عندما صعدت الأميرة للاسلمى وهي تلقي خطابها في حفل جمع التبرعات لمؤسستها لمحاربة السرطان أصرت على ذكر بعض المقربات منها ومن العائلة المالكة بالمغرب، وكان ملفتا أن تخص بالذكر من لقبتها ب "أم الامارات"، وحتى الحضور الوازن لذلك الحفل كان يعطي الرغبة في فتح صفحة هؤلاء المقربات من مختلف الاتجاهات والقارات، وهذا ما حاولنا القيام به فكان هذا الملف الغني بالمعطيات. حينما اضطرت ايناس لمغادرة المغرب رفقة زوجها الجنيرال ليوطي بعد أن قضت به ثماني عشرة سنة، كانت تشعر بألم كبير لمفارقة مغرب أحبته واختارت العمل فيه كممرضة في مستوصفات كانت وراء تشييدها، كان كل العاملين بها يودعون ايناس بالدموع وفي ثاني أكتوبر من سنة 1925 دعا السلطان مولاي يوسف الزوجين للقصر الملكي بمناسبة عيد المولد، حينها توجه ليوطي لصديقه السلطان بقوله "سيدي إنها المرة الاخيرة التي يحصل لي فيها شرف تلبية دعوتك في مناسبة رسمية، فأنا أعبر لك عن ألمي لكوني لن أستطيع أن استمر في خدمة هذا البلد، وهذا يشعرني بالألم خاصة وأنا أستحضر الثلاث عشرة سنة التي هي عمر الصداقة التي ربطتني بجلالتك تحكي مذكرات زوجة ليوطي التي عاشت في الظل. كانت الدارالبيضاء آخر محطة توقف بها ليوطي وزوجته بعد جولة الوداع في فاس ومراكش والرباط، حيث توقفا بمقر إقامتها الشاطئية لتوديع الخادمة المغربية الجميلة التي خدمتها لسنوات، كان شعرها طويلا كثيفا، تخفيه بمنديل، كانت تسأل ايناس بدموع حارقة" لماذا ستغادرين سيدتي لا أتحمل فراقك، أرجوك لا تذهبي"، عانقتها ايناس بحرارة وأخبرتها أنها ستبقى في خدمة الشخصية التي ستخلف ليوطي، ركبا الباخرة التي ستقلهما إلى فرنسا، وتوقفا في طريقهما بميناء طنجة لتوديع أصدقائهما بها، لم تكن ايناس ترغب في مغادرة المغرب وكانت تدعو ألا تتوقف هذه الرحلة التي ستحملها إلى فرنسا وحين وصل ليوطي إلى منزله بزنقة بونبارت بفرنسا وجد إشعارا في صندوق الرسائل بدعوة لأداء الضرائب المتأخرة. شعرت ايناس بأنها تعيش المنفى في بلدها فرنسا، وكانت تسلي نفسها بمراسلة صديقاتها الممرضات في المغرب، وتحول هذا المنزل الذي كان إقامة عابرة إلى إقامة دائمة. فرح ليوطي وزوجته ايناس حينما أشعرهما السلطان مولاي يوسف بزيارته الرسمية إلى فرنسا، من أجل تدشين مسجد باريس فقاما بدعوة السلطان مولاي يوسف وابنه محمد الخامس الذي أصبح ملكا، ولاحظ مولاي يوسف أن الماريشال ليوطي قد أصابه الوهن، لكن حلم مولاي يوسف بعودة ليوطي للمغرب لم يتحقق، ذلك أن السلطان تعرض لنوبة صدرية في أبريل، تلتها نوبة أخرى في نونبر مات على إثرها في سنة 1927. وحين جلس محمد الخامس على العرش ظل وفيا لزيارة ايناس وليوطي في فرنسا، في سنة 1934، كان التعب قد أخذ مأخذه كثيرا من جسم ليوطي بثقل سنوات عمره الاثنين والسبعين، وكعادته في كل العطل الصيفية كان الملك محمد الخامس يقضي بعض الأسابيع بباريس، وكان دائما يزور صديقه ليوطي، وفي بداية شهر يوليوز كان محمد الخامس قد غادر إلى مرسيليا في طريقه للعودة إلى بلده، حينما علم بوفاة المارشال ليوطي فعاد أدراجه ليودع جثمان الرجل الذي أحب المغرب. بعد دفن الماريشال ليوطي عادت أرملته ايناس إلى إقامتها التي وجدتها موحشة، لكن حين حان موعد قراءة الوصية التي تركها ليوطي فوجئ الجميع بوصية دفنه في المغرب، لقد كان ليوطي قد هيأ قبل ذلك قبرين بالمغرب أحدها له والآخر لزوجته، وفي ثلاثين أكتوبر نقل رماد ليوطي ليدفن في المغرب بحضور ايناس. كانت ايناس تجد مواساة في زيارة محمد الخامس خلال أسابيع عطلته الصيفية، لكن ما إن تعود الأسرة الملكية أدراجها، حتى تشعر ايناس بالكآبة، وكانت تذهب لزيارة قبر ليوطي بالمغرب في سرية تامة، وحين تعرض الملك لوعكة صحية كانت ايناس تسأل عن أخباره في سنة 1938 لم تعد ايناس بسنواتها الست والسبعين قادرة على مواصلة عملها التطوعي والإنساني في مجال الطب والاسعاف وعلى الاستمرار في تحمل مسؤوليتها كرئيسة للممرضات، وبعد سنوات عادت ايناس للمغرب الذي غادره ليوطي منذ عشرين سنة، لكن وضعية المستوصفات بالمغرب جعلتها تعود لنضالها من جديد، و إلى تنقلاتها بين مدن المغرب، لكن ايناس لم تعد قادرة على تحمل الألم حينما بلغت الثمانين ، لكنها استمرت في العيش في شقتها الصغيرة، حيث تم توشيحها في سنة 1951، بالميدالية الذهبية لخدمة الطب العسكري بالبيضاء، وسنة بعد ذلك تعرضت لكسر تطلب شهورا للتعافي منه، ومساعدة خادمتها المغربية. زار الأمير مولاي الحسن ايناس بالبيضاء نيابة عن والده الذي كان منشغلا بالرباط بالمشاكل السياسية التي تمر منها البلاد، جلس طويلا إلى جانب سريرها، وقبل أسابيع من وفاتها وشحها محمد الخامس بالوسام العلوي، حيث تدهورت حالتها الصحية أياما بعد ذلك، لتتوفى في سن التسعين في تاسع فبراير 1953 وتدفن بجانب زوجها الماريشال ليوطي بالرباط في مشهد مؤثر، وغير بعيد كان ولي العهد الحسن الثاني يلقي الوداع الأخير بنظراته على ايناس التي ربطتها وزوجها علاقة خاصة بالمغرب و الأسرة الملكية.