الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة رغم مرضه و تعبه إلى إيران مباشرة بعد حضوره لافتتاحيات الألعاب الأولمبية المنظمة في الصين الشعبية، أظهرت الكثير من التقارب في السياسات والمواقف بين بلدين مسلمين كبيرين بالرغم من التوتر الذي عرفته العلاقات الجزائريةالإيرانية طيلة سنوات الجمر والتي وصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما, فالرئيس بوتفليقة الذي التقى قبل الزيارة بالعديد من الرؤساء الغربيين في بكين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، وهذا بالمناسبة طبعه، فالرجل لا يترك أي مناسبة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية عالمية إلا و حضرها، عرج في عودته هذه المرة على طهران في زيارة رسمية إلى بلد الملالي لحل الكثير من الاختلافات في العديد من القضايا السياسية التي تعرفها العلاقات الثنائية بين البلدين ماضيا وحاضرا وفي نفس الوقت انتهز الفرصة كالعادة (الدبلوماسية الانتهازية) لعرض وساطته في الملف النووي الإيراني . "" هذا التدخل الجزائري تم في ظل احتجاج خفي وقوي للغرب على هذه المبادرة التي اعتبرتها الأوساط الإعلامية الجزائرية بالهامة و الإستراتيجية ! ، فالرئيس بوتفليقة معروف بحبه للوساطات في كل النزاعات إقليمية كانت أو دولية إلى درجة انه غضب عندما استرجعت الكامرون جزيرة براديس الغنية بالنفط من نيجيريا بدون تدخله ووساطته. فالمباحثات التي جرت في طهران في جو من الود و الترحيب الكبيرين شملت ملفين أساسين شائكين، ملفين أثارا تساؤلات عديدة: الملف الأول يهم العلاقات الثنائية و سبل تفعيل و ترقية التعاون السياسي و الاقتصادي بين البلدين، و في هذا النطاق تحاول إيران من وراء ذلك إلى التسرب إلى إفريقيا و العالم العربي عبر البوابة الجزائرية . أما الملف الثاني فهو قبول وساطة الرئيس بوتفليقة في إيجاد حل لأزمة الملف النووي القائمة بين إيران والغرب. و هكذا فالمحادثات التي تعرضت للعلاقات الثنائية، تناولت مسألة التعاون العسكري و الاستخباراتي بين الجزائر و ايران. فالمؤسسة العسكرية الجزائرية مهتمة بشراء نظم صواريخ متطورة متوسطة و طويلة المدى مضادة للدبابات و الطائرات، و زوارق حربية سريعة صغيرة و هي حسب المختصين لؤلؤة الصناعة الحربية الإيرانية، إضافة إلى اهتمامها باقتناء الطوربيد البحري الإيراني الجديد، كما عبرت الجزائر عن اهتمامها بالتعاون التقني في المجال النووي السلمي و ذلك عن طريق تبادل الخبرات و الخبراء بين البلدين في هذا الميدان الحساس و المراقب دوليا. أما على المستوى الاستخباراتي، فالجزائر طلبت من إيران مساعدتها على تجفيف منابع تمويل القاعدة في المغرب الإسلامي القادمة من افغانسان و باكستان و العابرة لإيران ، كما حثت المسؤولين الإيرانيين على الحد من التأثيرات السلبية الواردة عن بعض رموز القاعدة المتواجدين و المحميين من طرف إيران، كما طالبت الجزائر من الملالي حسب بعض المحللين العسكريين الضغط على حزب الله اللبناني الذي لا يخفي مساندته للتيار الإسلامي الجزائري قصد الحد من تأثيره المباشر في الأوساط الشعبية الجزائرية التي بدأت تعرف تشيعا متصاعدا في السنوات الأخيرة. على المستوى الاقتصادي، اتفقت إيران مع الجزائر على تكوين كرتيل للغاز المميع بعد فشل مفاوضاتها مع روسيا، كرتيل قد يفك عزلة إيران في تسويق منتوجاتها الطاقوية، إضافة إلى التعاون الاقتصادي و العسكري و الاستخباراتي طلبت الجزائر من إيران التحول من موقف الحياد الإيجابي في قضية الصحراء المغربية إلى دور المساند للبوليساريو المنظمة الانفصالية، مساندة عبر الاعتراف الدبلوماسي و الدعم العسكري. إن عرض الجزائر للوساطة بين إيران و الغرب لا يخرج عن نطاق استمرار الدبلوماسية الجزائرية النشيطة في استغلال كل نزاع لتسجيل نقط معينة تخدم أمنها القومي في منطقة المغرب العربي، التي هي في الواقع منطقة مضطربة، فالرئيس بوتفليقة يسعى من خلال وساطته بين الغرب و إيران و قد فعلها في السابق إلى تحقيق نقط سياسية و عسكرية و اقتصادية و شخصية، أي الحصول على مقابل تدخله بين الغرب و إيران ومن بين هذه الأرباح المنتظرة نجد : - الترشيح لجائزة نوبل للسلام، عقدة نفسية ثابتة عند الرجل، و هنا يظهر التداخل بين وظيفة الرئيس واختصاصات وزير الخارجية محمد مدلسي والمقاصد الشخصية. -اعتراف إيران بالبوليساريو و مده بشبكة صواريخ و أنظمة سيطرة و قيادة واتصال شبيهة بتلك التي زود بها حزب الله اللبناني. أنظمة تمكن الانفصاليين من تجاوز الخطوط الدفاعية المغربية في الصحراء المغربية والوصول إلى عمق الأقاليم