كان الموقف الجزائري من قضية الصحراء المغربية قريبا من لحظة تاريخية ستشكل نقلة تغير ملامح المنطقة بعد سنوات من التوتر مع المملكة المغربية، قبل أن يشاهد العالم لحظة الفاجعة في بث مباشر حيث كان الرئيس محمد بوضياف يلقي خطابا سنة1992 وتعرض لطلقة نارية غادرة من أحد حراسه. بوضياف الذي تسلم الحكم يوم 26 يناير من سنة 1992 واغتيل في 29 يونيو من السنة ذاتها، كان الرجل الأكثر اقتناعا في رأس هرم القيادة الجزائرية أن الموقف من الصحراء لا بد وأن يتغير، وشكلت رؤيته تهديدا لمن كانوا يجاهرون بالعداء للمغرب. وجد بوضياف في المغرب ملجأ آمنا لقضاء ما تبقى من سنوات عمره بعد أن غادر بلاده إثر صدور حكم بالإعدام في حقه بتهمة "تهديد سلامة وأمن الدولة" في عهد الرئيس بن بلة، حط رحاله في فرنسا ثم سويسرا وبعدها إلى المغرب، وأطال المقام بمدينة القنيطرة تحت حماية الملك الراحل الحسن الثاني، حيث قضى فيها ثلاثين سنة تقريبا واشتغل في معمل للآجر وضمن لأسرته مدخولا ماليا جيدا. رغم الحكم الصادر في حقه الذي شفعت له فيه سنوات الكفاح لأجل التجرير ورغم ابتعاده عن البلاد، رأى الساسة هناك في الجزائر أن رجل المرحلة الصعبة التي كانت تمر منها البلاد مع بداية التسعينيات من القرن الماضي هو محمد بوضياف الذي ستوكل له مهمة إيجاد مخرج للنفق المظلم. لبّى الدعوة ورحل إلى بلاده للقيام بالمهمة التي ستسند إليه، ولم وصل إلى العاصمة في يناير من سنة 1992 قال مخاطبا الشعب: "جئتكم اليوم لإنقاذكم وإنقاذ الجزائر، وأستعد بكل ما أوتيت من قوة وصلاحية أن ألغي الفساد، وأحارب الرشوة والمحسوبية وأهلها، وأحقق العدالة الاجتماعية من خلال مساعدتكم ومساندتكم، التي هي سر وجودي بينكم اليوم وغايتي التي تمنيتها دائما". وجرى تنصيبه على رأس المجلس الرئاسي الذي شُكّل عقب استقالة الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد، وعبر منذ البداية عن رغبته في تغيير جذري في الداخل الجزائري وكذلك في السياسة الخارجية خاصة مع المغرب الجار الأقرب تاريخيا وثقافيا وحتى عرقيا، فأفصح بكل جرأة موقفه من العلاقات مع المغرب وعمل جاهدا على فتح صفحة للتصالح وطي صفحة النزاع ودعم الانفصاليين وكان يحاول إقناع جنرالات الجيش بضرورة مراجعة الموقف من المغرب ومن الصحراء، فكانت تلك فتيل أزمة بينه وقادة الجيش الجزائري. يروي محمد اليازغي الذي يعتبر ضمن مجموعة السياسيين المغاربة الأكثر دراية بملف الصحراء المغربية، أن الحسن الثاني توقف إثر تدخل من زعماء أفارقة بعد أن كانت القوات المسلحة الملكية قادرة على استرجاع الصحراء الشرقية من الجزائر في سنوات الستينيات، واتفق مع الرئيس الجزائري آنذاك بن بلة على وقف إطلاق النار، وبعد مفاوضات طويلة مع خليفته بومدين جرى الاتفاق في تلمسان سنة 1972 على ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر، حيث كانت المملكة تطالب بمساحة شاسعة من الصحراء الشرقية التي كانت الاستعمار الفرنسي قد اقتطعها وضمها للجزائر التي كانت حينها تعتبر أرضا فرنسية. ثم عادت القضية إلى جمودها واستمر ذلك حتى سنة 1992 حيث أخذ الملك الحسن الثاني المبادرة، كما جاء في حوار مطوّل لمحمد اليازغي تضمنه كتاب "الصحراء هويتنا"، ونشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية، وأرجع اليازغي ذلك لسببين، الأول هو أن في ذلك دعما للرئيس الجزائري الجديد محمد بوضياف الذي كان معروفا بموقفه المتميز من قضية الصحراء، والثاني لرغبته في إنهاء هذا المشكل نهائيا بجعل الاتفاقية قابلة للتنفيذ. غير أن هذه الاتفاقية، يضيف اليازغي، لم تنشر في موعدها المحدد فقد نشرت في شهر يوليوز بعد أن تعذر نشرها في شهر يونيو لأسباب تقنية، ثم يربط المتحدث ذاته ما وقع بحادثة اغتيال بوضياف في شهر يونيو أن مقتله وقع قبل نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية، ويقول: "ربما لو عاش الرئيس الجزائري بوضياف لكانت الحكومة الجزائرية راجعت موقفها من ملف الصحراء". وعن سؤال إذا ما كان يعتبر اغتيال بوضياف كان مرتبطا بموقفه الإيجابي، يجيب اليازغي بالقول: "لن ننسى أن بوضياف قال لعدد من المسؤولين في البوليساريو وهو على قيد الحياة، إنه لا مستقبل لهم في تندوف وأن مكانهم في المغرب".