لاشك أن المتتبع للتطورات الأخيرة في ملف الصحراء، والخطاب الملكي الأخير في قمة الرياض سيلحظ تغيرا في اللهجة المغربية تجاه الولاياتالمتحدة كحليف استراتيجي. لكن تحول الخطاب المغربي كانت له أسبابه المرتبطة أساسا بالتحول في الموقف الأمريكي من قضية الصحراء. مليود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس قال " إن موقف الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن بخصوص القضية الوطنية يجب أن لا نصفه بمفاهيم و أحكام من قبيل الطعنة أو الخيانة أو الانقلاب بل هو موقف يعبر عن رؤية الدولة للملف و ذلك بعدما صرح به السفير الأمريكي بالرباط يوم أمس. وعلى ضوء ما جاء في خطاب الملك محمد السادس في القمة المغربية الخليجية بالرياض قال بلقاضي في تصريح خاص ل "لأيام 24" إن ما وقع اليوم يذكرنا بموقف الإدارة الأمريكية سنتي 2013و2014 عندما فاجأت مجلس الأمن بإدخال تعديل جوهري في التقرير الأممي وذلك لتوسيع صلاحيات "المينورسو" (البعثة الأممية في الصحراء) لتشمل حقوق الإنسان و لتقع ضغوطات لتسحب الإدارة الأمريكية قرارها فيما بعد والذي كان يشكل خطرا كبيرا على قضية الصحراء. وأضاف المحلل السياسي أنه على المغاربة كباحثين و إعلاميين أن يتعاملوا بعقلانية و دبلوماسية في اللغة و الخطاب بعيدا عن الاندفاع و إلقاء الأحكام في تقييم المواقف الغربية. ويرى بلقاضي أنه "من حق أمريكا أن تتخذ أي موقف مادام يخدم مصالحها الداخلية و هذا حق مشروع تسعى إليه كل الدول.فموقف الإدارة الأمريكية جاء بعد قرار المغرب المتسرع بطرد مجموعة من البعثة الأممية . وفي ذات السياق اعتبر المحلل السياسي أن "المغرب له الحق السيادي و لكن الطريقة و الظرفية هي التي فيها خلاف.لأن قضية الصحراء تمر في هذه السنة بظرف استثنائي و دقيق نظرا للتصدع الحاصل بين المملكة و الأمين العام للأمم المتحدة "بان كيمون" وكريستوفر روس "و بالتالي فالقوى العظمى ستحاول أن تحافظ على التوازن بين المغرب والجزائر. وبين ذات المتحدث أنه " من العبث السياسي أن يخرج المغرب منتصرا في كل الأحوال من هذه المعركة الصعبة.ملفتا أن التخوف الأساسي الحاصل مرده إلى قرار توسيع البعثة الأممية لكي تشمل حقوق الإنسان ويمكن أن يكون مكسبا للمغرب إدا ما تم التراجع عن هذا القرار. ويرى المحلل السياسي أن المغرب ربح أشياء مهمة من خلال عدم اتخاذ الإدارة الأمريكية مواقف قوية لصالح البوليساريو و الجزائر. وعن موقف المجتمع الدولي في هذا الشأن فهو - وفق بلقاضي - يحاول إرضاء الأطراف المعادية للمغرب للضغط على المملكة بإرجاع البعثة الأممية . مشيرا في هذا السياق أن الأمر هو نوع من المناورات السياسية وهي مسألة طبيعية في الدبلوماسية وهناك فرق بين المواقف السياسية و الآليات، حيث إن تغير الموقف الأمريكي هو تغير على مستوى المنهج و المقاربة و ليس على مستوى المبدأ. وعن إمكانية إرجاع المينورسو إلى الصحراء فإنه يرى أن المغرب لن يقبل أن يفتح الباب أمام أعداء الوحدة الترابية و يتقبل بسهولة إرجاع البعثة التي قام بطردها لكن هذا لا يمنع المغرب من اللجوء إلى التفاوض الذي يقتضي التنازل في مقابل مكاسب أخرى. فالمغرب متشبث بالسيادة على كل الأراضي الصحراوية و متشبث بوحدته الترابية و في ظل هذا المكسب لن يخسر المغرب شيئا ويمكنه المناورة في ضوء موقف الإدارة الأمريكية الذي كان متوقعا لأن أمريكا لها مصالح جيوسياسية و اقتصادية في المغرب و الجزائر. وأشار ذات المتحدث أنه ليس من مصلحة المغرب الدخول في حرب كلامية مع كل من خالفه الموقف من القضية الوطنية لأن القوى العظمى لها مصالح داخلية تشكل أولوية. و ختم المحلل السياسي بالتأكيد على أن المسألة هي لعبة دولية تتغير فيها المواقع و المقاربات فالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ليست لها النية في حل النزاع حول ملف الصحراء المغربية ، لأن في صالح القوى أن يظل الصراع قائما في إطار الحفاظ على التوازن ،لاحرب ولا سلم، حتى وإن تغيرت الرؤى والمواقف.