تعتبر نتائج القمة الرابعة والثلاثون للاتحاد الإفريقي والتي عقدت يومي 6 و7 جاري، بتقنية المناظرة المرئية بسبب وباء كورونا المستجد، امتداد للزخم الدبلوماسي الذي حققه المغرب في السنوات القليلة الماضية، كما شكلت انتكاسة جديدة للجزائر في إطار صراعها الإقليمي ضد المملكة. وعلى الرغم من الجولة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري، ناصر بوقدوم، خلال الفترة التي سبقت انعقاد القمة الإفريقية، من أجل حشد الدعم للأجندة الجزائرية واستعمال منصة الاتحاد الافريقي لإيقاف الزخم الدبلوماسي الذي حققه المغرب في الآونة في ملف وحدته الترابية، إلا أن الجهود الجزائرية باءت كلها بالفشل. وإن ذل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن موازين القوى في القارة الافريقية بدأت تتغير وتؤول تدريجيا لصالح المغرب. وبدأت معالم هذا التغير تظهر منذ رجوع المغرب للاتحاد الافريقي قبل أربع سنوات، والتي سبقتها جهود غير مسبوقة لتهيئة الظروف المناسبة لرجوعه لهذه المنظمة الإقليمية.
وفي هذا السياق، يعتبر الخبير في الشؤون الدبلوماسية والعلاقات الدولية في واشنطن، سمير بنيس، في حديث ل"الأيام24″، أنه إذا قمنا بتحليل للحصيلة السياسية والدبلوماسية وللنتائج التي حصدها المغرب على مدى السنوات الأربعة الماضية، فسيظهر أنها إيجابية بكل المقاييس وتظهر أن قرار عودة المغرب لعائلته الافريقية كان صائباً ويمكن اعتباره من بين أهم القرارات السياسية التي تم اتخاذها في حكم الملك محمد السادس. فما كان المغرب لينجح في تحييد تأثير الاتحاد الافريقي على نزاع الصحراء المغربية لولا رجوعه للاتحاد الافريقي.
وأضاف الخبير المغربي، "إنه وضعنا هذه الاستفزازات الجزائرية في سياقها الإقليمي والدولي، فقد جاءت بعدما نجح المغرب في تحجيم دور الجزائر في القارة الافريقية وفي إبطال مفعول كل الدسائس التي حاكتها لما يناهز أربعة عقود حينما كان المغرب غائباً عن منظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الافريقي. فبعد عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، بدأ المغرب يلعب في ملعب الجزائر والبوليساريو، وفي تفكيك محور أبوجا-الجزائر-بريتوريا. فلم يعد يكتفي بالدعم الذي تقدمه الدول الصديقة في غرب افريقيا، بل بدأ يتحرك لكسب الدول المتواجدة في شرق وجنوب افريقيا. وأهم تلك النجاحات كان هو إقناع نيجيريا واثيوبيا بالالتزام بالحياد الإيجابي بخصوص ملف الصحراء.
وأوضح بنيس، "أنه بعد رجوع الرباط إلى عائلتها الافريقية، رأى النظام الجزائري كيف أنه في ظرف وجيز لم يستطع المغرب إبطال مفعول السياسة العدائية التي نهجتها الجزائر ضد في القارة الافريقية وتحييد التأثير الجزائري على الاتحاد الافريقي وحرمانها من هذه الورقة فقط، بل استطاع في وقت وجيز الإجهاز على كل ما حققته لعقود. ولعل خير دليل على ذلك الشراكة التي أسسها مع نيجيريا منذ ما يزيد عن أربع سنوات، وهي الدولة التي كانت تعول عليها الجزائر منذ عام 1984 للضغط على المغرب وإضعاف حظوظه في الحفاظ على وحدته الترابية.
وأكد أنه "قبل عودة المغرب للاتحاد الافريقي، عول النظام الجزائري على محور الجزائر-أبوجا-بريتوريا لفرض أجندته في الاتحاد الافريقي وتحديد توجهات هذه المنظمة بخصوص العديد من القضايا الإقليمية على رأسها قضية الصحراء المغربية. وكنتيجة لسيطرتها على دواليب الاتحاد الافريقي وعلى صناعة القرار داخله، استطاعت الجزائر في شهر يونيو عام 2014 خلق منصب المبعوث الخاص للاتحاد الافريقي المعني بالصحراء، وكلفت الرئيس السابق للموزمبيق، خواكيم شيصانو، بهذه المهمة. ومنذ تلك اللحظة حتى عام 2017، لم يدخر هذا الأخير جهداً للتأكيد على أهمية لعب الاتحاد لدور رئيسي في إنهاء النزاع بما يتماشى مع الأجندة الجزائرية. كما استعمل قضية حقوق الانسان للضغط على المغرب أمام الأممالمتحدة، وحاول تقديم العديد من الإحباطات لمجلس الأمن بهذا الخصوص، إلا أن المغرب أفشل مخططاته. ولم يعد لهذا المبعوث أي دور يذكر، خاصةً بعد القمة التي عقدت في موريتانيا في يوليو 2018، والتي أقرت بشكل صريح أن قضية الصحراء المغربية تدخل في إطار الاختصاص الحصري للأمم المتحدة، التي عليها السهر على مساعدة أطراف على التوصل لحل سياسي متوافق عليه ومبني على التوافق.
