+ محمد دخاي جاء في كتب التراث ان معاوية قال : “نحن الزمان ،نرفع ما ارتفع ونضع ما تضع” ، قول يبرز حقيقة رمزية السلطة المرتبطة بالزمان والمكان وهي سلطة تبقى بدون معنى امام سلطة الموت، فحتى لو بقي معاوية وعاش حتى زمن الكورونا هذا فلن يقتنع بما قاله وهو يرى “الجائحة العالمية” وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية، وهي تعيد ترتيب الاوراق وتحول الاخرين الى الجحيم فعلا كما قال سارتر، بل واضحت معها فلسلفة الحياة عند البعض انه اكتشف من جديد انه انسان ضعيف امام سلطة الموت ، فكان الملاد هو البحث عن سلوكات لا عقلانية تبحث عن جميع سبل العيش معتقدا ان حيازة المواد الغذائية من خلال ذلك الاعصار الصامت الذي عرفته مراكز التسوق في فردانية لايجرؤ الكثيرون على الاقرار بها هو البديل المحتمل . زمن الكورونا او الكوفيد التاسع عشر ابان عن توتر مستمر بين المصالح الفردية والجماعية، عرى شعارات الاخلاق والانسانية والتضامن والتسامح وان البشر كثلة استهلاكية فقط نسوا ان الجائحة لا يمكن ان تحارب من خلال الفرد الواحد وان الانانية لا تصنع الحضارة كارث ثقافي محكوم باستمرارية المثاقفة كعولمة إنسانية اسست للعديد من الحضارات المختلفة والمتفاعلة . الكورونا اعادتنا من جديد الى عوالم الابداع والثقافة بحثا عن زخم روحي يعيد التفاعل مع الحدث ، فكانت رواية ألبير كامو في روايته الشهيرة “الطاعون” التي نشرت بعد الحرب العالمية الثانية كعمل سردي واحدى اشكال المعرفة الانسانية ، عمل فيها المتخيل على ان ينتج معرفته لنفسه بنفسه وان يكون احدى محاولات كسر هيمنة القمع الشفهي الحديث برحابة الحياة والعلاقات اليومية من خلال الحكي المرتبط باجتياح وباء الطاعون لمدينة وهران الجزائرية، وكيف ان مجابهته لم تكن بشكل فردي وان المواجهة كانت مشتركة من خلال شخصيتي الطبيب “برنار ريو”، والغريب “جان تارو” في مواقفهما وكيف كانا نموذجين في الحرص على نقل الجثث وعزل المرضى بعزم واصرار لم تنفعهما امام الطاعون القاتل . في الطاعون لألبير كامو نكتشف ان المسؤولية الجماعية شرط انساني وان الشر الحقيقي هو الفردانية التي قد تعني الفرار من الاخرين أي تفضيل للمصلحة الخاصة على العامة علما ان الموت لا يستثني احدا ، ففيه تغيب الصور على الرغم من ان كينونة الموت مبنية على صور بائدة واخرى تنسخ نفسها بنفسها كما يقول الصوفية . صحيح ان الأزمات تقلب النظام الاجتماعي وان الرغبة في الحياة لا تنسينا ان الموت وحده هو من ينسيه رعبه وانه هو الوحيد الذي يمنح الاشياء اهميتها حتى وان كان تافهة ، فمن كان يعتقد منا انه سيعود الى نفسه واسرته وليكتشف ان اخرين من جيرانه واخوانه قد يموتون جوعا وحرمانا في وضع لا يختلف عن الموت بالطاعون او الكورنا ؟ من مفارقات زمن كورنا ان البعض لا يراه الا فيروسا عابرا ، بينما يراه البعض فرصة للتسوق والتبضع وسحق الاخرين كما تسحق الحشرات بين زحام اللاهثين عن الدقيق والسكر والزيت ، الثالوث المقدس عند المغاربة ، لكن الكورونا انقطاع لفكرة وحدف لمقطع من حكايات الحياة يراد لها ان لا تكتمل ، الوباء الحقيقي هو موت الجسد وموت الافكار وموت الضمير وتفريغ للمحتوى والمضمون واعتناق للانكسار البشري في زمن الانانية تلك التي عرتها رواية الطاعون باميتاز في مشاهد ب فضاءات وهران الورقية لا تختلف في شيء عن زمننا اليوم . + باحث مغربي