في هذا الحوار نستمع لوزير الطاقة و المعادن، عزيز رباح، الذي يتحدث عن استراتيجية الدولة في ما يتعلق بالبيئة و حماية الأرض، بمناسبة اليوم العالمي للأرض، الذي يشكل مناسبة للأهامام بشكل أكبر بكوكب الأرض الذي يواجه مجموعة من التحديات، في ظل الاستغلال العشوائي و المفرط لثرواته الذي أدى إلى اختلالات قد تهدد وجودنا إذا لم نتدارك الأمور. ********** + الملاحظ أن المغرب في السنوات الأخيرة أصبح يهتم بشكل أكبر بمجال البيئة والمناخ والأرض، خاصة بعد تنظيمه لمؤتمر الأطراف "كوب 22". في ظل هذا الاهتمام يبرز سؤال ما الذي فعله المغرب لحماية البيئة والأرض؟
دائما ما عبر المغرب عن التزامه الكبير في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وذلك من خلال توقيعه على جل الاتفاقيات المتعددة الأطراف حول البيئة وعزمه الجاد على إدراج مقتضياتها في مختلف سياساته وبرامجه التنموية.
وقد تجسد هذا الالتزام السياسي، على أعلى مستوى تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادسمن خلال إيلاء عناية كبيرة لحماية البيئة وجعلها ضمن الأولويات الوطنية. وفي هذا الإطار، تمت المصادقة على القانون الإطار 99-12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، وتنزيله من خلال إعداد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتي تم اعتمادها من طرف المجلس الوزاري المنعقد، بتاريخ 25 يونيو 2017، تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة، والتي تشكل إطارا مرجعيا لكل البرامج القطاعية، وذلك بهدف تحقيق الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر الدامج في أفق 2030.
ففي إطار تفعيل مقتضيات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، نقوم بعدة إجراءات مهيكلة لرفع التحديات وكسب الرهانات المرتبطة بحماية البيئة وتثمين الموارد الطبيعية، ومواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، وتحسين الإطار البيئي لعيش المواطن. وهكذا، وعلاقة بالحكامة البيئية، تم إحداث عدة لجن تهم تتبع ومواكبة أهداف التنمية المستدامة، والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، والتغيرات المناخية والتنوع البيولوجي والساحل. كما تم إعداد 28 مخططا قطاعيا للتنمية المستدامة بالإضافة إلى مخطط أفقي يتعلق بمثالية الإدارة.
أما الإطار القانوني فتتم تقويته من خلال إصدار مجموعة من القوانين، كقانون الساحل وقانون التقييم البيئي، والشروع في إعداد قوانين أخرى، مثل مشروع قانون بمثابة مدونة للبيئة، ومقترح القانون المتعلق بالمناخ، ومشروع القانون المتعلق بالحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، إضافة إلى إطلاق مسلسل مراجعة القانون المتعلق بتدبير النفايات. كما تم تعزيز المراقبة البيئية والتنسيق مع الهيآت المعنية في هذا الشأن، وتقوية أجهزة الرصد واليقظة البيئية.
ومن أجل تعزيز المحافظة على البيئة على المستوى الوطني، تساهم الوزارة في إنجاز عدة برامج تهم التأهيل البيئي نذكر منها على سبيل المثال البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها، الذي مكن من رفع نسبة جمع النفايات المنزلية حاليا إلى 95 % ونسبة طمر النفايات بالمطارح المراقبة إلى 63 % ؛ والبرنامج الوطني لتثمين النفايات، الذي مكن من وضع 6 منظومات لتثمين النفايات في إطار الشراكة مع القطاع الخاص، تهم البطاريات المستعملة، والزيوت الغذائية المستعملة والدهون الحيوانية، والزيوت الصناعية المستعملة، ونفايات الورق والكارتون، والعجلات المستعملة ؛ ثم البرنامج الوطني للوقاية ومكافحة التلوث ؛ وبرنامج التدبير المندمج للساحل. كما أن المغرب يعد بلدا رائدا في مكافحة تغير المناخ، سواء من خلال اعتماد سياسة مناخية من أجل تنمية منخفضة الكربون ومتكيفة مع تأثيرات تغير المناخ، أومن خلال مشاركته المميزة في التظاهرات العالمية، أو عن طريق تنظيم بعضها على أراضيه، وكذا عبر إحداث هياكل وطنية متخصصة، مثل مركز كفاءات التغير المناخي في المغرب.
