بسط الدكتور مليود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية والتواصل بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، على طاولة التشريح رسالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التي تُليت قبل أيام خلت في مؤتمر أبوجا النيجيرية، ودعا من خلالها إلى إحداث آلية لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، حيث وجد بلقاضي في خطاب بوتفليقة محاولة منه للظهور بصورة مناضل حقوقي يدافع عن حركات التحرر بالعالم، رغم أن "تاريخ الرجل أسود في مجال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان". ولفت بلقاضي، في مقال خص به هسبريس، إلى أن رسالة بوتفليقة لم تكن من إنتاجه، لكونه "ميت سريريا، ولكنها صيغت من محيطه الذي يريد تصعيد الموقف مع المغرب، بعد وفاة بوتفليقة، فاستغلوا مرض الرئيس الجزائري لإشعال حرب إعلامية وسياسية في سياق سياسي جزائري مأزوم وغامض ومفتوح عن كل الاحتمالات" يقول بلقاضي. وهذا نص مقال ميلود بلقاضي كما ورد إلى هسبريس: *** تعتبر رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للمشاركين في الندوة الإفريقية للتضامن مع القضية الصحراوية التي قرأها نيابة عنه وزير العدل حافظ الأختام الطيب من أخطر ما أنتجه الفكر السياسي المؤسساتي الرئاسي الجزائري منذ قيام الجمهورية الجزائرية. رسالة تتكون من 1542 كلمة لكن كل كلمة فيه جاءت على شكل صاروخ جعلت العلاقات المغربية الجزائرية تتزعزع بشكل مفاجئ، وتعود بها إلى الدرجة الصفرية .ومن المؤسف أن عددا من الإعلاميين والأكاديميين والسياسيين تحدثوا عن الرسالة دون الرجوع إليها وتحليلها، أنها رسالة في قمة الخطورة لكون مضامينها تحاول تضليل الرأي الوطني الجزائري والإقليمي والدولي بمهام بوتفليقة - وهو على سرير الغيبوبة السياسية- بكونه صاحب المهمة الرسولية والدور النبوي والمناضل الحقوقي والناطق باسم الحقيقة والمدافع عن الحرية والعدالة والوصي عن حقوق الشعوب وتقرير مصيرها الخ أنها باختصار رسالة تحاول التخلص من عقدة تاريخية وسياسية عند بوتفليقة ومحيطه اسمها عقدة المغرب. سياق الرسالة : يتوزع بين نوعين:ا- سياق داخلي يرتبط بالنظام الجزائري ذاته وبالخصوص بالمؤسسة منتجة الرسالة التي استغلت شلل الرئيس الجزائري الفكري والسياسي والبيولوجي لوأد ولإجهاض أي إمكانية تقارب بين المغرب والجزائر بعد رحيل بوتفليقة وهذه إستراتيجية كانت متوقعة من طرف اللوبي الجزائري المستفيد من الريع الاقتصادي والسياسي الجزائري لتوريط القيادة الجزائرية المقبلة بعد رحيل بوتفليقة في قضية الصحراء لتبقى قضية معلقة في خدمة أجندة قادة الجزائر. وهذا ما أشار إليه الكاتب الجزائري محمد سيفاوي المعنون »بوتفليقة خدامه وأسياده« الذي توقع بقرب سقوط نظام بوتفليقة - منذ 2011 - لأنه يحمل في ذاته كل مؤشرات الانهيار، فعلى سبيل المثال لا الحصر يتحدث الكتاب عن أعمار الساسة الجزائريين وجنرالاتهم فيجد معدل أعمارهم في سنة 2011 تاريخ نشر الكتاب 73 سنة فيما معدل عمر الشعب الجزائري هو 35 سنة وما ينتج عن ذلك من صراع خفي ومكشوف بين أجهزة نظام بوتفليقة، وهذا ما يفسر ترشيح للمرة الرابعة بوتفليقة وهو شبه ميت، لأنه رئيس مريض يمارس الأنشطة الرئاسية بالوكالة . ب سياق خارجي: عرت رسالة بوتفليقة حقيقة النظام الجزائري الذي يخوض حربا ممنهجة إعلامية وسياسية ودبلوماسية ضد المغرب بهدف تحقيق ثلاث أهداف رئيسية: أولها : محاولة تصريف الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي تمر منها الجزائر عبر تصعيد خطير مع المغرب لصرف أنظار الرأي العام الجزائري عن تطاحن الأجهزة الجزائرية حول الحكم بعد رحيل بوتفليقة وإشغال الجزائريين عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وترشح بوتفليقة للانتخابات الرئاسية للمرة الرابعة . ثانيهما: الامتعاض القوي الذي أبدته الخارجية الجزائرية من التحرك الدبلوماسي والإعلامي الذي أقدم عليه المغرب مؤخرا بغية التعريف بعدالة قضية وحدته الترابية. ثالثهم :العودة القوية للمغرب في عمق القارة الافريقية التي تزامنت مع دعوة المبعوث الأممي كريستوفر روس الى ضرورة تحقيق تقارب بين المغرب والجزائر، ومطالبة الأمين العام للأمم المتحدة الى تشجيع وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين من أجل تسريع إيجاد تسوية لنزاع الصحراء ومواجهة التحدّيات الأمنية التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء. شكل الرسالة: عكست لغة رسالة بوتفليقة فكرة واحدة أساسية، وهي كشف حقيقة الرجل الذي قرر قبل موته قتل كل آمال الشعبين المغربي والجزائري في العيش بسلام بعد رحيله .