اشتد الصراع التركي الفرنسي حول المصالح الاستراتيجية لكلا البلدين بشكل كبير في الفترة الماضية، وانتقل إلى جبهة جديدة، إذ دفعت السياسة التوسعية لتركيا في إفريقيا والمغرب العربي، فرنسا لمواجهتها بمعارضة قوية بحيث أن باريس تعتبر نفسها قوة في المنطقة. وبرز التدخل التركي في المنطقة المغاربية خلال السنوات الأخيرة، من خلال رغبة أنقرة في لعب دور إقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هذه الرغبة اصطدمت بشكل مباشر بمصالح فرنسا خاصة في المغرب.
وعلى الرغم من أن تركيا لا تمثل خطرا كبيرا على فرنسا في المغرب الحليف التاريخي والاستراتيجي، بما أنها لا تملك صناعات متطورة سيكون المغرب مجبرا على شرائها، لكنها نجحت في الحضور بشكل لافت في سوق المشاريع المغربية وأصبحت تنافس الشركات الفرنسية في تجهيز البنية التحتية وقطاع النسيج والمنتجات الغذائية والآلات الكهرومنزلية، وتشير الأرقام الرسمية في المغرب إلى أن عجز الميزان التجاري لصالح تركيا تضاعف خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث وصل إلى 16 مليار درهم، في حين لم يكن يتجاوز عام 2013 عتبة 8 ملايير درهم.
ويرى حسن بلوان، متخصص في العلاقات الدولية في حديثه مع "الايام 24″، أن التنافس الفرنسي التركي يؤثر بشكل كبير على المغرب باعتباره ساحة للاستقطاب الحاد الذي اشتدت وتيرته خلال السنوات الاخيرة بين مجموعة من القوى الدولية واتخذ ابعادا سياسية واقتصادية وثقافية، مشيرا إلى أن المغرب يحاول الحفاظ على التوازن بين هذه الدول ارتباطا بالحاجة الى مواقفها اتجاه قضية الصحراء المغربية.
وأكد المحلل السياسي أن الحضور التركي في الميدان المغاربي عامة أثار حفيظة فرنسا التي دخلت في خلاف وصراع علني مع الاتراك في مجموعة من الملفات، كان 0خرها الصراع الليبي، الذي لعب فيه المغرب دورا هاما من خلال احتضان اللقاءات التفاوضية بين جميع الاطراف المدعومة من تركيا ومن فرنسا. والمغرب، حسب رأي المتحدث ذاته، لا يمكنه التفريط في فرنسا كحليف تقليدي واستراتيجي، ولا يمكنه استعداء تركيا كقوة نامية بدأ نفوذها يتكاثر في المنطقة.
وعن وجهات النظر التي تتحدث عن انزعاج فرنسي من الحضور التركي في المغرب، قال حسن بلوان، في حديث مع "الايام 24″، إن الحضور المتنامي لتركيا في المغرب يزعج بكل تأكيد جميع الدول والشركاء التقليديين للمغرب، خاصة فرنسا واسبانيا، فالمنتوجات التركية الصناعية والغذائية والمتعلقة بالنسيج لقيت اقبالا كبيرا من المستهلك المغربي مما ازعج الدوائر الاقتصادية في فرنسا، مضيفا أن الخطاب الحاد الذي تبناه وزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي مؤخرا وتهديده بإلغاء اتفاق التبادل الحر مع تركيا، يفسر حجم الضغط الفرنسي على المغرب لوقف المد الاقتصادي التركي، لافتا إلى أن مبررات عجز الميزان التجاري المغربي المقنعة لا تخفي فصول الصراع بين دوائر الاقتصاد الفرنسية مع نظيرتها التركية داخل المغرب "بيم التركية وكارفور الفرنسية" كنموذج.
وفي هذا الصدد، ربط المتحدث ذاته هذا الصراع السياسي والاقتصادي القائم بمرفقات ثقافية ودينية وظفتها تركيا لتقوية حضورها، حيث قال :"يعد الاقبال المغربي والمغاربي على المسلسلات التركية والثقافة التركية والتعاطف الكبير مع اختيارات الدولة التركية في المنطقة مؤشرا كبيرا على الانزعاج الفرنسي ومدعاة لقلق فرنسا على منطقة نفوذ مهمة بدأت تركيا تحاول اختراقها"، مضيفا أن تركيا نجحت في إغراء واستقطاب المغاربة في مجال السياحة، حتى استبدل معظمهم الوجهة من باريس الى اسطنبول وفق اسعار تنافسية تعطي الافضلية لتركيا.