تطورات متسارعة، شهدتها علاقات المغرب مع ألمانيا وإسبانيا، نتيجة مواقفهما المعادية للوحدة الترابية للمملكة، والتي برزت بشكل علني، منذ قرار الرئيس الأمريكي الأسبق، دونالد ترامب، باعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه. الخلافات التي طفت على السطح في الأشهر الأخيرة بين الرباطومدريدوبرلين، تسارعت أحداثها بداية، في يوم 6 ماي المنصرم، حينما استدعت المملكة سفيرتها لدى برلين زهور العلوي، بسبب موقف ألمانيا "السلبي" بشأن قضية الصحراء المغربية و"محاولة استبعاد الرباط من المشاورات حول ليبيا"، حيث قالت الخارجية المغربية في بلاغ، حينها، إن "ألمانيا راكمت المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة".
وفي 18 من ذات الشهر، استدعت المملكة المغربية، سفيرتها لدى مدريد كريمة بنيعيش، بعد أن استدعتها الخارجية الإسبانية، احتجاجا على تدفق نحو 8 آلاف مهاجر غير نظامي من المغرب إلى مدينة سبتةالمحتلة.
وما فاقم التوتر بين الرباطومدريد، استضافة إسبانيا إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، سرا وبهوية مزيفة، في خطوة رأتها المملكة مخالفة لروح الشراكة والجوار، أما ألمانيا فقد اختارت الوقوف ضد مصالح المغرب والانحياز إلى إسبانيا مستغلة ورقة الهجرة لصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقة للخلاف المغربي–الإسباني، في خطوة راكمت بها برلين عداءها للرباط في أعقاب مساعيها للوقوف ضد الاعتراف الأميركي الرسمي بالسيادة المغربية على الصحراء، حيث أقدمت برلين على الاعتراض على صيغة القرار الأمريكي حول الصحراء، وسعت لعرقلة ذلك الاعتراف، وبادرت إلى طلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي وكانت عضوا غير دائم فيه.
واعتبرت حكومة برلين، في تعليق على الأزمة مع الرباط، أنه لا يوجد سبب لعرقلة العلاقات الدبلوماسية، ولهذا طلبت مؤخرًا من الحكومة المغربية تفسيرًا لاستدعاء سفيرها في برلين للتشاور في 6 ماي 2021.
ويعتقد أن الأزمة الدبلوماسية للمغرب مع ألمانيا وإسبانيا، لن تؤثر على طبيعة علاقاته مع بقية شركائه الأوروبيين، خاصة في ظل استمرارية المواقف الضبابية لبرلينومدريد بشأن النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية.
وفي هذا الصدد، قال محمد أكضيض، الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إن التاريخ يسجل أن هناك تحول جذري في مسارات الديبلوماسية المغربية بريادة الملك محمد السادس، بعدما كانت في السابق محتشمة غير قادرة على الرد وخاصة في مواجهة بعض القوى العظمى التي اختارت كفة المصالح كامتداد لأصولها الاستعمارية".
وأضاف أكضيض، في تصريح ل"الأيام24″، أن فترة دخول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى أحد المستشفيات في ألمانيا، بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد، جعلت سياسة برلين تتغير بشكل كبير في علاقاتها مع المغرب وبالتالي فإن ألمانيا تلهث وراء البترول والغاز الجزائري وهذا لا محيد عنه".
واعتبر المحلل السياسي، أن "المشترك بين اسبانياوألمانيا هو مصادر الطاقة واللهث ورائها، بمعنى المصالح الاقتصادية هي التي أصبحت تطبع سياسة برلينومدريد، في تعاملها مع المغرب ومواقفهما المعادية للوحدة للترابية للمملكة".
ولفت أكضيض، "أنه من يملك مصادر الطاقة النفط والغاز اليوم يمكن أن يحول القرارات السياسية وتذهب الأخلاق السياسية بطبيعة الحال وهذا هو الاشكال ولكن المتغيرات السياسية اليوم كثيرة في العالم ومن ضمنها علاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي".
وأوضح الخبير المغربي، أن "العلاقات اليوم هي متعددة ولا يمكن بناء علاقات استراتيجية مع دولة ما دون الاعتماد على جوانب كثيرة ولكن كانت هناك نظرة قصيرة أحادية لمصادر الطاقة الجزائرية، بالنسبة لإسبانيا وألمانيا، معتبرا أن هناك تداعيات سلبية بالنسبة لإسبانيا داخل المكون السياسي للسلطة الحاكمة بمدريد، خاصة بعد قرار المغرب استثناء موانئ اسبانيا من عملية مرحبا 2021، وما يترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية على الشركات الإسبانية.
ولفت أكضيض، أن " الديبلوماسية المغربية، اليوم، لا تقبل بعهد استعماري في صورة لعبة المصالح والهيمنة بل إن المملكة المغربية تؤدي ضريبة الصعود كقوة صاعدة ولكن الانتصار حليفنا لأن المغرب دائما ظل وفيا لالتزاماته الدولية ومنها التعاون الاستراتيجي لمحاربة الإرهاب وغيره".
ورغم أن الأزمة مع البلدين تبدو أقل حدة مما كانت عليه قبل أسابيع، فإننا يمكن أن نقرأ في بعض المنابر الإعلامية الإسبانية والألمانية مؤشرات حول انفراج محتمل، تتمثل في استدعاء ألمانيا للمغرب لحضور مؤتمر جديد في برلين بخصوص الأزمة الليبية، ووجود تحركات إسبانية على أعلى مستوى لتسريع إنهاء الأزمة مع الرباط، التي من المؤكد أن مدريد تضررت منها كثيرا على المستويين الاقتصادي والسياسي.