تعترف شخصيات سياسية جزائرية من داخل النظام نفسه بان الجزائر أصبحت تعيش حالة ضعف دبلوماسي بسبب مرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وتحوّلت إلى دولة لم يعد أحد يقيم لها اعتبارا على الصعيد الإقليمي. وتتخذ هذه الشخصيات من موقف دول الخليج الداعم للمغرب، وتغريدة رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس حول صحة الرئيس بوتفليقة، ورفض دول الساحل والصحراء للتنسيق الأمني مع السلطات الجزائرية، كأمثلة بارزة على انحدار مكانة الجزائر في محيطها الإقليمي أفريقيا وعربيا وإسلاميا.
ويقول حليم بن عطا الله كاتب الدولة الجزائري لشؤون الجالية السابق إن "ضعف الدبلوماسية الجزائرية انعكس في شكل قرارات ومواقف أجنبية، مثل فرنسا ودول الخليج ودول الساحل والصحراء، تستغل مرض الرئيس بوتفليقة لتعامل الجزائر كبلد ثانوي وغير مهم في التأثير على الأحداث في محيطه".
وعبر المسؤول الجزائري السابق في حوار مع صحيفة "الخبر" الجزائرية عن خشيته من أن تتعرض الجزائر "في السياق الوطني الحالي"، أي في ظل مرض رئيس الدولة، إلى سلسلة من الانتكاسات الإضافية في الخارج.
وقال بن عطاء الله ان هذه الانتكاسات "تمثل لبلدنا علامات تآكل في قدرتنا على الردع أو رد الفعل، لأنه إلى وقت مضى، كانت الجزائر أقوى في توقع وإحباط كل المحاولات التي تتجاوز معها أيا كان مصدرها".
ونوه المسؤول الجزائري إلى أن ضعف قدرة بلاده على فرض مواقفها إقليميا ودوليا قد أصبح اتجاها عاما منذ انسحاب الرئيس بوتفليقة من الساحة الدولية لأسباب صحية"، لا سيما وأن "رؤساء الدول هم الفاعلون الدبلوماسيون الأوائل، وهم دائما في الصفوف الأولى وعلى كل الجبهات"، في إدارة السياسات الخارجية لدولهم.
واضاف أن لديه "إحساس بأن العديد من الدول تستغل حاليا هذه الوضعية.. يكفي فقط حصر مجموعة من الطعنات التي تعرضنا لها لتبين ذلك".
وأشار بن عطاء الله إلى أن "هناك أشياء لم يكن ممكنا أن تحدث لو كان الرئيس بوتفليقة في كامل صحته لأنه لم يكن يفوت شيئا في الجانب الدبلوماسي"، مضيفا "لو لم تكن حالة الضعف هذه، لما كانت هناك هذه التغريدة من فالس، فتوظيف صورة الرئيس في الداخل عاد على أصحابه هذه المرة وأضر بصورة البلد كثيرا.. أما فالس فقد قام في اعتقادي بالانتقام على طريقته والسبب يبقى مجهولا".
ونشر رئيس الوزراء الفرنسي عقب زيارته للجزائر يومي 9 و10 أبريل/نيسان تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تضمنت تعليقا على العلاقات بين البلدين، وأرفقها بصورة للقائه مع بوتفليقة الذي بدا في حالة صحية، وصفتها صحف ومعارضون جزائريون ب"الصعبة".
وكان بوتفليقة (79 عاما)، تعرض لجلطة دماغية في أبريل/نيسان 2013، نُقل على إثرها للعلاج بفرنسا، لفترة تجاوزت الشهرين، وقد تسببت في فقدان قدرته على الحركة، لكنه استمر في ممارسة مهامه في شكل رسائل موجهة للمواطنين واستقبالات للمسؤولين المحليين والضيوف الأجانب.
وقال المسؤول الجزائري السابق إن "الخلاصة التي يمكن الخروج بها من القمة الخليجية المغربية الأخيرة، هو اعتبار العاهل المغربي الملك محمد السادس محاورا في منطقة المغرب العربي يتم معه التفاوض مباشرة" في غياب الرئيس الجزائري.
واضاف "أعتقد أن الرسالة الأكثر أهمية جاءت من المملكة العربية السعودية" إذ "من خلال الاستقبال الذي خص به مجلس التعاون الخليجي العاهل المغربي قد ردت الصاع صاعين للجزائر بسبب عدم مساندتها لها في تدخلاتها في الشرق الأوسط، ثم رفضها اعتبار حزب الله منظمة إرهابية".
وضرب بن عطاء الله مثلا آخر على فشل بلاده الدبلوماسي إقليميا، مشيرا إلى تحالف دول "ساحل 5" المتكون من تشاد ومالي والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو والذي رفض قبول الجزائر عضواء فيه رغم أن 4 من دوله تجاور الجزائر حدوديا، منوها إلى أن هذا الحلف "يريد جعل الجزائر خارج اللعبة في (منطقة) الساحل"، و"يشكل ضربة دبلوماسية أخرى للجزائر" باعتباره على علاقة مباشرة بأمنها القومي.
وأشار المسؤول الجزائري إلى فشل دبلوماسي رابع لبلاده مذكرا بأن القرارات الكبرى المتخذة بشأن ليبيا تمت في المغرب أو تونس وليس في الجزائر، والهدف من ذلك "إبعاد الجزائر في وقت اتخاذ القرارات الحاسمة".
ويقول مراقبون إن السلطات الجزائرية لا يمكنها ان تعتب على أي دولة في المصير الذي آل اليه وضع علاقاتها الدبلوماسية المتأزمة مع محيطها الإقليمي بوعليها ان تتحمل نتائج قراءاتها المغلوطة للعبة التحالفات.
ويضيف هؤلاء ان مرض الرئيس بوتفليقة ليس السبب الأساسي لانعزال الجزائر في محيطها الإفريقي والعربي والإسلامي، مؤكدين أن مواقفها الدبلوماسية المتناقضة حتى مع مصالحها الوطنية، هي التي تورطها في هذه الحالة غير المسبوقة من الضعف الإقليمي ومن عدم الاحترام.
وتبدي مواقف غريبة واستفزازية في عدد من الأزمات، يقول مراقبون إنها كانت ستنعكس بطريقة أكثر إيجابية على الوضع الجزائري داخليا وإقليميا لو وقع التمشي فيها بسياسة أكثر عقلانية ورشدا.
وتثير السلطات الجزائرية ازمة غير ضرورية لها وللمنطقة مع المغرب بسبب دعمها اللامشروط لاستقلال الكيان الوهمي في الصحراء المغربية رغم ما الحق بها من اضرار مادية ومعنوية كبيرة.
واستمرارا لنهجها في سوء التقدير لمصالحها الاستراتيجية، تضرب الجزائر عرض الحائط بعلاقاتها الطبيعية مع الدول العربية والإسلامية لتدعم تحالفا مصلحيا ظرفيا بين روسيا وإيران وسوريا وحزب الله، غير عابئة بالمخاطر الآنية والمستقبلية التي تشكلها ايران التوسعية على المنطقة ودون ان يكون لها أي احتراز على الجرائم المروعة التي يرتكبها النظام السوري ضد الملايين.
والأخطر من ذلك كما يقول المحللون أن الجزائر تتخذ مواقفها برعونة شديدة تجعلها غير قادرة على التحسب لردود أفعال الاطراف الأخرى المناكفة لها، وهذا ما يجعل أخطاءها ذات كلفة مادية وسياسية باهظة في المستقبل لأنها من نوع الأخطاء التي يصعب إصلاحها بسهولة.