بوصول الملك محمد السادس إلى إثيوبيا يكون المغرب قد قطع شوطا مهما في رحلة استعادة مقعده داخل الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقا) حيث ينتظر أن يتم الحسم في الطلب الذي تقدم به المغرب قبل أشهر للعودة إلى المنظمة الإفريقية التي غادرها سنة 1984 . وخاض المغرب "معركة" دبلوماسية، خلال السنة الماضية، بحثاً عن استعادة عضويته بالمنظمة الإفريقية، التي انسحب منها غاضباً بعد قبول عضوية ما يسمى ب "الجمهورية العربية الصحراوية"، التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد، ولا تعترف بها الأممالمتحدة. وطوال سنوات "الجفاء المؤسساتي" بين المغرب و"منظمة الوحدة الإفريقية" وبعدها وريثها "الاتحاد الإفريقي"، ظل المغرب يحتفظ بعلاقات جيدة مع بعض الدول الإفريقية، خصوصا الدول الفرانكفونية غرب إفريقيا، وبعض الدول التي ارتبطت بالمغرب تاريخيا ودينيا. كما ظل يعول على التاريخ ومرور الأيام، مع توالي حسب العديد من الدول الإفريقية لاعترافها بما يسمى"الجمهورية الصحراوية"، قبل أن تكشف الرباط عن "سياستها الإفريقية" الجديدة، في السنوات الثلاث الأخيرة، من خلال خطابات الملك الموجهة للجمعية العامة للأمم المتحدة ومناسبات أخرى. وهي السياسة التي اختصرها، خطاب محمد السادس، إلى القمة 27 للاتحاد الإفريقي في العاصمة الرواندية كيغالي، الصيف الماضي، بقوله إنه "رغم كون المغرب قد غاب عن منظمة الوحدة الإفريقية، فإنه لم يفارق أبداً إفريقيا".
قصة العودة مع حركة دبلوماسية مغربية نشطة في إفريقيا خلال الشهور الأولى من سنة 2016، ظلت الرباط تتكتم على رغبتها في العودة إلى المنظمة الإفريقية الإقليمية، وتخفيها خلف الإعلان عن استثمارات اقتصادية كبرى في عدد من الدول الإفريقية، وتعاون أمني إقليمي ودولي لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة. وبحلول 17 يوليو عشية قمة كيغالي، الملك رسالة إلى القمة، قال فيها إن "أصدقاءنا يطلبون منا، منذ أمد بعيد العودة إلى صفوفهم، حتى يسترجع المغرب مكانته الطبيعية، ضمن أسرته المؤسسية، وقد حان الوقت لذلك". ولم تكن عضوية جبهة البوليساريو في الاتحاد الإفريقي لتغيب عن رسالة الملك محمد السادس لقمة كيغالي، حيث اعتبر أن "الاتحاد الإفريقي في وضعية تعارض واضح مع الشرعية الدولية. فهذا الكيان المزعوم (يقصد البوليساريو) ليس عضواً لا في منظمة الأممالمتحدة، ولا في منظمة التعاون الإسلامي، ولا في جامعة الدول العربية، ولا في أي هيئة أخرى). تاركاً معالجة عضوية البوليساريو إلى ما وصفه ب "حكمة الاتحاد الإفريقي"، قائلاً إن المغرب "يثق في حكمة الاتحاد الإفريقي، وقدرته على إعادة الأمور إلى نصابها، وتصحيح أخطاء الماضي". ولم تختتم قمة كيغالي، حتى ضمن المغرب موافقة 28 دولة إفريقية على "عودته" للاتحاد الإفريقي، حتى قبل أن يتقدم بطلب رسمي بذلك. وفي 22 سبتمبر الماضي تقدم المغرب رسميا بطلب انضمامه إلى منظمة الاتحاد الإفريقي. زيارات ملكية وفي سياق سعي المغرب لاستعادة مقعده، قام العاهل المغربي منذ أكتوبر الماضي بزيارات رسمية إلى عدد من الدول الإفريقية، التقى خلالها رؤساء وقادة هذه الدول. زيارات لم يعد خافياً طابعها السياسي، وإن كان للاقتصاد حضور بارز فيها. وزار الملك محمد السادس، عدة دول إفريقيا الشرقية، لأول مرة منذ اعتلائه عرش المملكة المغربية، صيف 1999، بدأها برواندا