من جهة أخرى، تم تحقيق تقدم ملحوظ في مجال دمج الاستدامة في القطاعات الأساسية للتنمية كالطاقة والنقل والصناعة وغيرها. وفي هذا الإطار، وبالنظر للدور الكبير الذي يلعبه قطاع الطاقة لتحقيق أهداف الاستدامة، تبنى المغرب استراتيجية طاقية وطنية تهدف إلى تثمين الموارد الطاقية المتجددة، وتعزيز النجاعة الطاقية والاندماج الجهوي. وحددت هذه الاستراتيجية بتوجيهات ملكية سامية أهداف جد طموحة في مجال تطوير الطاقات المتجددة، من خلال رفع مساهمتها في إجمالي الطاقة الكهربائية المثبتة إلى52 % في أفق 2030، والتي تبلغ حاليا حوالي 37 % من الحجم الإجمالي المثبت (حوالي 4000 ميغاوات).
بالإضافة إلى ذلك، فقد تم إطلاق أوراش جديدة للبحث عن مصادر أخرى للطاقة المستدامة، من خلال برنامج التثمين الطاقي للكتلة الإحيائية، والبرنامج المندمج لمواكبة مصانع تحلية مياه البحر بالطاقات المتجددة، وإعداد خارطة طريق لتطوير الطاقة البحرية. كما نطمح إلى أن نصبح فاعلا أساسيا في مجال الطاقة الهيدروجينية.
كما تمت مواكبة هذه الاستراتيجية بمجموعة من الإصلاحات التشريعية تهم بالأساس الإنتاج الذاتي للطاقة لتشجيع الاستثمارات في هذا الميدان، وتحسين ولوج هذه المشاريع لمصادر التمويل، من خلال برامج مهيكلة ومندمجة بالإضافة إلى تشجيع البحث والابتكار. بحيث تم في هذا الإطار، برمجة إنجاز مركب خاص بالبحث والتنمية في مجال البنايات الخضراء والنجاعة الطاقية والشبكات الذكية. وقد تمكنا بفضل هذه السياسة الطاقية المستدامة، من رفع سقف طموحاتنا في مجال تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة في إطار اتفاق باريس من خلال تحديد هدف جديد في المساهمة المحددة وطنيا يفوق 46 % في أفق 2030.
أما على مستوى الدبلوماسية البيئية، فقد تم اعتماد مقاربة مندمجة تروم المساهمة في الحفاظ على البيئة وتثمينها من خلال لعب دور محوري في التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف. وهكذا تمت تعبئة ما يناهز 228 مليون دولار في إطار التعاون الدولي خلال الأربع سنوات الماضية (الصندوق الأخضر للمناخ، صندوق البيئة العالمي، التعاون الثنائي، إلخ) من أجل تمويل وتنفيذ ما يزيد عن 30 مشروع في مجال البيئة والتنمية المستدامة.
وقد مكنت هذه المجهودات من أن تبوأ المغرب دورا رياديا على المستوى الجهوي والعالمي بحيث تحتل بلادنا المراكز الأولى في مجموعة من التقارير الدولية نذكر منها تصنيفه مؤخرا في الرتبة الرابعة دوليا في مؤشر الأداء المناخي لسنة 2021.
+ ما هي الأهداف التي تطمحون إليها في المستقبل بخصوص حماية الأرض و البيئة، خاصة وأن المغرب أصبح يضع البيئة ضمن الأوراش الكبرى التي تشتغل عليها الحكومة؟
تسعى المملكة المغربية الى تحقيق التنمية المستدامة من خلال تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي تشكل ورشا استراتيجيا بهدف دمج الاستدامة في كل السياسات العمومية القطاعية وضمان الانتقال إلى اقتصاد أخضر وشامل.
وفي هذا الإطار ستتم متابعة تعزيز المنجزات المحققة سواء على مستوى الحكامة البيئية وبالخصوص من خلال تعزيز اللاتمركز، أو على المستوى القانوني من خلال تحيين وتجديد النصوص القانونية، أو على مستوى تعزيز نظام اليقظة البيئية من خلال تطوير آليات التتبع والتقييم والوقاية، أو على مستوى تنمية الآيات الاقتصادية والمالية بهدف جلب موارد مالية إضافية، ثم على مستوى متابعة تنفيذ برامج لحماية واستصلاح البيئة وتثمين الموارد والأوساط الطبيعية.
