أكد الخبير الاقتصادي الأمريكي والباحث في “مركز أبحاث سياسات الجنوب الجديد” (بوليسي سانتر فور ذ نيو ساوت)، هينه دينه، أن المغرب أمامه فرصة فريدة للاستفادة من التباطؤ الاقتصادي العالمي من أجل التموقع بين البلدان المنتجة للسلع المصنعة، لاسيما المعدات الطبية، وذلك بالنظر إلى الاضطراب الحاصل في سلاسل التوريد عبر العالم في خضم جائحة كورونا. وقال دينه، المتخصص في اقتصاد التنمية والتمويل الدولي، الذي اشتغل طيلة 35 سنة بالبنك الدولي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء بواشنطن، “بينما تعتمد الحكومات استراتيجيات للاستعداد لمواجهة الجائحة مستقبلا، سيستمر الطلب العالمي على المنتجات الطبية، على المدى المتوسط على الأقل، ما سيخلق فرصا جديدة لشركات التصنيع في بلدان مثل المغرب”. وأوضح أنه “يتم تصنيع معدات طبية بسيطة في المغرب، تشمل الكمامات الوقائية والقفازات والمستلزمات الطبية. ومن أجل تخطي تداعيات الركود الاقتصادي، تستغل العديد من المقاولات الصغرى والمتوسطة النقص الحاد في هذه المنتجات من خلال تعديل سلاسل الإنتاج بمصانعها وإعادة توجيه قواها العاملة لإنتاج منتجات طبية بسيطة للمستشفيات المحلية”، مضيفا أن شركات التصنيع في المغرب تقوم بذلك ويتعين تشجيعها على مواصلة هذا الجهد على المدى القصير”. فعلى المدى الطويل، وأمام تزايد الوعي بمخاطر الاعتماد المفرط على الصين للحصول على جميع السلع المصنعة (الإمدادات الطبية وأجهزة التنفس الاصطناعي)، سيبحث المشترون والمستثمرون حول العالم عن مواقع للإنتاج خارج الصين، يضيف الباحث بجامعة إنديانا بالولايات المتحدة، والذي يتمتع بخبرة طويلة في مجال السياسات الماكرواقتصادية والهيكلية. ووصف الخبير الأمريكي استجابة المغرب لوباء كورونا ب”الحاسمة”، مبرزا أن التدابير التي اتخذتها السلطات المغربية، “وكذا جهود تحسيس المواطنين، مكنت من كبح تفشي جائحة كورونا بالمغرب”. وشدد على أن “المغرب يوجد في وضع أفضل مقارنة بالعديد من البلدان في المنطقة والعالم. فيبدو، حتى الآن، أن الحكومة والشعب المغربي يبذلان قصارى جهدهما لوقف تفشي فيروس كورونا ومواجهة التحديات المستقبلية الصعبة”. وأضاف أن تكاليف الوباء على الاقتصاد، مع ذلك تبقى، كبيرة، موضحا أن المغرب، باعتباره بلدا مستوردا للطاقة، استفاد من انخفاض أسعار النفط، لكن التحويلات المالية والسياحة والنقل وخدمات الإيواء تعاني جميعها بسبب القيود المفروضة في مختلف بلدان العالم ومن اضطراب سلاسل التوريد. وأبرز الخبير الاقتصادي، صاحب العديد من المنشورات حول التصنيع والإدارة المالية والتنمية الاقتصادية بالقارة، أن المبادرة الإفريقية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس “وجيهة وحاسمة لمواجهة جائحة كورونا”. وأشار إلى أن “المبادرة تدعو إلى استجابة موحدة ومنسقة لوباء كورونا في إفريقيا وإلى تعزيز عمل مشترك للبلدان الإفريقية، كما تسمح بتبادل التجارب والممارسات الفضلى لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للوباء”. وبخصوص توقعاته بشأن الخروج من الأزمة الحالية، ذكر السيد دينه أن سيناريوهات المؤسسات المالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تقوم على فرضية مفادها أن الوباء سيتلاشى خلال النصف الثاني من السنة الجارية، وبالتالي سيتم استئناف الأنشطة الاقتصادية بشكل كامل عند مطلع سنة 2021. وقال “برأيي، لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا تم التوصل إلى لقاح لفيروس كورونا واختباره، وجعله في متناول الجميع بحلول نهاية هذه السنة. وفي انتظار التوصل إلى مثل هذا اللقاح، يتعين أن يتم استئناف الأنشطة الاقتصادية بشكل كامل عبر مراحل”، معتبرا أن التعقيدات والمخاطر المرتبطة بتخفيف التباعد الاجتماعي في غياب اللقاح تعني أنه يمكن، في أحسن الأحوال، استئناف الأنشطة الاقتصادية بشكل تدريجي، حيث سيستغرق الأمر عاما آخر على الأقل (أي سنة 2021) قبل أن يعود كل شيء إلى طبيعته.