيما يتعلق بحساب الملكة رانيا، قال البيان إن جزءا من قيمته أتى من ثروة الملك الخاصة التي ادخرها لأبنائه الأربعة. وأضاف البيان أن الرصيد المذكور في التسريبات غير دقيق، لكنه لم يقدم رقما مختلفا. وأشار البيان إلى أن الأموال استخدمت في شراء طائرة صغيرة وفي بعض الاستثمارات والنفقات الشخصية والمشروعات الاقتصادية والاجتماعية لصالح الشعب الأردني، فضلا عن تغطية نفقات صيانة المقدسات الإسلامية في القدس والتي تخضع لوصاية الملك. كما أصدر الديوان الملكي الأردنيبيانا آخر يوم الاثنين، وصف فيه ما ورد في التسريبات بأنه "قديم، ومضلل، وغير دقيق". فضائح أخرى تأتي التسريبات الأخيرة في أعقاب فضائح أخرى طاردت كريدي سويس، من بينها مغادرة اثنين من كبار مسؤوليه التنفيذيين لوظائفهم، بعد مزاعم بخرقهم لوائح كوفيد 19 والتجسس على موظفين سابقين. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أصبح كريدي أول بنك سويسري كبير يواجه اتهامات جنائية في تاريخ البلاد - وهي اتهامات ينفيها - تتعلق بمزاعم قيامه بالمساعدة في غسيل أموال من تجارة الكوكايين نيابة عن المافيا البلغارية. وترى صحيفة الغارديان أن تبعات التسربيات الأخيرة قد تتسبب في أزمة لسويسرا التي تحتفظ بواحد من أكثر القوانين المصرفية سرية في العالم. و تضيف الصحيفة أن التسريبات الأخيرة تلقي ضوءا نادرا على واحد من أضخم المراكز المالية في العالم والذي اعتاد على العمل في الظل، وتكشف أن قوانين السرية السويسرية الشهيرة ربما سهلت عمليات نهب ثروات بعض بلدان العالم النامي.