فللغة التي صيغت بها الرسالة بها لم تحضر في أي خطاب او رسالة لأي رئيس جزائري حتى في عز الحرب بين المغرب والجزائر. فشكل الرسالة برهن عن التدخل السافر لبوتفليقة في شؤون الصحراء المغربية، وأخطر ما جاء في هذه الرسالة هي رمزية المفاهيم التي وصف بها المغرب وعلاقاته بصحراءه من مثل قبيل : »المغرب الدولة المحتلة - معاناة الشعب الصحراوي تتجاوز 40 سنة-وضع آلية لمراقبة ومتابعة حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة أمر ضروري – توسيع صلاحيات بعثة المينورصو لتشمل تكفل الأممالمتحدة بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية واعتبارها ضرورة ملحة-"الانتهاكات المتعددة والممنهجة لحقوق الإنسان التي تمارس داخل الأراضي المحتلة لقمع المواطنين في كفاحهم السلمي من أجل حرية التجمع و التظاهر و التعبير لا يمكن أن تتم في ظل لامبالاة المجتمع الدولي- دعم الجزائر للقضية الصحراوية مشيرا إلى أن "الجزائر التي ما فتئت تساند الكفاح التحرري للشعوب خاصة في القارة الإفريقية ستواصل مساندة شعب الصحراء الغربية في كفاحه لاسترجاع حقوقه- حق تقرير مصير شعب الصحراء الغربية من خلال تنظيم استفتاء حر ونزيه تحت إشراف الأممالمتحدة- النزاع في الصحراء الغربية مسألة تصفية استعمار- فرض سياسة الأمر الواقع الاستعماري من خلال التنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره تعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي وستكون منافية لتوجه الأممالمتحدة في مجال تصفية الاستعمار «. إنه معجم يعود بنا إلى لغة الحرب الباردة في بداية القرن 20، معجم اشتغل بلغة تتعارض ودائرة الوقائع السياسية والمستجدات الجغرافية والتاريخية بالصحراء .بوتفليقة بعد اقتناعه بفشله العسكري والسياسي والدبلوماسي وكل خططه في مواجهة المغرب التجأ إلى ورقة جديدة هي الوضع الحقوقي بالأقاليم الصحراوية وهنا أبان بوتفليقة عن عقدته اتجاه المغرب حينما أراد تسويق نفسه كحقوقي والجزائر كجنة لحقوق الإنسان ، انه الانخراط اللاواعي في لعبة اللغة السياسية والحقوقية ،لغة رسالة بوتفليقة كينونة سياسية جاءت لتتكتم عن حقيقة هزائمه .شكل الرسالة بوتفليقة هو الوجه الأبرز للمأزق الذي يوجد عليه النظام الجزائري لذلك التجأ الى لغة القرن الماضي والى اللغة الحقوقية ولغة الإدانة المجانية، لذلك نقول لا خطاب سياسي دون خيانة وبوتفليقة خانته لغته المخترقة لأسوار العقلانية السياسية والمتناقضة مع الحقائق. ويؤكد علماء النفس ان اشتداد الأزمة بالفاعل السياسي وشعوره بالهزيمة في تحقيق خططه اتجاه اعداءه ترغمه على اللجوء للغة التعتيم والتضليل والكذب والتحايل والعنف، وهذا ما أكدته رسالة بوتفليقة التي أراد من خلالها ان يظهر المغرب كدولة خارج القانون ومتحدية للقانون الدولي ودولة محتلة ومغتصبة لحقوق الانسان ومنافية لتوجه الأممالمتحدة في مجال تصفية الاستعمار وقمعه لحريات التعبير والتجمهر السلمي الخ ..كل هذه الاتهامات للمغرب تعكس عقلية الرئيس الجزائري وحدود تفكيره التي لم تتجاوز بعد خطاب المؤامرات الساذجة. لغة الرسالة لغة مخاتلة كشفت عن حقائق الرئيس الجزائري تجاه المغرب واتجاه صحراءه، وبالتالي فمضامين الرسالة لم تتعال عن الظروف العامة التي تمر بها الجزائر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. مضامين الرسالة : تتوزع بين ثلاث قضايا: *- محاولة إظهار الجزائر كدولة حقوق الإنسان وبوتفليقة' »كمناضل حقوقي« و»مدافع عن مصير الشعوب في تقرير مصيرها« و»كمدافع عن حركات التحرر في العالم« في حين أن تاريخ الرجل اسود في مجال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ويكفي أن نؤكد على ذلك بما وقع للصحافي الكاريكاتوري الجزائري الذي سجن بعدة سنوات شهر اكتوبر الماضي 2013 بسبب نشره صورة لها علاقة بالوضع الصحي لبوتفيلقة * - تأكيد كراهية بوتفليقة وعداءه للوحدة الترابية الوطنية.