لم يعد أحد بإمكانه الجدل حول الدور الكبير الذي باتت تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في إثارة العديد من القضايا و تحويلها إلى قضايا رأي عام وطنية أو حتى دولية في وقت وجيز جدا. على اعتبار درجة التجاوب الذي تلقاه و كذا النقاش الذي تتركه خلفها. إن قضية القرارات التي اتخذها مجلس القسم في حق تلميذين في مدينة مكناس بسبب ضبطهما في وضع تبادل القبلات بإحدى قاعات الدرس الفارغة. والتي تمثلت في قراري طرد التلميذة و توقيف التلميذ، لم تعد القضية الوحيدة التي أعادت إلى الواجهة النقاش حول السبل الكفيلة بضمان مستوى لائق من القيم و الانضباط و الاحترام للمؤسسات التعليمية و للعاملين فيها و لفضاءاتها و حرمتها كمؤسسة للتربية و التكوين. فأول أمس زاد فيديو جديد يوثق لواقعة اعتداء تلميذ هائج على أستاذه و سحله أمام زملائه في الفصل داخل مؤسسة تربوية بمدينة ورزازات، من وثيرة هذا النقاش، ودق ناقوس الخطر حول الواقع المؤلم الذي تعيشه أغلب المؤسسات التعليمية على مستوى انحدار عامل القيم و الأخلاق و الاحترام. لن نعود في هذا المقال إلى مناقشة هذه الحالات فقد تكفلت مواقع التواصل الاجتماعي و تطبيقات واتساب بذلك. لكن من غير المقبول الاستمرار في المرور على مثل هذه الأحداث. و اتباع طريق النعامات التي تغمس رؤوسها في التراب و تنحني للعواصف التي قد تُخلف دمارا شاملا داخل مؤسساتنا التربوية في حال الاستمرار في السكوت عنها وعدم التنبيه لمخاطرها. فقد آن الأوان أن يقف المسؤولون وقفة تأمل حقيقية بعيدا عن لغة العواطف و الدغدغة الفارغة، من أجل وضع نظام و مساطر موضوعية و صارمة لضمان ظروف عمل لائقة لنساء ورجال التعليم و قوانين عنوانها الاحترام المتبادل دون الانتصار إلى طرف على آخر لاعتبارات لم يعد مجديا الاستمرار في اجترارها. فالمذكرة الوزارية المتعلقة بضوابط انعقاد مجالس الأقسام الانضباطية ستضع الوزارة نفسها في حرج كبير و تُحاكمها أمام الرأي العام الوطني في حال الاحتكام إليها في واقعة سحل أستاذ ورزازات من طرف تلميذه، إنه الاعتداء… إنه السحل… يا سادة …إنه التشهير بأستاذ له كرامته و له أسرته و أبناؤه و عائلته وأسرة التعليم و الآباء والأولياء الذين سيطالهم أيضا ما طال الأستاذ من أذى معنوي ونفسي. حالتا مكناس و ورزازات و حالات أخرى الأكيد أن المؤسسات تسعى جاهدة لطيها في تكتم شديد، تُحاكم واضعي المذكرة الوزارية رقم 867/14 و تُحاكم مضامينها، نعم هناك الكثير من المخالفات البسيطة التي تستوجب التعاطي معها بما يلزم من المقاربة التربوية كالبستنة و النظافة…" غير الحاطة من كرامة التلميذ؟"، لكن هل يقبل واضعوا المذكرة على أنفسهم تطبيق مقتضياتها على من يعتدون عليهم في مكاتبهم أو في الشارع العام، إن نساء ورجال التعليم و الإداريين يُعانون كل أنواع الترهيب النفسي بشكل يومي ليس من قبل جميع التلاميذ بطبيعة الحال لأن حكم التعميم دائما فيه إجحاف، ولكن من طرف عناصر تُعاني من مشاكل اجتماعية جمة لا دخل للأستاذ و لا للمؤسسة فيها وهؤلاء منهم من تنفع معه السبل التربوية و جلسات خلايا اليقظة و الأنشطة التربوية، لكن كيف يمكن التعاطي مع بعض العناصر التي تحول همها اليومي إلى الانتقام من المؤسسة و من العاملين فيها و من التلاميذ المجدين الذين من حقهم أيضا أن يدرسوا في سلام و طمأنينة. رسالتي عبر هذا المقال موجهة إلى المسؤولين من أجل إعادة النظر في مضامين المذكرة الوزارية التي قيدت عمل المجالس الانضباطية و حولتها إلى لا شيء، لدرجة أصبح معها الأساتذة و المدراء يتساءلون عن جدوى انعقادها أصلا إن بقيت على هذا الحال. إن المطالبة بإعادة النظر في مضامين المذكرة الوزارية الضاربة في العمق لأحد أهم مرتكزات منظومة التربية و التكوين المتمثلة في الحفاظ على معيار القيم و الأخلاق، لا يعني أن تُطلق الوزارة الحبل على غاربه، لأني كمتتبع أعي وأتفهم تخوف الوزارة من أن تتحول المجالس إلى محطة لمحاكمة التلاميذ و طردهم و توقيفهم ورميهم إلى الشارع لأسباب بسيطة، لكن أن تستمر مضامين المذكرة بهذا السقف الهزيل فهذا لن يزيد مؤسساتنا سوى احتقانا ولن يزيد نساء ورجال التعليم سوى احتقارا من لدن فئة لا هم لها سوى تفريغ مكبوتاتها المجتمعية التي تتفاقم في فضاءات المؤسسة و المنتسبين إليها من أساتذة و إداريين و تلاميذ الراغبين في الدراسة أيضا. وسأختم رسالتي هاته بتساؤل غير بريء: ماذا ستفعل الوزارة مع التلميذ الذي سحل موظفها أثناء ادائه لواجبه المهني؟ وأتساءل هل مضامين المذكرة الوزارية رقم 867/14 تفي بالغرض ؟…