* طارق غانم في واقع من الأزمات المتجددة، التي تثار بين الفينة والأخرى بين المغرب وبلدان من التكتل الأوروبي، على غرار التوتر القائم حاليا في العلاقات المغربية الإسبانية من جهة أو الهولندية من جهة ثانية، وفي وقت سابق مع ألمانيا التي غيرت من سياستها تجاه مصالح المغرب العليا. وتأتي زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، اليوم الثلاثاء بالرباط لإجراء محادثات مع عدد من المسؤولين المغاربة بخصوص ملفات لم يُشر إليها، بيد أن معطيات تذهب في إتجاه رغبة أوروبية في نزع فتيل أزمات وبحث تقريب وجهات النظر في قضايا متعددة أبرزها ملفات الهجرة والأمن والتجارة. على ضوء الزيارة تبحث المسؤولة الأوروبية، وفق مراقبين عن تعزيز الشراكة الأوروبية-المغربية، وإبعادها عن تموجات السياسة على مستوى للعلاقات الثنائية بين المغرب وبعض البلدان الأوروبية، وآثارها على بنود الاتفاقيات الاقتصادية متعددة الأوجه بين الشريكين. ويسعى الاتحاد الأوروبي باستمرار إلى تطوير وتحسين الاندماج الاقتصادي المتزايد للمغرب في السوق الأوروبية الموحدة، كما ينظر أيضا للمغرب باعتباره حليفا أساسيا في مجالات الأمن والتعاون من أجل مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية إلى أوروبا. ورغم ذلك، فإن شراكات الاتحاد الأوروبي مع جيرانها في دول جنوب المتوسط تبقى محدودة الطموح، حتى في حالة المغرب الذي سعي لعقود من الزمن إلى تحقيق تقارب أوسع في علاقته مع الاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى، فإن وعي المغرب بمحدودية هذه العلاقة جعله يركز جهوده السياسية والديبلوماسية في سبيل بناء علاقات في أفريقيا ومناطق أبعد، كما بدأ أيضا في استثمار نفوذه في مجالات الأمن والهجرة من أجل المطالبة بتعاون اقتصادي أفضل وتبادل للخبرات، في الوقت الذي أصبح المغرب يصعّد من لهجته اتجاه أي شيء يرى فيه تدخلا سياسيا. وكان الاتحاد الأوروبي قد وقّع مع المغرب اتفاق شراكة موسعة عام 1996، دخل حيز التنفيذ عام 2000، وشمل جوانب عدة أهمها بالنسبة للمغرب تصدير المنتجات الزراعية بما فيها المتأتية من الصحراء المغربية ، وقد تم تجديده آخر مرة في العام 2012، وفق معطيات رسمية. وتتضمن هذه الشراكة أيضاً اتفاقاً للصيد البحري تم تجديده آخر مرة في 2019 ويمكن السفن الأوروبية الصيد في منطقة الصيد البحري بالمغرب، بما يشمل سواحل الأقاليم الجنوبية لمدة أربعة أعوام. وتحصل من خلالها الرباط، بموجب الاتفاق، في العام الأول على 48.1 مليون يورو "53.9 مليون دولار"، ثم 50.4 مليون يورو "56.5 مليون دولار" في العام الثاني، و55.1 مليون يورو "61.76 مليون دولار" في العامين الثالث والرابع. وتعتبر هذه الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي واحدة من الشراكات المتقدمة مع دول جنوب المتوسط الواردة فيما يعرف بقانون الجوار الأوروبي، إذ تضم واحدة من العلاقات التجارية المتقدمة للاتحاد الأوروبي مع بلد خارج أوروبا، بالإضافة إلى مبادرات متنوعة بما ذلك التبادل البرلماني والتعاون في مجال الأمن والهجرة وكذا تقديم المساعدة ضمن ألية الجوار الأوروبي، حيث وصلت إلى حوالي 200 مليون دولار سنويا ما بين 2014 و2017. وعلى إثر من الأحكام الصادرة من طرف محكمة العدل الأوروبية، في محاولة لممارسة مزيد من الضغوط السياسية على المغرب في ملف الصحراء، سبق للمغرب تعليق تواصله الديبلوماسي مع مفوضية الاتحاد الأوروبي بالرباط لفترة من الزمن، حيث بقيت العلاقات غير مستقرة إلى غاية سنة 2019 عندما اعتمد البرلمان الأوروبي نسخة معدّلة من اتفاق تحرير المبادلات بين الطرفين والذي ضمّ هذه المرة الصحراء واُعتبر بذلك لحظة تجديد للعلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، كما ثمّ تجديد اتفاق الصيد البحري بعد ذلك بوقت وجيز.