ج – تطاوله على سيادة المغرب على أراضيه بل انه تدخل بشكل سافر ضد كل الأعراف والقوانين الدولية في الشؤون الداخلية للمغرب عبر مطالبته ببلورة آلية لمتابعة ومراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، و هو ما يتنافى مع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الذي يكفله ميثاق الأممالمتحدة. *- محاولة اقناع العالم بان الجزائر وقائدها هي المدافعة عن حركات التحرر الخ ... والأكيد أن مضامين الرسالة عرت نفاق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة فضحت حقده اللامتناهي على المغرب والوفاء لخطه المعادي للوحدة الترابية وما إخراجه ورقة حقوق الإنسان في محاولة يائسة جديدة وبدون أفق الا مناورة لن تكون هي الأخيرة . خلفيات الرسالة: خلفيات رسالة بوتفليقة متعددة منها ما هو خفي ومنها ما هو مكشوف والمطمور فيها اخطر من المصرح به ، والأكيد أنها لم تكن إنتاجه لأنه ميت سريريا، ولكنها صيغت من محيطه الذي يريد تصعيد الموقف مع المغرب بعد وفاة بوتفليقة فمنتجو الرسالة استغلوا مرض الرئيس الجزائري لإشعال حرب اعلامية وسياسية في سياق سياسي جزائري مأزوم وغامض ومفتوح عن كل الاحتمالات . ومع المؤسف ان يسقط المغرب في الفخ ليدخل في حرب اعلامية وسياسية مجانية مع النظام الجزائري وكان على المغرب التسلح بالصبر وبالحكمة وبعد النظر وبان لا يترك شباب غاضب ان يزيل العلم الجزائري من فوق قنصلية الجزائر لان مثل هذه السلوكات غير المدروسة تكون باهظة الثمن أمام عدو ليس له ما يخسره، لأن بوتفليقة ومحيطه لن يتغيروا ولن يغيروا مواقفهم من الوحدة الترابية بسهولة لأنه، وكما قال غرامشي في كتابه -ملاحظات حول السياسة- : » ان السياسة لم تتغير ولن تتغير ... لكون بنية الإنسان الفكرية لن تتغير بسهولة « لذلك نقول رسالة بوتفليقة أكدت ان الرئيس الجزائري وحاشيته هم الناطقون الرسميون للبوليساريو وقد برهنت مضامين الرسالة أن بوتفليقة استعمل - هذه المرة - أسلحة جديدة لمواجهة المغرب – قد تكون هي نقط قوته أو نقط ضعفه- هي حقوق الإنسان من خلال دعوته الدول التفريقية والمجتمع الدولي ل: " وضع آلية لمراقبة ومتابعة حقوق الإنسان بإقليم الصحراء و توسيع صلاحيات بعثة المينورصو لتشمل تكفل الأممالمتحدة بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية بهدف بلقنة الصحراء من الداخل عبر خلق شروط المواجهة بين رجال الأمن وبعض الشباب الصحراوي المغرر بهم بل بفتح الحدود الجزائرية لتسهيل عملية تسلل الإرهابيين لزعزعة امن المنطقة.. خاتمة: رسالة بوتفليقة مثلت الدرجات القصوى في الكراهية والحقد على المغرب ،انها رسالة تعبر عن الصدمة والخيبة وتحاول إخفاء الإخفاقات المتراكمة للنظام الجزائري في تدبير ملف الصحراء المغربية ، انها رسالة أزمة على سبيل التشخيص والتوصيف والتحليل انها باختصار رسالة الإرهاب السياسي والعنف اللغوي و السياسة الرسولية والاستبداد الفكري كما يقول الكواكبي الذي كان يطالب بتحرير العقول من براثن الاستبداد لتقدم الشعوب ، باختصار أنها رسالة نرجسية ومرض السلطة كما تلوح في الأفق أزمة انتقال السلطة بالجزائر. وعليه فعلى المهتمين بملف الصحراء وبالعلاقات الدولية أن يقرؤوا رسالة بوتفليقة وأن يحولوها إلى حقل معرفي منتج لمعرفة سياسية يصعب إدراكها دون الرجوع الى الرسالة/ الخطاب الذي لا يمكن أن يتعالى عن شروط انتاجه لان أي رسالة سياسية او خطاب سياسي لا يبحث الحقائق كما هي بل انه يفرض حقائقه. رسالة بوتفليقة هاته هي رسالة انقلاب سياسي خطير على التاريخ والجغرافية والأعراف الدبلوماسية يجب أخذها بعين الاعتبار من طرف المسؤولين عن تدبير ملف الصحراء الذي حان الوقت لربط هذا الملف بفلسفة الوثيقة الدستورية التي تربط المسؤولية بالمحاسبة . [email protected]