الصحراوية ( العيون و الداخلة و السمارة). -القضاء على الجماعة السلفية للدعوة و القتال الجزائرية المنطلقة من الشرق الأوسط ( إيران، باكستان، أفغانستان). -إسكات المد الشيعي الإباضي Mozabitesفي ولاية غرداية وبن ريان و في الجنوب الجزائري بأكمله وذلك بالظهور بمظهر المتعاون مع الشيعة في إيران. -التأثير على التيار الإسلامي الجزائري من طرف طهران لدفعه لقبول عهدة ثالثة للرئيس بوتفليقة ( تمويل بعض الأحزاب و بعض الشخصيات الجزائرية المحسوبة على التيار الوطني الاسلاماوي). إن الدبلوماسية المتحركة الجزائرية في كل الاتجاهات و في كل الأزمات هي سلاح ذكي يستعمله الرئيس الجزائري ضد أعدائه في الداخل بغية ترهيب الطبقة السياسية و العسكرية الرافضة لتغيير الدستور من اجل السماح له بعهدة ثالثة. أما على المستوى الخارجي، فتتمثل تحركات الدبلوماسية الجزائرية في تلويحها بالحرب و الهيمنة في محيطها الإقليمي من خلال انفصاليي البوليساريو. فالرئيس الجزائري يسلك منهجا تخويفيا و ترهيبيا، يركز بواسطته على زعامة الجزائر في منطقة شمال إفريقيا و إخضاع الجميع لمنطقه وإرادته. إن التقارب الجزائريالإيراني الجديد يدعم هذه الأطروحات و الطموحات الجزائرية في ما يخص قضية الصحراء المغربية، و دليلنا على ذلك هو حضور مندوب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في احتفالات البوليساريو في قرية تفاريتي المغربية، انه المقابل المقدم للجزائر و عربون تحالف جديد في المستقبل. أما إيران فقد تستفيد كثيرا هي الأخرى من التعاون السياسي والاقتصادي مع الجزائر في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها، فالعلاقات الدولية بالنسبة للملالي وعلى رأسهم مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خاميني، و الرئيس محمود احمدي نجاد و رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، و علي لاريجاني رئيس البرلمان و المفاوض السابق في الملف النووي الإيراني، هي لعبة شطرنج تعتمد على أسلوب شد الحبل، و العصا و الجزرة، أسلوب يقوم على معادلة ربح الوقت و النفس الطويل في المفاوضات الخاصة بالملف النووي مع الغرب، و على عامل إحياء التحالفات القديمة التي خلفتها الحرب الباردة القديمة الحديثة. فالتعاون الإيرانيالجزائري الجديد يدخل في نطاق هذه اللعبة الشائكة المعقدة و المتشعبة التي نسجتها إيران منذ قيام الثورة الإسلامية من خلال تقاربها مع الجزائر، و ذلك على عدة مستويات سياسية وتجارية تهم إفريقيا و العالم العربي، الشيء الذي سوف يفيدها في فك عزلتها في وقت يستعد فيه الغرب إلى تشديد العقوبات الاقتصادية على هذا البلد المسلم، الذي أصبح قوة عسكرية في الشرق الأوسط كما فعل الغرب مع نظام صدام حسين. إن زيارة الرئيس الجزائريلإيران بدأت تقوي الاعتقاد السائد هنا في المغرب العربي، و في أوساط العارفين بخفايا و خبايا الأمور في المنطقة، إن التوازن الاستراتيجي في شمال إفريقيا أصبح الآن مهددا من قبل هذا التحالف الغير الطبيعي، خاصة و أنه تزامن مع التحولات التي تشهدها العلاقات الدولية بعد أزمة القوقاز . فالدول المغاربية و دول الناتو تتابع هذا التحالف الجديد الحاصل بين إيران و الجزائر بكثير من القلق واليقظة. وضع سياسي مغاربي هش قد يدفع دول اتحاد المغرب العربي و الساحل و حتى الدول العربية الأخرى كالسعودية و مصر إلى الخروج من صمتها عبر اتخاذ قرارات مصيرية مضادة لهذا التقارب و ذلك من خلال الانخراط في تحالفات جديدة، كما يدفع الناتو إلى مراجعة تعاونه العسكري مع الجزائر في ملف الحرب ضد القاعدة. ختاما، أقول أن التحالف الحقيقي و الصحيح هو ذلك التحالف الذي يقوم بين الحاكم و شعبه، و بين هذا الأخير و جيرانه و إخوته المقربيين. لذا أتمنى النجاح و طول العمر للرئيس بوتفليقة حتى يتمكن من حل كل النزاعات في كل أرجاء العالم خاصة النزاعات الداخلية التي يعرفها بلده، و الصراعات القائمة مع جيرانه أولا خاصة نزاع الصحراء المغربية و تمرد التوارق في مالي، وهكذا سوف يكون الشعب المغربي السباق في ترشيحه لجائزة نوبل للسلام. فالتحالف يكون مع الشعب و ليس على حسابه و لا على حساب الجيران يا رايس! كما انصح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية أن لا يتدخل في الصراعات العربية-العربية، وأن يبقي على الحياد فيها و أن لا يكرر تجربته مع العراق الجريح حتى لا يخسر ما تبقى من عطف الشعوب العربية والإسلامية لإيران في مواجهتها للغرب "فالدين النصيحة". *أستاذ العلاقات الدولية خبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية [email protected]