مع تزايد المخاوف في أوروبا من انتشار السلفية، والحديث عن أنها تمثل أرضية خصبة للتطرف والإرهاب، عرض المغرب تدريبَ أئمة وخطباء المساجد الأوروبية، في محاولة تشجيعية لنشر المذهب المالكي، درءاً لتطرف الأقليات المسلمة التي تعيش في تلك القارة. فكثيرٌ من كبرى الحوادث والاعتداءات التي تبنَّاها تنظيم "داعش" شهدت تورّط شبابٍ مغربي نشأ وتربَّى في أوروبا، مثل اعتداءات باريس في نونبر 2015 وحادث تفجير مطار بروكسل بعده ب4 أشهر، وفق لما ذكر تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية. كما يعتقد أن شباباً مغاربة تطرَّفوا على يد الإمام المتشدد عبدالباقي السطي في إسبانيا، كانوا هم من نفَّذ الاعتداء في برشلونة الإسبانية، الذي أسفر عن مقتل 16 شخصاً، عندما دهس أحد المتطرفين مجموعةً من المشاة في شارع لاس رامبلاس بالمدينة.
لماذا المذهب المالكي؟ يقول عبدالحق خيام، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب بالمغرب: "لقد أدركنا غياب جهاز ديني يتبع المذهب المالكي المغربي"، وقد اقترح الخيام تدريب "الأئمة في الدول الغربية على المذهب المالكي، فلدينا أئمة هنا.. سيتولّون تدريب هؤلاء الأئمة مهما كانت جنسياتهم". وعلى مدى العامين الماضيين، عمل "المكتب المركزي للتحقيقات القضائية" الذي يرأسه خيام على تفكيك 42 خلية إرهابية ذات صلة بتنظيم داعش في البلاد، وقد تحدث خيام إلىفاينانشال تايمز قائلاً، إنه من دون "عملية مؤسساتية" لرقابة الخطاب الديني والمؤهلات الدينية لأئمة أوروبا "فإن المنظمات الإرهابية ستستغل الفراغ". وتابع خيام: "ينبغي تنظيم ممارسة الدين في كل البلدان، وأعني بذلك أنه ينبغي وجود مؤسسات تهتم برقابة الخطاب الديني في المساجد. هنا في المغرب لدينا مجلس علماء دين يضطلع بمهمة الإشراف على الخطب وتوحيد الفتاوى، فمن غير الممكن لأي إمام كان، أن يخطب خطبته دون أن يتفحصها المجلس أولاً، للتأكد من مطابقتها لمفاهيم الإسلام السمحة وعدم تشددها". ومن مقره في مدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية، الرباط، قال خيام إن الاستخبارات المغربية كانت قد زوَّدت الدول الأوروبية بمعلومات حالت دون وقوع حوادث إرهابية جديدة في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا والدنمارك. وقال خيام إن مكتبه سيطلق استراتيجية جديدة لمراقبة الأفراد من أصل مغربي، الذين يعيشون في أوروبا ممن جنحوا للتطرف. وتابع: "إن ما حدث في إسبانيا وغيرها من الدول الأوروبية، جعلنا نغير استراتيجيتنا حتى بالنسبة لمن وُلدوا في الغرب من أصول مغربية، فلمواجهة هذه الظاهرة الجديدة بفاعلية أكبر، علينا أن نحاول تعقُّب هؤلاء، فعلى المملكة المغربية وكل البلدان التي لها مواطنون في البلدان الغربية أن تطور لنفسها استراتيجيات جديدة، وتتخذ تدابير لتعقب أثر مواطنيها". ورغم تورط المغاربة في العنف "الجهادي" في بلدان الغرب، وكثرة أعدادهم ضمن صفوف المنضمين إلى مقاتلي داعش الأجانب في سوريا والعراق (والبالغ عددهم 1664 مغربياً حسب خيام)، فإن المملكة المغربية نفسها لم تشهد أي اعتداءات كبرى حتى من قبل ظهور داعش؛ فقد كان آخر اعتداء ضخم شهدته البلاد هو تفجير مطعم سياحي بمراكش عام 2011، أودى بحياة 17 شخصاً. معظم الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها على يد الأجهزة الأمنية كانت خلايا تجنيد المقاتلين الجدد لضمهم إلى داعش، غير أن خيام قال إن بعض تلك الخلايا كانت أيضاً تجمع السلاح وتخطط لأعمال عنف تستهدف أهدافاً محلية وأجنبية داخل المملكة المغربية. وطبقاً للخبراء والمراقبين، فإن الجهاديين لاقوا صعوبة في إجراء عملياتهم بالمغرب؛ نظراً للتدابير الأمنية المكثفة في البلاد منذ عام 2003، عندما هزَّت مدينة الدارالبيضاء، عاصمة البلاد الاقتصادية، سلسلة تفجيرات نفذها 12 انتحارياً وأسفرت عن مقتل 33 شخصاً.
لماذا يعتنق المغاربة الفكر المتطرف رغم مذهبهم المتسامح؟ يصرُّ خيام على أن الفضل في استتباب الأمن نسبياً في المغرب يعود في أحد أسبابه إلى الجهود التي تعزز سماحة الإسلام، حسب المذهب المالكي الشائع في شمال إفريقيا. لكنه عندما سئل لِم لَمْ يقف ذلك دون تشكل عشرات الخلايا المتطرفة وتدفق المقاتلين الأجانب المغاربة إلى سوريا والعراق، أجاب بأن السبب الرئيسي هو الإنترنت، وختم قائلاً: "للأسف ثمة شباب ضحل الثقافة لا يستطيع التفريق بين الخطأ والصواب، وهو سهل الاستهواء على الإنترنت، إذ فيه يقع فريسة بيد قادة وزعماء هذه المنظمات الإرهابية".