وتنزانيا. وأطلق الملك خلال زيارته لروندا مجموعة من الاستثمارات المغربية في هذين البلدين همت قطاعات عدة بينها التربية والصحة والفلاحة. كما تم توقيع 22 اتفاقية للتعاون بين المغرب وتنزانيا، وهيمنت على هذه الاتفاقيات قطاعات الطاقة والمعادن والفلاحة والأسمدة والطاقات المتجددة والنقل الجوي والسياحة وقطاع الأبناك، وغيرها، إضافة إلى التعاون في المجال الديني. وفي نوفمبر الماضي قام الملك محمد السادس بزيارة السنغال، التي تحتفظ مع المغرب بعلاقات جيدة، وتعتبر من حلفاء المغرب في المنطقة. على أن ما ميز زيارة العاهل المغربي هذه للسنغال، توجهه في 6 نوفمبر لأول مرة خارج المغرب، بخطاب الذكرى السنوية ل "المسيرة الخضراء"، التي يحتفل فيها المغرب باسترجاع إقليم الصحراء من المستعمر الإسباني في 1975. ومن خلال هذا الخطاب وجه العاهل المغربي رسائل سياسية إلى من يعتبرهم المغرب "معرقلون" لعودته للاتحاد الإفريقي، وقال "عندما نخبر بعودتنا، فنحن لا نطلب الإذن من أحد، لنيل حقنا المشروع. فالمغرب راجع إلى مكانه الطبيعي". وفي النصف الثاني من الشهر نفسه، وبداية ديسمبر، استأنف العاهل المغربي جولته الإفريقية، والتي قادته هذه المرة إلى كل من إثيوبيا ومدغشقر ونيجيريا، والتي وقع فيها الملك محمد السادس بمعية قادة هذه البلدان على العشرات من الاتفاقيات والمشاريع الاقتصادية. غير أن العنوان الأبرز لهذه الزيارات وتحركات أخرى قامت بها الدبلوماسية المغربية، هي "دعم قرار المغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي ابتداء من قمة اديس ابابا". حوادث في الطريق لم يكن طريق عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي بدون "حوادث" قد تؤخر سرعة وصوله إلى مقر الاتحاد في أديس أبابا. فقد اتهم المغرب رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، الجنوب إفريقية، نكوسازانا دلاميني زوما (منتهية ولايتها)، ب "عرقلة" قراره العودة إلى الاتحاد. واتهم المغرب زوما بأنها "أخرت، بشكل غير مبرر، توزيع طلب المغرب على أعضاء الاتحاد الإفريقي". وهو ما ردت عليه زوما بكون لجنة تلقي الردود على الطلب المغربي لا تزال تجمع ردود ومواقف الأعضاء من طلب المغرب، وأن "طلب المغرب يسير طبقا لما هو قانوني وحين تتوصل المفوضية بردود الدول الأعضاء ستخطر صاحب الطلب بالنتائج". الخطوات الأخيرة بالموازاة مع التحركات الخارجية، التي قادها الملك محمد السادس والآلة الدبلوماسية المغربية طيلة الشهور الأخيرة، ظلت مساعي عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، تحتاج إلى استحقاق قانوني وسياسي مغربي داخلي، يتمثل في المصادقة على مشروع قانون يوافق بموجبه على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، قبل 22 يناير الجاري، الذي انطلقت فيه القمة 28 للاتحاد. وتعتبر المصادقة على الميثاق التأسيسي، وفق الإجراءات القانونية التي يقرها دستور الدولة الراغبة في الانضمام، شرطاً ضروريا للانضمام للاتحاد. لكن هذا المصادقة بالشروط الدستورية التي يقرها دستور المغرب، اصطدمت بكون مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) الذي تعود إليه المصادقة النهائية على الاتفاقيات الدولية، لم يكن قد انتخب رئيسه وهياكله، بعد حوالي 3 أشهر من انتخاب أعضاء المجلس، نتيجة خلافات بين الأحزاب. وفي 10 يناير، دعا عاهل المغرب، خلال اجتماع