زواج الأمراء والأميرات حدث وطني بامتياز في كل المملكات، وفي المغرب، ظل هذا الحدث مثار فضول الناس، ومايزال المواطنون ينتظرون أحداثا مرتقبة بفارغ الصبر من مثل زواج الأمير مولاي رشيد أو زواج الأميرة للاسكينة. إلا أن أمر زواج الملوك والأمراء ليس مجرد لحظة فرح في إطار ارتباط استثنائي، ولكنه أمر شديد التعقيد، ويخضع لطقوس مرعية، لدرجة أن الراحل الحسن الثاني عندما سئل في "ذاكرة ملك" عما يشغله أكثر، لم يكن الجواب يتعلق لا بالحرب ولا بقضية الصحراء ولا بالتناوب ولا بالسكتة القلبية، ولكن كان، أمام دهشة المحاوِر والقارئ، يتعلق ب "تقنين زواج الأمراء المقبلين"، حيث أفصح عن تفكيره في تحرير ظهير بهذا الشأن، ومضمونه هو رغبة الحسن الثاني في حظر زواج الأمراء من أجانب.
هنا اختلف الحسن الثاني عن بعض أجداده الذين تزوجوا بأجنبيات من مثل والد المولى عبد العزيز وعن والده الملك محمد الخامس الذي سمح لولده الأمير مولاي عبد الله بالزواج من اللبنانية لمياء الصلح، وكأن الإبن يسير على خطى والده، عقد المولى إسماعيل بن مولاي عبد الله قرانه على سيدة ألمانية بمباركة الملك محمد السادس الذي تزوج بدوره من بنت الشعب الأميرة للا سلمى وأظهرها للعموم ليبصم ملكه في حياته الحميمية ببصمته الخاصة.
كيف يتزوج الأمراء؟ ما هي تجاربهم؟ كيف سارت التقاليد المرعية في هذا الجانب؟ أي اختلاف بين الملوك الثلاثة للمغرب المستقل في هذا الموضوع؟ أسئلة ضمن أخرى يجيب عنها هذا الملف حول الثابت والمتحول في زواج الأمراء والأميرات.
ظلت الحياة دائماً خلف أسوار القصور على مر التاريخ محط الفضول افي حالات كثيرة، للتقرب كثيرا من نمط عيش الذين يقيمون داخلها، والأمراء المغاربة لا يشكلون الاستثناء، إذ يعدون من بين أكثر الأمراء الذين يحظون باهتمام كبير ليس فحسب من طرف وسائل الإعلام الوطنية منها والأجنبية بل كذلك من لدن المواطنين العاديين.
لكن وكما هو الأمر في أغلب الأسر الحاكمة فإن قيود التقاليد المتبعة في أي بلد تجعل خطوات حياة الأمراء تمشي وفق نظام محدد له حرياته لكن لا يخلو من خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها، والزواج ظل واحدا من أكثر الأمور التي تخضع للكثير من التأني والتنقيب في النصف الآخر الذي سيتقاسم مع الأمير أو الأميرة الحياة.
لقد كان الملك الراحل محمد الخامس مقارنة مع الملك الحسن الثاني أقل تشددا في مسألة زواج الأمراء، ذلك أنه لم يعارض زواج ابنه مولاي عبد الله من اللبنانية لمياء الصلح القادمة من عائلة عريقة لها مكانتها في عالم المال والسياسة، وذلك بعد أن تعرف عليها الأمير الراحل خلال دراستها في باريس، والتي أصبحت ترأس المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين منذ سنة 1967.
لم يكن الأمير مولاي عبد الله أول فرد في تاريخ الملوك العلويين يختار زوجة من جنسية مختلفة، فقد سبقه والد المولى عبد العزيز الذي كان متزوجا من امرأة تركية تدعى «للا رقية»، كانت مستشارته الأولى في كل شؤون الحكم، وكان لا يقدم على أي أمر دون العودة لرأيها كما أشار إلى ذلك مصوره الخاص « غابرييل فيير « الذي قضى إلى جانبه أكثر من ثماني سنوات، أي منذ توليه وإلى حين تخليه عن الحكم للمولى عبد الحفيظ الذي كانت والدته تركية أيضا.
بعد مرور أكثر من أربعين سنة ستشاء الأقدار أن يسير هوى قلب مولاي إسماعيل الإبن الأصغر لمولاي عبد الله على خطى الوالد الراحل، حين ستجمعه قصة حب مع الشابة الألمانية مونيكا التي كان والدها ملحقا عسكريا بالرباط، والتي سيزفها الملك محمد السادس إليه في أول حفل زفاف سيرعاه منذ توليه العرش.
وسيكون الزفاف الثاني منذ توليه أيضا الذي سيعيشه القصر الملكي بعد زواج الملك محمد السادس بللا سلمى في 2002، في خطوة ستقلب تقاليد الأسرة العلوية رأسا على عقب، إذ تعد المرة الأولى التي يعمل فيها ملك على إظهار زوجته للعموم، وأول ملك تابع زفافه الملايين وهو محمول فوق «العمارية» على الطريقة التقليدية المتبعة في الأعراس المغربية.