وفي هذا الإطار، تم إعداد مجموعة من البرامج البيئية الموضوعاتية ذات الأولوية في أفق 2030، سيتم تنفيذها بالتشاور مع الجهات الفاعلة المعنية لتعزيز التنسيق والملائمة مع أهداف التنمية المستدامة وهي: – البرنامج المندمج للرصد والحراسة والمراقبة الذي يهدف إلى تعزيز نظام اليقظة البيئية من خلال دعم آليات المساعدة في اتخاذ القرار خاصة الأنظمة المعلوماتية والتقارير البيئية، وتقوية شبكات الرصد، وتعزيز المراقبة البيئية ووسائل الامتثال للقوانين؛ – برنامج حماية وتعزيز الأوساط الطبيعية الذي يهدف إلى تعزيز تكيف الأوساط الطبيعية، والحد من الضغوط التي تعاني منها، وتشجيع التثمين الاقتصادي والاجتماعي؛ – برنامج محاربة التلوث والذي يهدف إلى الحد من الإذايات المرتبطة بأنواع مختلفة من الملوثات، وبالخصوص بالمناطق الصناعية، من خلال تعبئة الفاعلين المعنيين، ووضع إجراءات تحفيزية؛ – برنامج رصد جودة الهواء الذي يهدف إلى تعميم شبكة الرصد على كل التراب الوطني، بهدف إبلاغ السلطات المحلية وأصحاب القرار من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة تلوث الهواء؛ – برنامج تدبير النفايات، والذي يهدف إلى تقليص الإذايات المرتبطة بالمطارح العشوائية والنقط السوداء وتحسين إطار عيش المواطنين. كما يهدف إلى تعزيز الإجراءات المتعلقة بتقليص النفايات في المصدر، وفرز وتثمين النفايات في إطار مقاربة مندمجة للاقتصاد الدائري بشراكة مع الإدارات المعنية والمهنيين.
+ يبدو أننا اليوم في حاجة إلى بناء مواطن واعي بمفاهيم تغير المناخ ومدرك للتهديدات التي تواجه كوكبنا. في هذا الإطار ماذا فعلته الحكومة فيما يتعلق بمحو الأمية المناخية والبيئة؟
بالفعل فإن التوعية والتربية على البيئة والمناخ والتنمية المستدامة تشكل محاور أساسية في برامج عمل هذه الوزارة من أجل المساهمة في خلق تعبئة عامة حول قضايا البيئة والمناخ، ولترسيخ ثقافة بيئية لدى كافة مكونات المجتمع، تقوم على التحسيس بأهمية المكونات البيئية وبهشاشتها اتجاه التغيرات المناخية واتجاه الضغوط التي تتعرض لها، وأيضا بالبرامج والمنجزات التي يتم تحقيقها، وكذا بالواجبات التي يتحتم الالتزام بها، مستعينة في ذلك بكل الوسائل من ضمنها الوسائل السمعية البصرية والمكتوبة والإلكترونية وغيرها.
وتندرج هذه البرامج في إطار تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي تتضمن رهانا يتعلق بالنهوض بثقافة التنمية المستدامة. كما أن تقوية المواطنة البيئية يعد أكبر الأولويات التي ترتكز عليها الاستراتيجية المذكورة.
وتضم هذه البرامج تنظيم حملات تحسيسية عبر بث وصلات وكبسولات تحسيسية بالقنوات التلفزية والإذاعات والمواقع الإلكترونية، إضافة إلى المشاركة في مجموعة من الملتقيات الوطنية والمعارض الوطنية التي تعنى بالبيئة والمناخ والتنمية المستدامة، كما عملنا على تطوير الموقع الإلكتروني للوزارة الذي يتضمن ركنا خاصا بالتربية على البيئة والمناخ والتنمية المستدامة، و إحداث الأندية البيئية بالمؤسسات التعليمية وبدور الشباب ودور الطالبة مجهزة بالمعدات المعلوماتية والسمعية البصرية والمؤلفات البيئية، حيث تم إحداث حوالي 600 نادي بيئي، دون أن ننسى تنفيذ برنامج مندمج للتربية البيئية بالمؤسسات التعليمية، والذي يقوم على خلق مؤسسات تعليمية خضراء بمواصفات بيئية عالية، و تعزيز قدرات ومهارات منشطي ومؤطري النوادي البيئية عن طريق تنظيم الدورات التكوينية في مجال التربية على البيئة والمناخ والتنمية المستدامة، و تجهيز 5 وحدات متنقلة للتوعية والتربية البيئية لدعم أنشطة التربية على البيئة والمناخ والتنمية المستدامة على المستوى الجهوي والمحلي في إطار سياسة القرب التي تنهجها الوزارة، و تهيئة فضاء خاص بالتربية البيئية داخل بناية هذه الوزارة مجهز بمجموعة من المعدات والتجهيزات البيداغوجية لتأطير ورشات في مجال التربية على البيئة والتنمية المستدامة، دون أن ننسى إصدار وتوزيع عدة مدعمات تربوية (مطويات، ملصقات، كتيبات…) بالمؤسسات التعليمية ومراكز الشباب والمخيمات وخلال كل التظاهرات التي تعنى بالشأن البيئي والمناخي في بعدها التربوي.