وشدد بنيس، أن "الأكثر من ذلك أن المغرب استطاع تعزيز علاقاته السياسية والاقتصادية مع نيجيريا. وشكلت الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لنيجيريا في شهر دجنبر 2016 والزيارة التي قام بها الرئيس النيجيري محمد بوهاري للمغرب في شهر يونيو 2018 نقطة انطلاقة لصفحة جدية في العلاقات بين البلدين، حيث في ظرف وجيز، وبفضل السياسة المدروسة التي نهجها المغرب منذ ما يزيد عن عقد الزمن استطاع كسب ود وثقة نيجيريا، وتمت ترجمة تلك الثقة في خط أنبوب الغاز الذي سيتم بناءه بين البلدين، والذي سيغير موازين القوى في المستقبل. واتضح التقارب الحاصل بين البلدين من خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها الملك محمد السادس مع الرئيس محمد بوهاري يوم 31 يناير الماضي، والتي أكد فيها الطرفان على عزمهما البناء على الزخم الذي تم تحقيقه في العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأربعة الماضية والمضي قدماً في بناء أنبوب النفط الرابط بين البلدين- والذي سيمكن نيجيريا من تصدير مواردها الطاقية لأوروبا- بالإضافة إلى معمل صناعة الأسمدة الذي سيقوم المكتب الشريف للفوسفاط ببنائه بحلول عام 2032.
وذكر الخبير المغربي، في سياق تحليله لنتائج القمة الإفريقية الأخيرة، أنه "من تجليات التقارب بين البلدين أن نيجيريا- التي كانت من بين الدول التي لم تفوت أي فرصة للدفاع عن البوليساريو في الأممالمتحدة- لم تعد تتطرق لهذا الموضوع خلال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2016. وظهر نجاح السياسة التي نهجها المغرب تجاه أبوجا خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري، ناصر بوقدوم، لنيجيريا نهاية شهر نونبر الماضي بغية حشد الدعم للموقف الجزائري وحث عدد من الدول الافريقية على إدانة التحرك الذي قام به المغرب في معبر الكركرات. إلا أن الوزير الجزائري رجع خاوي الوفاض، حيث إن البيان الذي نشرته وزارة الخارجية النيجيرية عقب الزيارة لم يشر إطلاقا لهذا النزاع. كما أن نيجيريا لم تعد من بين الدول الداعية إلى تنظيم "استفتاء لتقرير المصير"، بل تؤكد على ضرورة توصل أطراف النزاع لحل سياسي متوافق عليه.
وأردف بنيس، "كما ظهر اضمحلال التأثير الجزائري في القارة الافريقية خلال قمة الاتحاد الافريقي التي انعقدت نهاية الأسبوع الماضي، حيث لم يعد للجزائر أي تواجد في المجالس واللجان التابعة للاتحاد الافريقي، على رأسها مجلس الأمن والسلم، كما تم تجديد الثقة في الرئيس السابق لتشاد، موسى فقي، الذي أعيد انتخابه لأربة سنوات لرئاسة لجنة الاتحاد الافريقي وانتخاب رئيس الكونغو الديمقراطية (إحدى الدول التي فتحت قنصلية لها في الصحراء المغربية) رئيساً للاتحاد الافريقي. الأكثر من ذلك أن القمة لم تتطرق قط لقضية الصحراء، على الرغم من كل المحاولات التي قامت بها الجزائروجنوب افريقيا لإدراجها في جدول أعمال القمة".
واعتبر الخبير في الشؤون الدبلوماسية والعلاقات الدولية، أن "نتائج القمة الرابعة والثلاثون للاتحاد الافريقي تعتبر امتدادً للزخم الدبلوماسي الذي حققه المغرب في السنوات القليلة الماضية، ذلك أنه استطاع إقناع 15 دولة افريقية لفتح قنصلياتها في الصحراء، مما يعني الاعتراف الصريح لتلك الدول بسيادة المغرب على صحرائه، حث تعلم الجزائر أنها هذه التطورات لا تعدو أن تكون خطوات أولية وأن دولاً افريقية أخرى ستقوم بفتح قنصليات لها في الصحراء، وستقضي على وهم الدولة التي تسعى الجزائر لإنشائها في جنوب المغرب. كما تعلم أن مسألة طرد البوليساريو من الاتحاد الأفريقي لم تعد إلا مسألة وقت وأن قوانين اللعبة السياسية في الاتحاد الافريقي قد تغيرت وبدأت تؤول تدريجيا لصالح المغرب.
وأشار بنيس، إلى أن "الجزائر تعي أن الوقت يلعب لصالح المغرب وأن هذا الأخير ماض في تثبيت سيادته على الصحراء وأن تنامي الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء- خاصة بعد الاعتراف الأمريكي- يعني بداية تشكيل إجماع دولي حول مشروعية الموقف المغربي وأن البوليساريو فقدت مشروعيتها. ومن تم فإن الخيار الوحيد أمامها هو الهروب إلى الأمام وجر إلى المغرب إلى الحرب من أجل إعادة الملف إلى الواجهة الدولية وإرجاعه إلى نقطة الصفر.