كما كان أول ملك علوي يتحدث في حوار عن تعرفه على خطيبته للا سلمى في سنة 1999، قبل أشهر من وفاة والده الحسن الثاني، منذ أن ظهرت صورتها لأول مرة في مجلة» باري ماتش» في سابقة في تاريخ الملوك العلويين، قبل أن يتعرف الشعب المغربي على أسرة عروس الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أسرة الملك خلال مراسم حفل الخطوبة.
لتصبح منذ ذلك الحين للا سلمى السيدة الأولى التي سيرتبط اسمها بجمعية محاربة السرطان، ولتواصل حضورها في الكثير من الأنشطة الملكية، وتصبح واحدة من أشهر الأميرات، حيث صنفت في العديد من المرات الأميرة الأكثر أناقة من خلال لباسها التقليدي الذي أدخلت عليه تعديلات تناسبها وأخرجته من تصنيفه في خانة القفطان المخزني.
وإذا كانت الأميرة للا سلمى والملك محمد السادس قد ظلا يعكسان نموذج الملك وأميرته اللذين هما بالأساس ربا أسرة تتكون من الأمير مولاي الحسن والأميرة للا خديجة، فقد عكسا صورة الزوجين المتكاملين ليس في تربية الأبناء فقط ولكن خارج الأسرة كذلك، حيث كانت الصورة التي جمعت للا سلمى منذ سنة وهي تشرح لزوجها محمد السادس خلال افتتاحه لأحد مراكز محاربة السرطان تعطي أكثر من دلالة حول هذا التكامل.
تكامل لم يكتب أن تعيشه الأميرة الحسناء للا مريم مع الزوج الذي كان الحسن الثاني قد اختاره عريسا لها بعد أن أعجب بشخصيته، قبل أن يقدم الملك على إصدار بلاغ يشير إلى إنهاء هذه العلاقة مع فؤاد الفيلالي، وهي العلاقة التي كان من ثمارها إنجاب للا سكينة، أول حفيدة للحسن الثاني ومدللته الفاتنة ثم حفيده الثاني مولاي إدريس، وهما أيضا حفيدا والدة الفيلالي الإيطالية.
لكن خلافا لوالدتها ستختار للاسكينة خطيبا لها، قبل أن تتراجع عن ذلك بعد أن كثر الحديث عن زواج للاسكينة القريب من هشام الخمري في الفترة التي كان يستعد فيها ابن عمها المولى اسماعيل لإقامة حفل زفافه، ولم تمر سوى أربع سنوات تقريبا حتى شاع خبر خطوبة للا سكينة لحفيد فقيه جدها الحسن الثاني، وهذه المرة لم يمر الأمر دون ربط خبر خطوبتها بإشاعة تزويج المولى رشيد لحفيدة الأسرة الإماراتية الحاكمة، وإرفاق الإشاعة بصورة لم تكن سوى لزوجة أمير هولندي خلال مناسبة زواج حضره المولى رشيد الذي جعلت منه عزوبته الطويلة الأمير الأكثر عرضة للإشاعات التي زوجته مرات عديدة.
أن تختار شريكا للحياة، أو يتم اختياره من طرف الملك الأب، وهذا هو الشائع، كان لا بد أن يخضع العريس المحتمل لفحص لحياته الشخصية والمهنية، وهذا ما ظل يتبعه الحسن الثاني قبل أن يوافق على زواج الدكتور بنحربيط المختص في جراحة القلب من الأميرة للا حسناء، وكذلك قبل أن يختار بوشنتوف عريسا للأميرة للا أسماء.
الملاحظ أن الحسن الثاني لم يصاهر أيا من العائلات الحاكمة، ولم يختر أمراء لشقيقاته، بل زوجهن من رجال لم يكونوا بعيدين عن القصر، ومن بينهم أحمد عصمان الذي تزوج بالراحلة للا نزهة، وظل الزوج الأشهر عند عامة الناس مقارنة مع أزواج عمات الملك الآخرين، للا عائشة التي كان زوجها اليعقوبي يركن إلى الظل قبل أن تخرجه للضوء الرصاصة التي كان قد صوبها نحو شرطي بشاطئ عين الذئاب حين طلب منه أن يدلي له بأوراقه، كما ظلت كذلك كل من الأميرة للا أمينة وللا مليكة دائماً في الواجهة في حين ظل زوجاهما في الظل، لتواصل أسماء ابنة الآميرة للا أمينة وشقيقها حمل اسم والدهما الراحل الوزاني، وكذلك أبناء الأميرة للا عائشة من زوجها الشرقاوي.