+ مؤخرا ترأستهم المنتدى الدولي للتكنولوجيات البيئية، وفي كلمتكم عبرتم عن التزام المغرب القوي من أجل انطلاقة خضراء لإفريقيا بعد جائحة كورونا. في كلمتكم تحدثتم عن البعد القاري للإستراتيجية المغربية في حماية المناخ و البيئة، هل نفهم من كلامكم أن المغرب مؤهل اليوم لتسويق تجربته دوليا بداية بالقارة الإفريقية ؟
تعتبر التنمية المستدامة خيارا استراتيجيا التزمت المملكة المغربية بمبادئه منذ سنة 1992. ومن خلال المسار الذي تم قطعه منذ ذلك الحين في هذا المجال، تتضح مدى أهمية التراكمات التي حققها المغرب في هذا المجال والتي تجعله يحقق الريادة على المستوى القاري بل حتى على المستوى العالمي.
المكتسبات الكبيرة التي تحققت في مجال حماية البيئة والمناخ والتنمية المستدامة خلال العشرين سنة الأخيرة، والتي توجت بتنظيم المغرب للدورة 22 من مؤتمر الأطراف حول المناخ بمراكش سنة 2016، تجعل بلادنا قدوة للعديد من البلدان، وتمكنه من وضع تجربته وخبرته رهن إشارتها في إطار التعاون جنوب-جنوب الذي يشكل محورا أساسيا في استراتيجية التعاون الدولي لبلادنا وبالخصوص اتجاه القارة الإفريقية.
وفي هذا الصدد، وفي إطار دعم وتعزيز القدرات بالبلدان الإفريقية الصديقة والشقيقة، فقد انخرط المغرب في مسلسل لدعم اللجان الثلاثة المنبثقة عن القمة الأفريقية حول المناخ المنعقدة بمراكش سنة 2016 على هامش مؤتمر كوب22، بمبادرة من الملك، ولا سيما لجنة المناخ بحوض الكونغو قصد تفعيل الصندوق الأزرق لحوض الكونغو، وكذا لجنة المناخ لمنطقة الساحل بدعم من مركز كفاءات التغير المناخي في المغرب.
كما أن المغرب، انطلاقا من تجربته الاستباقية في مجال التغير المناخي، أطلق العديد من المبادرات القارية كمبادرة التكيف للفلاحة الإفريقية مع آثار التغير المناخي و مبادرة الاستدامة والأمن والاستقرار في إفريقيا، بشراكة مع السنغال، التي تهدف إلى تقليص آثار مخاطر الكوارث المرتبطة بالتغير المناخي، وتعزيز القدرة على الصمود وتحسين دخل السكان المعنيين بالقارة الأفريقية، ومبادرة "المياه من أجل أفريقيا"، التي تم إطلاقها بدعم من بنك التنمية الأفريقي لتعبئة التمويل لمشاريع الأمن المائي الهيكلية، إضافة إلى مبادرة "الحزام الأزرق"، التي تهدف إلى تعزيز قدرة المجتمعات الساحلية على الصمود والصيد المستدام وأنشطة تربية الأحياء المائية، والمبادرة التي تم إطلاقها بشكل مشترك مع إثيوبيا بمناسبة قمة الأممالمتحدة للمناخ التي نظمت بنيويورك في شتنبر 2019 ، والتي تهدف إلى ضمان حصول 100٪ من البلدان الأقل نموا على الطاقة بحلول سنة 2030.