للمجس الوزاري، إلى "ضرورة تسريع مسطرة (إجراءات) المصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، بما في ذلك اعتماده من طرف مجلسي البرلمان". هذه الدعوة كانت سبباً مباشراً في اتفاق الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب، في اجتماع برئاسة رئيس الحكومة المكلف، عبد الإله بنيكران، على عقد جلسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس المجلس وتشكيل هياكله، حتى قبل تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد، تمهيدا للمصادقة على الانضمام للاتحاد الإفريقي. وفي 16 من الشهر نفسه، انتخب رئيس مجلس النواب، وفي اليوم التالي تم تشكيل هياكل المجلس، بينها لجنة الخارجية، التي تختص بدراسة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي يريد المغرب الانضمام إليها، قبل أن يصادق المجلس، في 18 يناير، مبدئيا، على مشروع القانون الذي تنضم بموجبه المغرب مرة أخرى لمنظمة الاتحاد الإفريقي، ويصادق عليه مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) نهائيا، ليلة اليوم الموالي. وبحلول يوم 19 يناير، دخل القانون، حيز التنفيذ، بعد صدروه في الجريدة الرسمية.، وبنشره في الجريدة الرسمية، دخل هذا القانون التاريخ كأسرع قانون ينشر في الجريدة الرسمية، حسب مراقبين. الوصول إلى أديس أبابا انطلقت منذ الأحد 22 يناير، الأعمال التحضيرية، على مستوى المندوبين ووزراء الخارجية، تحضيرا لقمة الاتحاد المقررة في (اليوم الإثنين وغداً الثلاثاء) ، ومعها كان موضوع "عودة" المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في جدول أعمال القمة. وخلال الاجتماعات حصلت المغرب على موافقة 39 عضواً بالاتحاد من أصل 54، قبل أن تتحدث مصادر دبلوماسية مغربية لاحقا عن تخطيها عتبة ال40 عضواً، في الوقت التي تحتاج فيه الرباط إلى 28 عضواً فقط لقبول طلبها.
وفي أعقاب ذلك وصل العاهل المغربي الملك محمد السادس، ليلة الجمعة إلى أديس أبابا، تزامنا مع انعقاد القمة، وقال بيان لوزارة القصور الملكية إن الزيارة "تندرج في إطار المساعي التي يبذلها جلالة الملك، من أجل عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي". لكن البيان لم يؤكد حضور الملك محمد السادس أعمال القمة من عدمه. ومساء السبت الماضي، أصدرت المفوضية الإفريقية، بيانا عن استقبال رئيسة المفوضية، نكوسازانا دلاميني زوما، لوزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، ومدير مديرية الدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية)، ياسين المنصوري، وسفيرة المغرب في أديس أبابا، نزهة العلوي المحمدي، على هامش القمة. وقال البيان إن زوما، ناقشت مزوار ومرافيقه "الوضع الذي وصل إليه الطلب المغربي للانضمام إلى الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي"، مضيفا أن زوما أبلغت المسؤولين المغاربة أن طلب المغرب "قد أدرج ضمن جدول أعمال القمة، بمجرد التوصل بالحد الأدنى من ردود أعضاء الاتحاد الإفريقي". وختم البيان بالقول إن "القرار بشأن الطلب سيبلغ رسميا الى المملكة المغربية، بعد مؤتمر القمة". وهو ما قد يعني أن الإعلان عن مصير طلب المغرب سيكون مع نهاية القمة، في الوقت الذي كان ينتظر أن يحسم الأمر في الاجتماع المغلق الذي يعقده قادة الدول الأعضاء في الاتحاد، صباح اليوم الاثنين، قبل الجلسة الافتتاحية للقمة.