لم يسبق لأي أمير أو ملك علوي أن تزوج من أميرة، رغم أن راديو المدينة قد زوج الأمير المولى رشيد في آخر إشاعة تعرض لها من أميرة عربية، ورغم محاولة السلطان العلوي المولى اسماعيل لطلب يد ابنة ملك فرنسا لويس الرابع عشر الذي تزامن حكمه القوي مع حكم السلطان الشهير بقوة جنده التي كانت تحمل اسم البخاري، وذلك بعد أن سمع عنها أوصافها من طرف سفيره بنعائشة خلال سفارته بفرنسا، ولم يكن السلطان العلوي يسعى من ذلك سوى لتوطيد العلاقات أكثر بين فرنسا والمغرب بعيدا عن أي تعلق بالأميرة الفرنسية كما جاء في العديد من الكتب التي تناولت حكم المولى إسماعيل.
تحدث المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي بمناسبة زواج الملك محمد السادس عن تقاليد وتاريخ زواج ملوك المغرب في حوار مع «الشرق الأوسط»، جاء فيه أن الدكتور التازي كشف النقاب عن مناقشة في الموضوع دارت بينه وبين الملك الراحل الحسن الثاني، وقال: «قبل سبعة عشر عاما استقبلني الملك الراحل الحسن الثاني لمناقشة كتاب أصدرته إبانها حول تقاليد الزواج المغربي، وقال لي إن لي عليك بعض الملاحظات التي يتعين أن تضيفها إلى كتابك، وهي التقاليد الخاصة بالقصور الملكية».
وأضاف التازي «لقد كنت سعيدا أن أتلقى منه هذه الملاحظة التي خولت لي فرصة الاجتماع به في جلسة خاصة مطولة استفدت منها الكثير، وعلمت الكثير عن تقاليد القصور الملكية في القديم»، مبرزا على الخصوص خاصيتين في كيفية اختيار زوجة الملك في تاريخ القصور الملكية المغربية، الأولى أنه عندما يريد الملك أن يتزوج فإن الإشعار يعطى في بداية الأمر لولاة المملكة لتقديم ترشيحات بالأسر الموجودة، وتؤخذ بعين الاعتبار في ذلك مطالب وحدود معينة، من حيث الأسرة والوضع الاجتماعي، والمكانة التي تحظى بها المرشحة في وسطها الاجتماعي».
وأضاف الدكتور التازي أن المعطيات التي يقدمها الولاة يتم «تحويلها في مرحلة ثانية إلى القصر الملكي، حيث تدرس بموضوعية وجدية، لينتقل إلى خطوة ثالثة تتمثل في الاختيار».
وقال التازي «إن الولاة عندما يعهد إليهم مهمة إعداد المعلومات حول الأسر يتم ذلك في كنف السرية التامة، والوالي نفسه لا يعلم ما هو القصد من العمل الذي ينجزه، ولكنه يتقيد بإنجاز المطلوب منه وفق مواصفات وشروط محددة»، وأضاف أن «الخطوة اللاحقة تتعلق بعملية الاختيار من الترشيحات المنتقاة في مستوى متقدم، وعندها تقع اتصالات أخرى ذات طابع خاص، ويتعلق الأمر باتصالات تجريها دائرة قريبة جدا للملك في القصر الملكي، وهي اتصالات تهتم بجميع النواحي، وأقصد بذلك النواحي الخُلقية والخَلقية والسيرة والسلوك».
وقال التازي إنه «في المرحلة المتقدمة من اختيار المرشحة لتكون زوجة الملك وإجراء الاتصالات الخاصة من قبل الدوائر القريبة جدا في القصر الملكي، ينتقل الأمر إلى مرحلة محاولة رؤية الملك بصريا لهذه الفتاة المحظوظة».
وأضاف المؤرخ المغربي أن «من أغرب ما علمته عن تقاليد القصور الملكية المغربية في باب الزواج، أن عقد الصداق أو الزواج يتم بباب دار القصر، وليس بداخله، وهو أمر يدخل في إطار الدلالات الحضارية والرمزية لزواج الملك، ويقصد به إشعار المرأة أو الأميرة أنه لا مجال أمامها للعودة إلى بيت أهلها، وأن على كل من الجانبين تحمل الآخر»، مشيرا إلى أن ذلك «دلالة رمزية لطيفة تبين إلى أي مدى أن الملك وزوجته، ورغم مركز كل واحد منهما، فإن اللقاء المقدس بينهما، وهو لقاء تباركه السماء والشرائع، هو لقاء يقوم على ميثاق يقوم على التآلف والتحاب إلى آخر لحظة».
وأشار الدكتور التازي إلى زيجات الشباب التي تتزامن مع زواج الملك، وقال إنها عادة تعود إلى خمسة قرون، وكان أولها في عهد السلطان مولاي إسماعيل جد الأسرة المالكة الحالية في المغرب. وهي فرصة يختار ضمنها عبر الولايات ضعاف الحال من الشباب لمساعدتهم على إتمام نصف دينهم والزواج في نفس يوم زواج الملك. وهي تجسد قيمة ومعنى في منتهى الرقة بالنسبة لملك البلاد الذي يريد أن يشترك معه أبناء رعيته في لحظات السرور والبهجة التي يعيشها، وهي لحظات لا تنسى ولها غدها بالنسبة لأولئك الشبان والفتيات الذين تستمر الرعاية الملكية لهم بعد الزواج.